يوسف الرمادي يكتب: مع نوادر وطرائف الأسطورة محمّد القمودي

كتب: يوسف الرمادي
أقول لشباب اليوم أنّ محمّد القمودي كان أوّل تونسي يرفع علم تونس في الأولمبياد العالميّ في العديد من المناسبات، وقد توّج بالذهبيّة في أولمبياد “طوكيو” أمام البطل “كلار” الذي لا يقهر والذي سخر من ذكر أنّ “القمودي” قد ينافسه على الذهبيّة في سباق العشة آلاف متر…
وحسنا فعلتْ منشّطة ديوان عندما استدعته مؤخرا لتجديد الذكرى معه والحديث عن إنجازاته التي لا يُمكن أن تُنسى ولا أن تبقى مخفيّة على أجيال التونسييّن، ولعلّها فعلت ذلك بمناسبة الميداليّة الذهبيّة التي حصلتْ عليها البطلة التونسيّة “روعة التليلي” في أولمبياد باريس…
معلومات
وكانت الحصة زاخرة بالمعلومات عن انجازاته الفريدة من نوعها خاصة إذا وضعناها في إطارها الزمني والظروف التي كانت تعيشها تونس في أوّل الاستقلال حيث لا إمكانيات ولا ظروف ملائمة ما عدا الموهبة و’القليّب’…
طرفتان عن القمودي
وسأحاول الوقوف عند طُرْفَتِين إحداها قالها “القمودي” لأوّل مرّة، والثانيّة قد عشتها أنا شخصيا عندما كنت أدرس في الثانوي، الأولى التي رواها البطل هي عندما وصل لـ « طوكيو” دعيّ من طرف المنظّمين لبروتوكول رفع علم بلاده في الساحة المخصّصة للبلدان المشاركة وأخذوه أين توجد الأعلام فلم يعثر على علم تونس وكانت حَيْرة اليابانييّن كبيرة ولم تكن لنا وقتها سفارة في اليابان، فطلبوا منه أن يصف لهم علم بلاده فأعطاهم حقيبته الرياضيّة التي كان مرسوم عليها علم تونس، ففرحوا بذلك وصنعوا علما اعتمادا على تلك الصورة وأنقذوا الموقف…
أمّا الثانية فقد عشتها شخصيّا عَشيّة يوم جمعة في حديقة الرياضة التي كانت مقصد أغلب تلاميذ المدارس الثانويّة بتونس الكبرى حيث المباريات الشيّقة في الرياضات الجماعيّة ما عدا كرة القدم التي مُنعت من الرياضة المدرسيّة لإحياء ونشر الرياضات الجماعيّة الأخرى ككرة اليد وكرة الطائرة وكرة السلّة…
وكان أغلبيّة الجمهور من التلاميذ المقيمين في المبيتات الذين يأتون لتشجيع فرق معاهدهم ويشيعون جوّا تنافسي وكانت الفرجة ممتازة وحماسيّة لأقصى درجة يا حسرة على الرياضة المدرسيّة؟
وقد ارتأتْ وزارة الرياضة تشجيعا للرياضات الفرديّة وخاصة ألعاب القوي أن يقوم البطل الأولمبي محمّد القمودي الذي لم يمض وقتا كثيرا على تفوّقه في أولمبيّاد مكسيكو باستعراض للشباب المدرسي…
وجاء القمودي محاطا بالمسؤولين وخاصة ضبّاط الجيش بزيّهم الجميل ونزع القمودي بدلته الرياضيّة المحلّاة بعلم تونس وكتب في قفاها ‘تونس’ وهي بكلّ صراحة تجلب الشباب ويتمنّى كلّ شاب أن يتمكّن من فرصة ارتدائها…
فنزعها القمودي ووضعها على حافة المضمار وبدأ في الجريّ الاستعراضي وكانت حشود الحاضرين مشدودة لهذا البطل عندها اقترب مرافقي من بدلة القمودي ووضعها في حقيبته الرياضيّة مواصلا التصفيق والتشجيع ولم يتفطّن له أحد بما في ذلك أنا…
الخبر السارّ!
وغادرنا حديقة الرياضة وعندما وصلنا لشارع الحبيب بورقيبة أعلمني بـ ‘الخبر السار’ إذ الحصول على بدلة “القمودي” صاحب الألقاب الأولمبيّة كان أمنيّة كلّ شاب تونسي وبعد تفاوض طويل طرح فيه موضع اقتسام البدلة بيننا استقرّ الرأي أخيرا على أن تكون من نصيبه…
وبقيت سنين كلّما التقينا وذكّرته بالحادثة يقول لي كانت العمليّة صعبة وخطيرة لكن تلك البدلة الحمراء والحاملة لعلم تونس أنستني كلّ الأخطار والعواقب… رحم الله صديقي فقد كان مهووسا بالرياضة وبحبّ تونس وكلّ ما له علاقة بسمعة تونس ونجاحاتها…