صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: التعويل على خيار التعديل الضريبي لتحقيق شعار العدالة الاجتماعية

slama
كتب: نوفل سلامة

الدولة الاجتماعية، الدور الاجتماعي للدولة والعدالة الضريبية هي كلها مصطلحات ومفاهيم عرفت في الآونة الأخيرة حضورا مكثفا في الخطاب الرئاسي والحكومي، وازداد استعمالها في الحديث الرسمي لرموز الدولة في أعلى هرم السلطة…

شعار رئيسي

حيث عرف المعجم اللغوي المستعمل من قبل الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة كمال المدوري تأكيدا على هذه المفاهيم التي تحولت إلى شعار رئيسي ومركزي للدولة التونسية في راهنها وهدفا يؤطر النشاط السياسي وغاية ترجمت في بعض السياسات والخيارات، ومن مداخل هذه السياسة الجديدة التي ما فتئ الرئيس قيس سعيد يؤكد عليها باعتبارها مطلبا من مطالب الثورة مدخل العدالة الضريبية إحدى صور العدالة الاجتماعية المفقودة.

العدالة الضريبية

والعدالة الضريبية كانت أحد أبرز المطالب التي طالب بتحقيقها الشعب بعد الثورة لتحقيق العدالة والمساواة بين الجميع والتقليص من حدة الفوارق الاجتماعية بين الفئات والطبقات الاجتماعية والوقوف إلى جانب الفئات الهشة والفقيرة والمتوسطة التي غالبا ما تتحمل لوحدها عبئا ضريبيا كبيرا وضغطا ضريبيا هو الأعلى في المنطقة العربية ومنطقة شمال إفريقيا…
حيث تعد الاقتطاعات الضريبية ومساهمة الأجراء والموظفين من أبناء الطبقة الوسطى والفقيرة في ميزانية الدولة هي الأعلى في المنطقة، من ذلك أن الضريبة على الدخل والاقتطاع من المورد تمثل نسبة تعادل 60 % من موارد الدولة مما جعل البعض يصف الدولة التونسية بأنها دولة المجبى أو دولة الضرائب المرتفعة، والمؤسف أن كل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة قد فشلت في وضع تشريعات وسن قوانين وتبني خيارات وسياسات في اتجاه التقليل من العبء الضريبي على المواطن العادي والتخفيف من الضغط الضريبي على الموظف والأجير ومجموع مكونات الطبقات الاجتماعية ذات الدخل المتوسط والمحدود…
وكانت كل محاولات تبني سياسة ضريبية تحقق قدرا من العدالة في مساهمة المواطنين في موارد الدولة على قاعدة على قدر الدخل والأرباح تُحسب الضريبة وتحدد مساهمة الفرد في ميزانية الدولة تبوء بالفشل ليبقى الفقير فقيرا وتبقى الطبقات الميسورة وأصحاب المال والثروة خارج العدالة الضريبية وخارج معادلة على قدر الثروة على قدر الضريبة، لـ تتواصل سياسة الجور الضريبي والتنكر للعدالة الاجتماعية في بُعدها الضريبي..

القطع مع السياسة القديمة

إلى أن رأينا في مشروع ميزانية الدولة لسنة 2025 بوادر القطع مع هذه السياسة القديمة الحامية للأغنياء ونهجا جديدا وأفكارا غير معهودة من قبل وتوجها واضحا لتطبيق سياسة ضريبية عادلة تنخرط في مشروع الدولة الاجتماعية العادلة، ومشروع استرجاع الدولة لدورها الاجتماعي الذي فقدته من خلال إقرار مبدأ وفكرة التعديل الضريبي القائم على أساس الضريبة التصاعدية لتحقيق العدالة في دفع الضرائب…

حيث أقر مشروع الميزانية لسنة 2025 التقليص في الضرائب والتخفيف في الأداءات الضريبية بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود والذين يتراوح دخلهم بين ألف دينار إلى حدود ثلاثة آلاف دينار حيث ستتمتع هذه الشريحة بداية من سنة 2025 بزيادة في أجرها يصل إلى حدود 50 دينارا شهريا بعد عملية التعديل الضريبي في مقابل الترفيع في الضريبة بالنسبة للشركات التي يزيد رقم معاملاتها 20 مليون دينار تونسي من 15 بالمائة إلى 25 بالمائة وكلما زاد رقم المعاملات كلما ارتفعت نسبة الضريبة.

إجراء غير مسبوق

هذا التعديل في الأداء الضريبي وهذا التخفيف من عبء دفع الضرائب على شريحة واسعة من الشعب تمثلها الطبقة الوسطى من الموظفين والأجراء والعمال في القطاع العام والخاص تحملت لوحدها في صمت ودون اعتراض القدر الأكبر من تعبئة موارد ميزانية الدولة، وأثقل كاهلها بالضرائب التي كلما زادت إلا و كانت هي التي تتحملها، هذا التعديل الضريبي استحسنه الكثير من المختصين واعتبروه إجراء غير مسبوق في تاريخ الدولة التونسية وخطوة صحيحة في اتجاه تحقيق عدالة جبائية وسياسة لا اعتراض عليها من أجل تنزيل شعار العدالة الاجتماعية وشعار دور الدولة الاجتماعي على أرض الواقع من شأنه تحسين ظروف المعيشة للفئات الأكثر تضررا من الأزمات الاقتصادية ومن الأوضاع الاجتماعية الصعبة وتحسين المقدرة الشرائية التي تراجعت نتيجة ارتفاع الأسعار..

استرجاع الثقة

كما أن التعويل على هذا الاجراء من شأنه أن يخلق حركية اقتصادية وتجارية ويدفع نحو الإقبال على الاستهلاك ويدعم الطلب المحلي وتحريك عجلة الاقتصاد، والأهم من ذلك هو الانعكاس الإيجابي الذي سوف يُحدثه مثل هذا الإجراء في نفسية المواطن وفي شعوره بأن دولته تفكر فيه وتقف إلى جانبه وهي عملية في اتجاه إرجاع الثقة بين المواطن و الدولة و رجل السياسة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى