نوفل سلامة يكتب/ التفكير من خارج سلطة المعرفة الغربية: الاستعصاء والقطيعة

كتب: نوفل سلامة
شكلت أحداث 11 سبتمبر 2001 منعرجا كبيرا وحاسما في علاقة الغرب بالعالم الإسلامي وعوالم بلدان الجنوب عموما، وظفّها الرئيس الأمريكي آنذاك جورج دبليو بوش لفرض نظريته التي حكم بها العالم لفترة طويلة القائمة على فكرة ‘من ليس معنا فهو ضدنا’…
المنظومة الغربية
وقسّم الكرة الأرضية إلى مناطق سوداء وأخرى بيضاء ليتحول معها العقل الأوروبي والمعرفة الغربية يحكمها ثنائيات قاتلة، وأصبح للفكر والمعرفة وكل الإنتاج الذهني سلطة واحدة هي سلطة المركزية الأوربية وصلابة العقل الأطلسي ومرجعيته الثابتة… وتبع ذلك هيمنة وانتشار منظومة القيم والمبادئ الغربية ومنظومة حقوق الإنسان وتوابعها من نظم اقتصادية ونظم سياسية ومعرفية وفنية ونماذج إرشاد في مجالات دقيقة وحساسة كالمجال الفني والأدبي و الجمالي والابداعي…
حيث أصبح العقل الغربي وما أنتجه من معرفة هو المرجع والمعيار والمحرار الذي تُقاس به كل إنتاجات الآخر غير الأوروبي من ثقافة ومعرفة وفكر من ثم أصبح الفهم والتفكّر والتدبّر والنقاش محكوم بالمرجعية الغربية وما تنتجه مراكز بحثه وتفكيره وما ينشره مفكروه ومثقفوه…
واقع الهيمنة
ونتيجة لواقع الهيمنة هذا ووضعية الاحتكار والسيطرة للعلم والمعرفة أن خضعت الشعوب إلى المركزية الغربية ورضيت بهيمنة العقل الأوروبي الأطلسي على كل عقل وخضعت المعرفة العربية والإسلامية إلى الثنائيات التي فرضها الغرب وأصبح مفهوم الخطأ والصواب وتحديد التقدم والحداثة ومعنى التخلف ما يحدده العقل الغربي…
وقد زاد من حالة التطويق والإغلاق منظومة العولمة التي تجاوزت الجوانب الاقتصادية والتجارية وترويج السلع إلى مجال المعرفة والثقافة والهويات والثقافات والخصوصيات، وما تربت عليه الشعوب ليدخل العالم في زمن هيمنة فكرة القيم الكونية والمعرفة العالمية التي تحوّلت إلى إجابات عن كل أسئلة الانسان…
غلق باب التفكير
ولم يتوقف مسار الهيمنة والاستحواذ وإدامة وضع التبعية عند إنتاج المعرفة إلى الهيمنة على إعادة إنتاج هذه المعرفة فإنتاج المعرفة وإعادة إنتاجها يتحكم فيها العقل الغربي وفق سياقاته التي يحددها ومناهجه التي يفرضها وقيّمه التي ينشرها حقائق مطلقة لا يمكن ولا يجوز الخروج عنها…
وتم غلق أي باب لتفكير آخر مختلف أو التفكير بطريقة أخرى مغايرة والتفكير من خارج العقل الغربي ومنظومة أفكاره وقيمه، وقد أفرز واقع الهيمنة المعرفية وتحكم المركزية الأوروبية ووحدة العقل إعادة إنتاج آليات جديدة لعودة الاستعمار من مدخل العلم والمعرفة والفكر والثقافة فتم السيطرة والهيمنة على العقل العربي وأسره وراء أسوار المعرفة الغربية وجعله قاصرا وعاجزا عن القدرة على التفكير وإنتاج الوعي من خارج دائرة المعرفة الغربية…
والأخطر من ذلك أن واقع السيطرة الغربية على المعرفة قد فصل الإنتاج الفكري عن مجتمعات عوالم الجنوب وروّج إلى أن كل من لم يفكر أوروبيا فهو لا يعيش عصره وغير مواكب لزمانه ولا يمتلك ناصية العلم الحديث وانتج مثقفين وأكاديميين وأساتذة جامعيين يعتقدون في صحة المعرفة الغربية ويتبنونها ويدافعون عنها أكثر من دفاع أبنائها الأصليين من دون التفطن إلى ضرورة الوعي بالسياقات و المناخات والبيئات التي أنتجت هذه المعرفة التي ليست بالضرورة نافعة ولا صالحة لنا، وقد لا تلزمنا ولا تصلح لنا ومن حقنا مناقشتها ولا أخذها كمسلمات يقينية، ومن حقنا انتاج معرفة أخرى ملائمة لـ بيئاتنا وثقافتنا وخصوصيتنا؟
حدث قلب الموازين
المشكل في تبني الكثير من شعوب عوالم الجنوب الكثير من المتلازمات والكثير من الثنائيات التي حكم بها الغرب الشعوب ونظم بها العالم والعلاقات وخضعت لها منظومة القيّم والأفكار وعدّها من المسلمات ومن أساسيات الحياة المعاصرة بمقولاتها وفرضياتها التي سوّق لها على أنها حقائق مطلقة وثابتة إلى أن جدّ حدث طوفان الأقصى الذي أنتج حالة من الوعي غير مسبوقة وسقفا من الوعي لا يمكن النزول تحته وقطيعة معرفية وفكرية مع المركزية الغربية ومنظومة العولمة التي حكمت بها أمريكا والغرب العالم وتجاوز حالة الضعف والوهن والهيمنة التي كرّسها الغرب، و تفطنت الكثير من الشعوب ومنها شعوب العالم العربي والإسلامي إلى أنه من الممكن الخروج من وضع الهيمنة ومن الممكن كسر حواجز الاستعصاء والمكبلات النفسية وعقدة النقص.
منظومة منحازة
لقد أثبتت عملية طوفان الأقصى وحدث 7 أكتوبر 2023 أن منظومة الأفكار والقيّم والمعرفة الغربية ونظرياته وحداثته وفكر أنواره ومنظومته للعولمة وهياكله غير محايدة وهي منحازة للإنسان الغربي وفي خدمته وأن نظامه السياسي القائم على فكرة الديمقراطية وتوابعها من حقوق وحريات لم تحقق العدل والخير والأمن والسلام للشعوب ولم تجلب إلا مزيدا من المآسي والحروب والاضطرابات وانتجت حالة من الوعي لا يمكن التنازل عنها في عملية فك ارتباط مع مركزية المعرفة الغربية وقطيعة مع حالة التبعية المتواصلة للمستعمر القديم وحالة الهيمنة التي تفرضها الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها الغربيون..
فكر مختلف
اليوم ما كان مستعصيا ومستحيلا وصعبا أصبح ممكنا بعد التحول الكبير الذي حصل في وعي الشعوب ونُخبها المثقفة التي استعادة القدرة على الرفض وعلى القيام بمراجعات في علاقة بهذا الغرب ومنظومة أفكاره ونظرياته ونظمه وقوانينه ومعرفته والتفكير بطريقة مختلفة بإمكانها أن تنتج معرفة جديدة وفكرا مختلفا يحقق الاستقلال الحقيقي العلمي والمعرفي والثقافي.