عيسى البكوش يكتب/ الطاهر الخميري (1904-1973): نسيجا متفرّدا

كتب: عيسى البكوش
يقول عنه الصادق الزمرلي في ‘أعلام تونسيّون’: ‘هو ظاهرة من ظواهر الطبيعة’، ويقول عنه أبو القاسم محمد كرّو في ‘حصاد العمر’: ” إنّه رجل فريد حقّا »… هو الطاهر الخميري المولود بمدينة تونس يوم 25 ديسمبر 1904.
البدايات
تلقى تعليمه في جامع الزيتونة وبمعهد الخلدونية، ثمّ سافر إلى أنڤلترا حيث أتمّ تعليمه الثانوي ومن هناك انتقل إلى ألمانيا وبالتحديد مدينة هامبورغ حيث تحصّل سنة 1936 على الدكتوراه في الآداب، وبذلك يكون أوّل تونسي ينهل من مصادر المعرفة في هذين البلدين والثاني بعد محمد علي الحامي المتحصل على أعلى الرتب من الجامعات الألمانية.
أمّا عن موضوع أطروحته فكان حول مفهوم العصبيّة عند ابن خلدون، ويا ليت القائمين الآن على إنشاء متحف للعلامة الفذ يهتدون إلى هذه الأطروحة ويوفّرون لها المقام المحمود.
يتقن 20 لغة
وممّا ينفرد به الخميري هو حذقه لقرابة العشرين لغة ومن أهمّها الألمانية والأنڤليزية والفرنسية والتركية والفارسية إلى جانب اللاتينية والإغريقية.
ولقد كانت هاتان اللغتان الأخيرتان تدرّسان في معاهدنا قبل الاستقلال وحتى بعده بقليل، وذلك للفهم الجيّد للغة الفرنسية التي اشتقّت معظم ألفاظها منهما.
وعلى ذكر اللاتينية فهي كما يعلم الجميع لغة البلد إبّان الفترة الرومانية وفيها ألّفت أمّهات الكتب للقديس أغسطينوس والروائي أبوليوس والعالم ماغون، ولذلك فلقد انبرى ذات يوم المؤرّخ الجليل محمد حسين فنطر للمطالبة بإعادة تدريسها واعتمادها كلغة وطنية!
إثر ذلك وقعت دعوته إلى التدريس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة قبل أن يعود ثانية إلى جامعة هامبورغ للتدريس فيها هذه المرّة.
ولكن الحكاية لم تنته، فعود على بدء يلتحق صاحبنا بلندن حيث عُهدت إليه إدارة معهد الدراسات العربية، كما دعته المؤسّسة الذائعة الصيت “هوبكنز” للمساهمة في دراسة شؤون شمال إفريقيا.
خدم قضايا بلده
وفي مدينة الضباب لم يتوان عن خدمة قضايا بلدان هذا الشمال انطلاقا من بلده. فقد ألّف بلغة شكسبير كتبا يتحدّث الأوّل عن القضية التونسية والثاني عن القضية الجزائرية والثالث عن كفاح أقطار شمال إفريقيا الأربعة: تونس والجزائر والمغرب وليبيا، نشرها سنة 1947 كما أنّه أعدّ كتابا حول زعماء الأدب العربي المعاصر.
عاد إلى تونس إثر الحرب العالمية الثانية وانخرط في العمل الثقافي والتربوي حيث التحق سنة 1956 بوزارة التربية ثمّ بوزارة الثقافة وكانت له عدّة مساهمات في الحقل الأدبي من خلال محاضراته وأحاديثه الإذاعية وفصوله في الصحافة.
أعمال منشورة
نشر له أبو القاسم محمد كرّو في سلسلة البعث كتابين:” مرآة المجتمع” سنة 1956 و”مكانة الثقافة” سنة 1957، ثمّ نشرت له سنة 1967 الدار التونسية للنشر كتابه المرجع ” مختارات من الأمثال العامّية التونسية ” ولقد جاء فيها على قرابة 2500 مثل، كما أنّه أثرى المدوّنة المسرحية من خلال ترجمته لنصّين من أفضل نصوص الكاتب الإنڤليزي شكسبير وهما هاملت وعطيل، وقد قدّمت هذه المسرحية يوم الجمعة 31 جويلية 1966 بمسرح الحمّامات بحضور الرئيس الحبيب بورقيبة وكانت من إخراج الفنان الموهوب علي بن عيّاد (1930/1977) وتمثيل جميل راتب.
يقول كرّو في “الحصاد”: لقد وضع الطاهر الخميري إلى جانب قاموس عربي-ألماني كتبا أخرى يمكن جمعها ككتاب “كيف أقول” وهو معجم مقارن في المعاني.
كما قال عنه -وهو الذي دنا منه أكثر من كلّ أحد-: ” هو رجل وديع، رصين، طريف، لبق، قليل الكلام، دقيق الألفاظ، رشيق العبارة، قويّ الملاحظة، عميق الأفكار”.
توفي رحمه الله يوم 28 أكتوبر من سنة 1973.
من أقواله المأثورة:
” وضع بعض الكتّاب المعاصرين كلمة “وطنجي” قياسا على “قهوجي” و”بلغجي” وذلك للتمييز بين الوطنيين المخلصين ومحترفي الوطنية. الوطني يحبّ أهل بلاده ويحترمهم، والوطنجي يخدم نظريات ومبادئ عامة، ونحن ما أحوجنا اليوم إلى الوطنيين منه إلى الوطنجيين”.