صالون الصريح

محمد الناصر يروي: هكذا عشت ثورة جانفي 14 جانفي 2011 / سيرة رجل ساقه القدر إلى قصر قرطاج (3 / 4)

slama
إعداد: نوفل سلامة

نواصل الحديث عن مذكرات الرئيس الأسبق محمد الناصر ونتوقف معه في هذه الحلقة الثالثة مع حدث مؤثر وبارز في مسار الثورة التونسية مثل منعطفا كبيرا في كتابة أحداثها وتأثيث ذاكرتها.

كيف تكونت حركة نداء تونس؟ وكيف انضممت إليها:

يعترف محمد الناصر أنه لم يكن من المؤسسين الأوائل لحزب نداء تونس، ولا شارك في النقاشات الأولى ولا الخطوات الأولى للبناء… وإنما الذي حفزه على الالتحاق بهذا الحزب الجديد هو الخطاب الذي كان يتحدث به الباجي قائد السبسي بعد الخلخلة التي حصلت للبلاد على إثر الاغتيالات السياسية التي جدّت سنة 2013، وتوجه به إلى النخب الفكرية والسياسية من كل الأطياف حيث اعتبر الباجي ‘أن تونس قد غدرت ثورتها’، وأن المجلس الوطني التأسيسي لم تكن من مهامه المتفق عليها إدارة الحكم ولا التشريع وتغيير وجه البلاد اجتماعيا…

مُهلة للتفكير

لكن بعد شهر من عمل المجلس الوطني التأسيسي اتصل به كل من رضا بلحاج ونور الدين بن تيشة وأبلغاه بأن سي الباجي يريد منه أن ينضم إلى الحزب وتحديدا يريده في المكتب السياسي، فطلب مهلة للتفكير وبعدها لم يعط موافقته إلا بعد أن استشار صديقه أبو جمعة الرميلي وكان من المؤسسين لحزب نداء تونس وهو من القيادات الشيوعية المعروفة، وقد شجعه على الانضمام إذا كان العرض في خطة نائب رئيس يقول: بعد انضمامي للحزب ما لفت انتباهي أن نداء تونس عبارة على روافد مختلفة وخليط من التنوع الفكري والسياسي…

لا رؤية موحدة

واللافت الآخر أن كل واحد في الحزب كان له برنامجه الخاص به..لم تكن الرؤية موحدة بين الندائيين بخصوص دور الحزب وكيف يجب أن يكون وبان لي أن الطموح الشخصي لقيادات النداء كان طاغيا بقوة والبحث عن الزعامة وحب القيادة والتموقع كان هو هاجسهم يقول: لقد فهمت أن هاجس تأسيس الحزب كان من باب الضرورة للتصدي للتيار الإسلامي الجارف الذي يريد أن يركب على منهج وخيارات الديمقراطية لكسب الساحة والواقع، لقد كان هذا هو الموقف المشترك لدى غالبية الندائيين من التيار الإسلامي..

وكانت فكرة تكوين حزب سياسي دافعها قطع الطريق أمام الإسلاميين للاستمرار في الحكم ” لقد تفطنت إلى أن الخلل في الحزب ذاته رغم النشاط المكثف للقيادات وهو خلل يكمن في غياب الهيكلة وانعدام التنسيق داخله والفقدان شبه الكلي للتنسيق مع القواعد التي تكاثر عددها..

انتخابات 2014

تصل مذكرات محمد الناصر بعد دخوله إلى حزب نداء تونس إلى مرحلة الإعداد لانتخابات سنة 2014 وترأسه قائمة المهدية في الانتخابات التشريعية التي تحصلت فيها على أربعة مقاعد من أصل ثمانية في حين تحصلت النهضة على مقعدين و مقعد لحزب آفاق تونس و مقعد للجبهة الشعبية، وكانت النتائج النهائية في فوز الباجي برئاسة الجمهورية وفوز حزب نداء تونس بالمرتبة الأولى في البرلمان…

خلافات داخل نداء تونس

ما لاحظته بعد الانتخابات أن الخلافات بدأت تدب في صفوف الندائيين بسبب الرغبة في الحصول على تعيينات في الحكومة والظفر بمناصب أخرى في الدولة، وهذه المشكلة كانت بسبب عدم وجود هيكلة واضحة تحدد المهام وبسبب المرور إلى الانتخابات قبل انجاز المؤتمر التأسيسي حتى أصبح الكل ضد الكل وقد أثّر كل ذلك بقوة في ديمومة الحزب ومواصلة عمله ونتج عن ذلك تداعيات خطيرة قاتلة…

ومن هنا بدأ محمد الناصر يطرح سؤال أي مستقبل لحركة نداء تونس في ظل استفحال الخلافات داخله وأي مصير في غياب المؤتمر التأسيسي.. وبدأت الأزمة التي عصفت بالبناء رغم أنه لم يمر أكثر من عامين على تأسيسه تتمدد وهي أزمة لن يكون لها دواء وهي بهذه الخلافات الحادة وبإصرار النواب الفائزين على المشاركة في الحكم والقيادة نتج عنه أن تم إضعاف الرئيس الباجي الذي أصبح رئيسا شرفيا للحزب لا غير، ويصف محمد الناصر تلك الفترة بأنها كانت فترة ‘نذير شؤم’ لتصاعد الأزمات والانشقاقات داخله ليتحول الحزب إلى مجموعة أحزاب داخل حزب واحد..

مجموعات ولوبيات

يذكر محمد الناصر أنه كان من داخل النداء من رفض أن يكون محمد الناصر الرجل الثاني في البلاد، وكذلك تحمله مهمة رئاسة البرلمان وكانت الاجتماعات تعقد داخل الحزب دون علمه ولا حضوره يتداول فيها شأن الدولة والحكم وتشكلت مجموعات ولوبيات داخل الحزب للتأثير على القرار وبدأ الانشقاق الذي سوف يعصف بالبناء، وبدأ الحديث عن فرصة ضائعة تم هدرها بعد تمزق الحزب على طريقة ‘كل واحد يجبد لروحو’، وفشلت مبادرة رأب الصدع ومحاولات لمّ الشمل من جديد وإنقاذ ما يجب إنقاذه ومن صور هذا الصراع داخل النداء اجتماع جربة الذي أخرج الخلاف إلى العلن بين قياديين من قيادات النداء بين كتلة حافظ قائد السبسي وكتلة محسن مرزوق.. ولما تأكد محمد الناصر أن الحزب آيل لا محالة للتشظي وأن إصلاحه مستحيل قرر الانسحاب وخيّر الاستقالة وهو رئيس مجلس النواب.

عصيان داخل الحزب

يقول: لم أحضر اجتماع جربة ولم أدع إليه وكنت مستاء من نتائجه التي أفضت إلى حصول انقسام كبير في نداء تونس وحالة من العصيان وعدم الانضباط بعد أن آلت القيادة إلى ابن الرئيس واعتراض محسن مرزوق على هذا الاختيار، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت كتلة نداء تونس خارجة عن السيطرة ومن تداعيات ذلك أن هدد نواب الحزب بالبرلمان بالانفصال عن الحزب، وكانوا رافضين لمخرجات اجتماع جزيرة جربة وهذه التطورات التي تم عرضها على المكتب السياسي المضيق الذي لم أحضره ولا أعلمت به زاد من تأزيم الوضع يشهد حالة حزب صعد بسرعة وتهاوى بسرعة أكبر… ولم يدم أكثر من الفترة التي تلت انتخابات 2014 ولم ينجح مؤتمر سوسة الذي حضره راشد الغنوشي وألقى فيه كلمة قال فيها بأن التوافق بين الحزبين قد جعل البلاد كطير الحمام يحلق بجناحين، وقد اغضبت هذه الكلمة الباجي قائد السبسي ولم ينجح المؤتمر في أن يرأب الصدع.. وقد كانت كل هذه التطورات أحد الأسباب التي دفعني للاستقالة ليتم تعيين يوسف الشاهد خلفا لي في مؤتمر سوسة في محاولة لإيقاف نزيف الاختلافات والانشقاقات…

أغرقوا البلاد وأقالوا الحبيب الصيد

لقد اتضح بعد انتهاء مؤتمر سوسة دون حل أن البلاد قد جاءتها فرصة للتعافي فإذا بها تغرق على أيدي من أعلنوا أنهم جاؤوا كبديل لمن جانبوا صواب الثورة وصواب الشعار، ومن هنا دخلت تونس جراء ذلك في نفق مظلم ومسار سياسي اختاره الباجي غير محسوب العواقب عرف باتفاق قرطاج لتوحيد القوى الوطنية على برنامج وطني جامع شاركت فيه تسعة أحزاب سياسية وعدد من المنظمات الوطنية لكن فجأة تغيرت الغاية وأصبح اللقاء من أجل تغيير الحكومة التي كان يرأسها الحبيب الصيد والتي تحولت إلى مشكل وألبست الفشل بعد أن كان نداء تونس هو المشكل الحقيقي…
وكانت مخرجات ندوة قرطاج الاطاحة بالحكومة وإقالة الحبيب الصيد الذي أصر على عدم الاستقالة وطرح حكومته على ثقة البرلمان، وقد اعتبر محمد الناصر أن الحبيب الصيد قد تعرض إلى مناورة سياسية بالرغم من أنه قد قدم برنامجا خماسيا مهما للبلاد، وكانت تنحيته في غير صالح البلاد وما يقتضيه الوضع…

عاد محمد الناصر في حواره عدد 161 من المذكرات إلى أجواء مجلس النواب وكيف ساندت النهضة ترشحه، ولكن لغاية في نفسها حسب قوله وكانت نيتها السيطرة على المجلس وقراراته وتوجيه الأمور نحو مصلحتها يقول: كانت مدة نيابتي في المجلس محل خلافات متعددة مع كتلة حركة النهضة وعقليتها وكان نوابها طرفا معارضا لي”

تمرّد يوسف الشاهد

بعد تنحية رئيس الحكومة الحبيب الصيد خلفه يوسف الشاهد لتدخل البلاد في موجة جديدة من الخلافات والصراعات ولم تهدأ الانقسامات داخل نداء تونس وقد سعى الشاهد إلى التمتع بصلاحياته كاملة كما نص على ذلك دستور 2014 ووصل الخلاف إلى الحد الذي قرر فيه تجاوز نداء تونس وتكوين كتلة من النواب تابعة له تحت اسم ‘حزب تحيا تونس’ وبداية من سنة 2016 دخلت البلاد في مرحلة جديدة من تاريخها عنوانها تمرد الشاهد على الرئيس الباجي قائد السبسي، وبدأ يتصرف من دون الرجوع إليه ولا تنسيق معه وقد صرح الباجي أنه ندم على تغيير الحبيب الصيد بـ يوسف الشاهد، وعبثا حاول الباجي تنحية الشاهد كما فعل مع الصيد بعقده ندوة قرطاج 2 وكان المقترح هذه المرة تغيير الحكومة فقط من دون المساس برئيس الحكومة الأمر الذي رفضته النهضة وطالبت بتوضيحات عن سبب تغيير أعضاء الحكومة…

الشاهد يتحالف مع النهضة

يقول محمد الناصر: إن الباجي لم يكن يروم أي صيغة من صيغ التوافق مع النهضة ولكنه لم تكن له نفس نظرتي لحركة النهضة في غايات هذه الحركة من الحكم والوصول إلى السلطة التي أراها كجماعة إسلام سياسي تسعى إلى التمكين والتمكن من أجل تحقيق غايات حزبية ضيقة، ومن أجل تفكيك الدولة وأمام اعتراض النهضة زاد تماسك العلاقة بينها وبين الشاهد الذي تقوى بها في معركته مع الرئيس الباجي وقد برز هذا الموقف بكل وضوح خلال سنة 2017 الفترة التي ظهر فيها دور النهضة في تغذية طموحات رئيس الحكومة وساندته في خلافه مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، وهي تتحمّل مسؤولية تأزم الوضع وتأزيم العلاقة بين الرئاسة والحكومة وحتى يقطع الطريق أمام الشاهد بصفته رئيس السلطة التنفيذية وبما له من صلاحيات واسعة منحها له الدستور عمل محمد الناصر هو الآخر على فك الارتباط معه في كل ما يهم تسيير المجلس فيما يخص تعيين موظفيه وتسيير ميزانيته…
وهذه الصلاحيات التي أصبح يتمتع بها مجلس نواب الشعب تمتع بها خلفه راشد الغنوشي بأكثر مما ينبغي في سنة 2019 كما يقول محمد الناصر.

وللمقال صلة

طالع أيضا/ الجزء الأول: محمد الناصر يروي: هكذا عشت ثورة جانفي 14 جانفي 2011…

طالع أيضا/ الجزء الثاني: محمد الناصر يروي: هكذا عشت ثورة جانفي 14 جانفي 2011 / سيرة رجل ساقه القدر إلى قصر قرطاج (2 / 4)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى