يوسف الرمادي يكتب: عندما تكون السينما التونسيّة في خدمة سياحتنا

كتب: يوسف الرّمادي
كنت في رحلة بحريّة على متن الباخرة “كوستا فورتونا”وهي رحلة ممتعة يطول الحديث لو أردت التطرّق إليها، وقد يكون ذلك في مناسبة أخرى…
أمّا اليوم فسأكتفي بالوقوف على النظام المُحْكم على هذه المدينة المتحرّكة والتي يفوق عدد سكّانها 3500 شخصا حيث كنت طوال 15 يوما لا أسمع إلاّ الكلمات الطيّبة في نغمة هي أقرب للهمس فلا صياح ولا خروج على النظام، أمّا الخصام والشغب الذي هو خبزنا اليومي فقد نسيتُ طوال هذه الرحلة أنّه موجود على وجه البسيطة. وحيث أنّ الحديث ذو شجون فسأتوقّف مع الوعد بالرجوع لهذه الرحلة…
عشاء على متن ‘كوستا فرتونا’
لِنَعُدْ لموضوعنا … من بين التراتيب على الباخرة أنّ لكلّ مسافر الحقّ كلّ ليلة في عشاء بمطعم “ماركو بولو” الفاخر وعلى مائدة معيّنة لا تتغيّر طوال الرحلة وحيث أنّ المائدة تسع لستّة أشخاص فقد كنّا ـ أنا وزوجتي ـ مع زوجين فرنسيّن على نفس المائدة وحيث أنّ من عادات الفرنسيّن الحديث عند العشاء ـ الذي غالبا ما يطول ـ فكانت المواضيع منها ما يتعلّق بالسفرة والبلدان التي نكون قد زرناها وأحاديث أخرى خفيفة أقرب للمجاملة منها للجدّ مع الابتعاد خاصة عن السياسة…
حلق الوادي
وليلة الإبحار من “إسطنبول” للذهاب لميناء حلق الوادي بتونس (وجاء اسم حلق الوادي في البرنامج الموزّع علينا لاغولات) وعند العشاء سَألتُ الفرنسي الذي كان على يميني ماذا اخترتَ من المواقع المبرمجة لزيارتك فهل اخترت قرطاج وسيدي بوسعيد أم المدينة ومتحف باردو؟ فأجابني: أمّا زوجتي فقد اختارتْ قرطاج وسيدي بوسعيد. أمّا أنا فإنّي سأنزل في “لا غولات” وأجلس في إحدى المقاهي وأشرب قهوة وأنا أستعرض أحداث فِيلْم “صيف في حلق الواد”
الذي كانت بطلته الممثّلة الكبيرة “كلوديا كاردينال” وأفكّر في التعايش الذي كان بين الديانات المختلفة اسلام ويهوديّة ونصرانيّة وبين الأجناس المختلفة من عرب و فرنسيّن وإيطاليّن ومالطيّن وحتّى رقرييّن (يونانيّن) كما نقل ذلك هذا الفيلم..
وأمتّع النظر بهذه المدينة الفريدة من نوعها والتي استطاعتْ أن تستوعب كلّ هذه الاختلافات الدينيّة والجنسيّة أين توفّرت حياة اجتماعيّة كانت تسود فيها المحبّة والتعاون والتعامل البري وأين كان السكّان يتبادلون المشاعر الطيّبة ويحترمون الجورة الذي تجمعهم ويتبادلون الأطعمة ويتشاركون في الأفراح والأتراح.
صدمة!
لم أستطع أن أخفيّ صدمتي من موقف هذا الفرنسي الناتج عن مشاهدة فيلم تونسي كان قد أثير حوله كثيرا من الجدل بين رافض له ومتّهما وزارة الثقّافة التي وفّرت له الدعم بأنّها تشجّع على التسيّب وإلهاء الشباب بما لا ينفعه, وبين من سانده ونظر إليه من وجهة نظر أنّه يدعو للحوار والتعايش بين الانسان والإنسان مهما كان جنسه أو دينه.
كما أنّي أعلم أنّ الأغلبيّة الساحقة من التونسييّن لم يشاهدوا هذا الفيلم ولم يعيروه أي اهتمام ولم يعرض في مدارسنا ومعاهدنا لأسباب سخيفة أهمّها أنّ بطلته الجميلة جدّا” كلوديا كردنال ” لها كثير من الـ ‘دلع’ والإثارة وقد تقمّصت دورها على أحسن وجه ولعلّ رفضه جاء كذلك لأنّ موضوعه الذي يساوي الدين الإسلامي بالديانات الأخرى جعل المتزمّتين الذي فاتهم قطار الحضارة يرفضونه ومن المحقّ أنّ الأسباب التي من أجلها رُفِض هذا الشريط من فئة من التونسييّن هي التي جعلت الأجانب يقبلون عليه لتجديد الذكرى مع الممثلة القديرة “كلوديا كردينال” والتمتّع بجمالها وكذلك و خاصة لأنّ موضوع الشريط سامي يدعو الإنسانيّة جمعاء للتسامح والتعايش ومن المفارقات أنّ هذا ما يدعو له ديننا ويرفضه المتزمّتين من القائمين على شؤونه.
أماكن جميلة جدا
ثمّ إنّ شريط” الصيف في لاغولات” للمخرج التونسي” فريد بوغدير” ليس وحده التي يجلب السواح للتعرّف على أماكن التصوير بل هناك أفلام عالميّة أخرى صوّرتْ في أماكن جميلة جدّا وفريدة من نوعها ولا بدّ أن تكون جلبتْ كثيرا من السياح الأجانب لتونس وعلى سبيل الذكر لا الحصر نذكر شريط “حرب النجوم” الذي صوّر في المنطقة الرائعة “عنق الجمل ” التي صارتْ من المواقع السياحيّة التي أنعشت السياحة الصحراويّة وجلبتْ سواحا ذوي قدرة ماليّة كبيرة فهي سياحة نجوم العالم من كلّ مكان.
والمهمّ أنّ تونس الذي كانت فاتحة أبوابها لهذا النوع من النشاط المربح من جميع النواحي “تصوير الأفلام “عرفتْ في المدّة الأخيرة تشدّدا في الترخيص لشركات الإنتاج للتصوير في تونس فتَطْلُبُ منها الحصول على تراخيص قد يطول ترقّبها وهذا يجعل هذه الشركات تهرب إلى بلدان مجاورة منافسة لنا، ولها تسهيلات كبيرة للتصوير في المواقع وهذا جعل بلادنا تخسر كثيرا من العملة الصعبة التي تدفعها الشركات المنتجة للأفلام زيادة على جلب السوّاح لأماكن التصوير وتنشيط السياحة.
نداء إلى وزيرة الثقافة
لذلك على السيّدة وزيرة الثقافة وهي ابنة الوزارة وتعرف هذا الإشكال معرفة جيّدة أن تصلح هذا الوضع في أسرع وقت وذلك بتعديل بعض القوانين وفتح شباك واحد تتصرّف من خلاله وزارة الثقافة لتسهيل مهمّة الشركات المنتجة للأفلام وتكون هي الضامنة لحصول هذه الشركات على رخص الضروريّة للتصوير السينمائي بدون مماطلة أو تعطيل مع العلم أنّ الأبواب مفتوحة على مصراعيها ودون أي ترخيص من الدوّل المنافسة لنا في هذا المضمار وهذا جعل أنّ كثيرا من المنتجين التونسييّن صاروا يصوّرون أفلامهم في هذه الدوّل هروبا من التضيّقات التي تلاحقهم في بلادهم وفي ذلك خسارة للماليّة التونسيّة وكذلك للسياحة التونسيّة.
حيث أنّ السينما وخاصة تصوير الأفلام في تونس يعتبر موردا هامة للعملة الصعبة بدون أن يتطلّب لا استثمارات ولا تجهيزات ولا بناءات بل كلّ ما يتطلّبه بعض التسهيلات لتعمل هذه الشركات الكبيرة في أريحيّة وتكون في نفس الوقت أحسن مسوّقا للسياحة التونسيّة بالتعريف بالمواقع التي تجلب السوّاح.