صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب: محمد الجمّوسي (1910-1982) الشاعر الذي نذر عمره للفن (II)

ISSA BACCOUCH
كتب: عيسى البكوش

الشعر هو وجه من إبداع محمد الجموسي إذ للرجل إبداعات، فهو متيّم منذ صباه بالمسرح والسينما. فلقد مثّل بالخصوص في مسرحيتي ” أميرة الأندلس” و” عبد الرحمان الناصر”، كما أنّه قام بدور البطولة في الفيلم التونسي “أنشودة مريم ” وقد وقع تصويره بالمغرب عام 1946 وهو أوّل شريط غنائي في بلدنا.

تنقل إلى القاهرة

ثمّ عند تحوّله إلى مصر شارك في شريطين ” نهاد ” ليوسف وهبي إلى جانب محمود المليجي وراقية إبراهيم وهو من إخراج محمد كريم و ” ظلمت روحي” مع شادية وفريد شوقي وشكري سرحان وسراج منير وهو من إخراج إبراهيم عُماره.
عندما غادر القاهرة عام 1952 توفرت له فرص المشاركة في فيلم إيطالي “Le chevalier de la maison rouge ” من إخراج Claude Balma
وفيلم هندي صوّر في باريس “Le trésor de la jungle ” ومن بعد ذلك لمّا عاد إلى الديار شارك عام 1958 في فيلم ” جحا ” من إخراج Jacques Baratier ” وبطولة عمر الشريف، ثمّ لمّا عاد نهائيا إلى بلده المحبوب انضمّ إلى منتجي التلفزة الوطنية بإعداد وتقديم العديد من المنوّعات على غرار ” أفكار وأنغام ” و”جناح الليل “.

أوّل فيلم غنائي تونسي

وهو من قبل ذلك المطرب الأوّل وربّما الوحيد الذي أعطى صوته للممثّل محي الدين مراد في أوّل فيلم غنائي تونسي ” مجنون القيروان” والذي وقع عرضه لأوّل مرّة سنة 1939 بقاعة الروايال (الريو حاليا) ولقد أعيد عرضه بمناسبة دورة 1990 لأيام قرطاج السنمائية، فالجمّوسي إذن راوح بين الصوت والحركة مصطحبا عوده.
هذا الذي أطلق عليه عبارة ” حافظ السرّ” Le confident في ديوانه:
” مالك تخفق أيها الصديق الوفي
ألحب أم لحنين
أم لرجع صدى للدموع الجارية
التي تنساب على وجنتي وتلطم فمك”.
وانتقل من بعد ذلك إلى الجزائر حيث أدار أوبرا المدينة والتقى هناك بأساطين الغناء والمسرح ومن بينهم عميدهم يوسف وهبي الذي استدعاه إلى القاهرة لتقمّص الدور الرئيسي في فيلم ” بنت الهوى”
” يا مروّح البلاد” و ” تمشي بالسلامة ” و” كي جيتينا” و” و” ريحة البلاد ” فقلّما تغنّى مطرب ببلده مثلما فعل الجمّوسي الذي اكتوى بنار البعد عن موطنه:
” ريحة البلاد ما ألطفها
ما تشبع منها يوم
وصحيح ما يعرفها
كان اللي عاش محروم
ارجع في يوم ارشفها
من بعد غياب سنين “.
منذ أن كان يافعا ردّد الجمّوسي أغاني السيد درويش، ثمّ كانت الصدفة الفارقة في حياته حين التقى بالبشير الرصائصي صاحب مؤسّسة بيضا فون وكان يبحث عن أصوات جديدة فوجد في الجمّوسي ضالّته وكانت أولى أغانيه المسجلة في باريس ” بلادي يا بلادي محلاك يا بلادي” وهكذا قضّى في مدينة الأنوار في غربته الأخيرة عشرة أعوام من سنة 1936 إلى سنة 1946 ولقد تعرّف هنالك على المطربة وردة الجزائرية وقدّم لها أغنية ” يا مروّح للبلاد”.
هو فنّان مرهف ولقد أسكن أغانيه -وعددها الأكثر بثّا يناهز التسعين- خلجات وجدانه:
“فينك يا غالي
بعدك الدنيا فانية
والعين الدامعة جارية
وعلى بعادك مين يصبّرني”
ولقد دفعته مرارة الشعور إلى أن يطلب من غيره تلحين إحدى أغانيه:
” الليلة آه يا ليل
جيتك نشكي لك”
فكانت إحدى روائع الفنّان صالح المهدي والتي أدّتها المطربة نعمة.

ألحان متعددة

ولقد لحّن بدوره العديد من الأغاني وقدّمها إلى المطربين أحمد حمزة ومحمد العش ومحمد الجراري ومبروك التريكي. بينما أدّى بعض الأغاني الأخرى مع المطربتين صفية في أوبرات ” فاطمة وحمادة ” ونعمة ” فينك يا غالي”.
آخر أغنية نظمها كانت تحمل عنوان ” تفكّرت ماضينا”.
وافته المنيّة يوم 03 جانفي 1982
من أقواله التي أدلى بها في حديث أجراه مع المنعّم صالح جغام في مجلة الإذاعة – أوت 1975 ” أنّ الفنّان هو صوت الحبّ، دوري هو أن أبرز للإنسان جوانب الخير في الحياة برغم ما فيها من الألم والعناء ليحيى ويمرّ بمسيرته في الحياة بسلام وطمأنينة.”
إنّي على يقين من أنّ أحسن تكريم للفقيد علاوة على تسمية المركّب الثقافي بصفاقس هو تدريس شعره إلى جانب بقية الشعراء الناطقين بالفرنسية أمثال عبد العزيز قاسم والطاهر البكري والشاذلي بن عبد الله والمنصف بن غشّام ومحمد عزيزة وصالح فرحات وآخرين في المرحلة الثانوية وفي شعبة الفرنسية في كليات الآداب.
” في الفنّ أشواقي ونشوتي
وفيه آمالي وهنايا
تترنّم فيه نغماتي
ورنّة عودي وغنايا
الكون يردّد آهاتي
وروحي للوجود ترنّ.”

اقرأ أيضا الجزء الأول: عيسى البكوش يكتب/ محمد الجمّوسي (1910-1982): الشاعر الذي نذر عمره للفن (I)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى