نوفل سلامة يكتب: الثورة السورية من سقوط حكم الأسد إلى سقوط نظام عربي بأكمله

كتب: نوفل سلامة
هل يمكن أن نجري اليوم تقيّيما يمكننا من الوقوف على حقيقة التحولات التي حصلت في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد بتلك الطريقة المشهدية المحيرة؟
وهل يكفي مرور بعض الأسابيع من تسلم أحمد الشرع القائد الأعلى لهيئة تحرير الشام ورئيس الإدارة السورية الحالية مقاليد الحكم والسلطة حتى نبني موقفا واضحا حول مستقبل سورية بعد الأسد؟
حكم مبكر؟
أليس الوقت كما يقول البعض مازال مبكرا حتى نقدم قراءة موضوعية رصينة وهادئة حول سوريا الغد وحول مآل الثورة السورية التي يقول عنها أحمد الشرع أنه أتمها واستكملها بعد القمع الكبير الذي حصل لها على يد نظام بشار الأسد؟ كانت هذه بعض الأسئلة القلقة التي رافقت الندوة الفكرية التي نظمتها جمعية ‘نشاز’ يوم السبت 25 جانفي 2024 واحتضنها نزل بالعاصمة والتي حاولت من خلال المداخلات التي أثثها كل من سلام الكواكبي مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بباريس وهالة اليوسفي الباحثة في سوسيولوجيا الجمعيات وفي حركات المقاومة العربية والأستاذة بجامعة ‘باريس دوفين’ وطارق الكحلاوي المحلل السياسي والمدير السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، وماهر حنين الباحث في مجال علم الاجتماع والفلسفة الاجتماعية والعضو بالمنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، أن تفهم ما جرى ويجري في سوريا من تحولات عميقة بعد سقوط نظام حكم عائلة بشار الأسد…
وأن تطرح الأسئلة المغيّبة في علاقة بتداعيات تسلم جماعة هيئة تحرير الشام السلطة وهي التي كانت لوقت غير بعيد مصنّفة جماعة إرهابية متطرفة، وتأثير ذلك على مسار الاتفاق البراهيمي والتطبيع مع الكيان الإسرائيلي وكيف ولماذا يراهن الغرب و أمريكا تحديدا على أحمد الشرع حاكما لسوريا مكان الأسد؟
وأي علاقة بين تحولات المشهد في سوريا بهذه الطريقة التي لم ينتظرها أحد والمشروع الأمريكي الصهيوني حول تشكل واقع جديد للمنطقة العربية برمتها مشرقا ومغربا؟ وهل يمكن فهم ما يدور في سوريا بمعزل عما حصل في لبنان وقبلها من عملية طوفان الأقصى؟
أسباب السقوط
في هذه الندوة تم الوقوف عند الكثير من المعلومات والمعطيات حول ما حصل في سوريا والتي عجلت بسقوط نظام بشار الأسد وخاصة فقدانه للحاضنة الشعبية جراء السلوك العنيف الدموي الذي عامل به شعبه وما تعرض له الآلاف من السوريين من عمليات خطف وموت وتعذيب بطريقة لا توصف ولا تليق بنظام عربي يدّعي المقاومة ومناهضة الاحتلال الإسرائيلي ومعارضة السياسات الأمريكية في المنطقة الكثير منهم ظل إلى يوم في عداد المفقودين.
كما تم الحديث حول الدور التركي في احتضان الجماعات المسلحة وتدريبها وإعدادها لإسقاط نظام بشار الأسد في صفقة أجريت مع الولايات المتحدة الأمريكية لتهيئة الأجواء والمناخ لمواصلة تنفيذ مشروع إعادة تشكيل المنطقة وفق الرؤية الأمريكية الإسرائيلية.
ملف مركب ومعقّد
غير أن المفيد الذي نخرج به من هذه الندوة هو أن الموضوع السوري في راهنيته يبقى موضوعا شائكا ومسألة معقدة وملفا مركبا ومداخله كثيرة ومخرجاته متعددة وخفاياه غير معلومة، ويحتاج للنظر فيه أخذ مسافة لفصل العاطفة عن العقل على اعتبار أن الموضوع السوري في ظل حكم أحمد الشرع لا ينظر إليه من زاوية العاطفة التي تتحكم فيها الأيديولوجيا المناصرة والمعادية والانتماء السياسي والولاءات وإنما يحتاج إلى رصانة العقل والرؤية الموضوعية والقراءة النزيهة خاصة فيما تعلق بحالة الفرح الكبيرة التي ظهر عليها جانب كبير من الشعب السوري بعد رحيل بشار الأسد والحاضنة الشعبية التي تكونت وتتمتع بها السلطة الجديدة على الأقل إلى حد الآن والتي يغيب من حساباتها المسألة الديمقراطية ونمط الحكم وموضوع الحريات الفردية القضايا التي حكمت مسار الثورات العربية الأخرى وكانت سببا في فشل البعض منها في مقابل الحضور المكثف لفكرة إزاحة حكم عائلة بشار الأسد بكل الطرق والوسائل وإنهاء سطوة حزب البعث الحاكم ومحو مرحلة مظلمة من تاريخ سوريا عرفت نظاما من أبشع الأنظمة العربية ظلما واستبدادا…
هذا الأهّم للسوريين
بما يعني أن عموم الشعب السوري باستثناء القلة من الأفراد الذين لا يزالون يدافعون عن المشروع الديمقراطي في سوريا بكل مكوناته من أحزاب سياسية ومجتمع مدني حر وصحافة حرة وحريات فردية مختلفة لا يهمه اليوم ولا يعنيه إلا بناء دولة وطنية تعتني بشعبها من دون بشار الأسد وعائلته وحزبه الحاكم بقطع النظر عمن يحكم حتى وإن كانت الجماعات الجهادية المسلحة.
تحولات عميقة
المفيد الآخر الذي نخرج به من هذه الندوة هو أنه بقطع النظر عن دور الشعب السوري في القيام بثورة ضد الاستبداد ومن دون التقليل من جهده و إرادته في مقاومته النظام الذي كان قائما وما قدمه من تضحيات جسيمة وما تحقق له من خسائر في الأرواح ومآس كثيرة لا توصف تعرض لها في سجون النظام فإن المشهد السوري الحالي لا يمكن أن ينظر إليه ولا يمكن أن يفهم بمعزل عما يدور من تحولات عميقة في العالم وتحولات أخرى إقليمية وفق برنامج و استراتيجية مرسومة ومخطط جديد لرسم مشهد عربي جديد من دون فكر المقاومة ومن دون تيار الممانعة والإنخراط في مشروع الشرق الأوسط الجديد القائم على عالم واحد بقيادة واحدة ومنطقة عربية مطبّعة برمتها مع الكيان الإسرائيلي، ومن دون قوى مناهضة للمشروع الجديد وبدول عربية وإسلامية هشة منزوعة السلاح وتسير وراء قيادة واحدة في الشرق الأوسط هي القيادة الإسرائيلية وراضية بما أقره النظام الإقليمي الجديد من الانضمام إلى الاتفاق الابراهيمي وطريق الحرير الجديد الذي يبدأ في إسرائيل وينتهي في الهند وبتقسيم جديد وفق خرائط وحدود جديدة للمنطقة العربية يقوم على كيانات صغيرة مكونة من عرقيات وقوميات واثنيات فاقدة للسيادة والاستقلال الحقيقي.
مسار عربي جديد
المفيد الآخر هو أننا اليوم أمام مسار عربي جديد يقوم على استراتيجية مواصلة تفتيت المفتّت ومزيد إضعاف الضعيف ومنع صعود أي قوة غير إسرائيل والانتقال بما حصل مع طوفان الأقصى من محاولة تهديد الدولة العربية إلى فرصة لتنفيذ المخطط الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة وهذا يعني أن ما حصل في سوريا من تحول الحكم وانتقال السلطة إلى هيئة تحرير الشام هو من استتباعات عملية طوفان الأقصى و جزء من مسار عالمي وإقليمي بدأ في السير ببطء ولكنه مؤكد وهو العودة إلى نظام القطب الواحد رغم محاولة بعض الأنظمة والدول الوازنة تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب و نظام عالمي يقوم على استعادة أمريكا لقوتها التي فقدتها لفترة وعودة الدولة الأمريكية القوية الماسكة بكل الأمور والمتحكمة في العالم والفارضة للنظام فوق كوكب الأرض فأمريكا لا يعنيها أن يكون للدول العربية أنظمة سياسية ديمقراطية ولا يهمها في المقام الأول انتشار الديمقراطية والحريات في المجال العربي فالديمقراطية بالنسبة لأمريكا ليست مطلبا خارجيا في المقام الأول وإنما الذي يعنيها بالأساس وتحرص عليه أن توجد أنظمة عربية تراعي مصالحها وتنفذ تعليماتها وشروطها وبرامجها وتكون غير معادية لحليفتها إسرائيل.
نموذج كامل
لذلك فإن ما يحصل اليوم في مجالنا العربي وما حصل في سوريا هو استئناف للمخطط الأمريكي الإسرائيلي ومواصلة لقطار التطبيع الذي أوقفه طوفان الأقصى لفترة لكن الخطير والذي علينا أن ننتبه إليه هو أن التطبيع كما الاستعمار الجديد هو نموذج كامل وليس حدثا، هو بنية اقتصادية وسياسة واجتماعية وثقافية وذهنية ورؤية كاملة للتحكم ومشروع منع كل محاولات بلدان الجنوب التحلل من الهيمنة الأطلسية والغربية واعتراض لكل المحاولات التي تجعل الشعوب تفكر بنفسها ومن داخل بيئتها والتي تناضل من أجل نزع القدرة في أن تفكر بمفردها فالتطبيع مشروع هيمنة جديد ومخطط استعمار متواصل…
أسئلة حارقة
وفي هذا المستوى من التحليل طرحت هذه الندوة الأسئلة الأخرى الحارقة: هل ما حصل في غزة يكفي لحل القضية الفلسطينية؟ وهل ما حصل في سوريا بقدوم أحمد الشرع وهيئة تحرير الشام يعد عنوان انتصار للثورة السورية على نظام بشار الأسد الاستبدادي ؟ ما يمكن قوله رغم الكثير من التشاؤم والتشاؤل أن طوفان الأقصى قد أدخل العالم في عملية تحول فارقة من الاهتمام بالمسألة اليهودية التي تراجع وهجها إلى إيلاء القضية الفلسطينية الاهتمام الأول وتحول موضوع غزة إلى الموضوع الرئيسي في العالم ما حصل هو تحرير الإنسانية من أسر اليهود وقيود المحرقة النازية التي لم يعد ينظر إليها بنفس النظرة التي ابتز بها اليهود الغرب وكسب عطفه فما حصل مع طوفان الأقصى أن المسألة الفلسطينية أصبحت مشغل العالم بأسره.