صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب/ ثمانية قرون عن رحيل عبد العزيز المهدوي: رائد التصوّف في ديارنا

issa bakouche
كتب: عيسى البكوش

كثيرا ما يذكر الشباب أسماء بعض أولياء الله الصالحين من أمثال أبي الحسن الشاذلي وأبي سعيد الباجي وعائشة المنوبية وأصحاب الطرق مثل الشيوخ عبد القادر الجيلاني ومحمد بن عيسى وعبد السلام الأسمر وأحمد التيجاني.

ويرجع الفضل في ذلك لأصحاب “الحضرة” و”الزيارة” وحتى “الزردة” وفي صدارتهم المبدعان فاضل الجزيري وسمير العقربي ولكن قليلا ما يذكر رائد التصوّف عبد العزيز المهدوي دفين المرسى إثر وفاته يوم 16 شعبان سنة 621 هجري .
لقد خصّه الصديق المنعم أحمد الطويلي بمقالين ضمن كتابه المرجع “الضوء المبين في التعريف بأولياء تونس الصالحين” الصادر سنة 2004. ولقد ذكر فيه ما قاله في شأنه ابن الطوح في تأليفه “سبك المقال” : قطب زمانه وسيّد أقرانه”.

ارتحل إلى بجاية

ارتحل في شبابه إلى بجاية والتقى فيها بأبي مدين شعيب، الذي قال عنه متوجها إلى أبي يوسف الدهماني وأبي علي السنّي:”عبد العزيز سبع النفوس هو أزهدكم لأنه عرف ما زهد فيه”.
ولقد بادله التحية ضمن هذه الأبيات التي أرسلها له :
” شعيب ولي الله سرّ عباده
أبو مدين مغني الأنام بفقره
فيا جنة المأوى ويا علم الهدى
ويا ناشرا علم الإله بأمره ”
وقد نعته ابن القنفد في كتابه ” أنس الفقير وعزّ الحقير” بأن برح الشيخ عبد العزيز “بحر الأنوار وعدن الأسرار”،
ثم ارتحل إلى الاسكندرية قاصدا الحج متوجها إلى أبي يوسف الدهماني وأبي علي السني.
عرف العسر عند عودته إلى تونس حيث وقع في الأسر في صقلية، كما عرف اليسر بتعرّفه على إمام المتصوفين محي الدين بن عربي المولود في مرسية سنة 1165 زمن إقامة الولي الاندلسي بتونس وهو صاحب كتاب “الفتوحات المكية”.

معلما من المعلمين الكبار

يقول أحمد الطويلي :”كان المهدوي معلما من المعلمين الكبار في علم التصوف، اشترك مع ابن عربي في أحوال الإشراق والتجلي والكشف الرباني والانتقال من حال إلى حال والترقي من مقام إلى مقام الوله والوجد والفناء في الله”.
كما أنه أسال عليه في مراسلاته إلى من نعته “بصديقه الفريد وخله الودود” كمّا هائلا من الشكر والتنويه “قد فزت يا أخي بخلال لم أقدر أن أراها من غيرك” وفي موضع آخر :”إن الله قد عرف بيني وبينك روحا وجسما ومعنى ورسما … إن فضلك عندي مشهور .
وفي قصيد ضمنها الجزء الأول من “الفتوحات” وهو أكبر الكتب في علم التصوف إذ يحوي قرابة الأربعة آلاف صفحة يقول متوجها لخله عبد العزيز :
“إن الذي مازلت أطلب شخصه
ألفيته بالربوة الخضراء
البلدة الزهراء بلدة تونس
الخضرة المزدانة الغرّاء”.
وفعلا فقد كان عبد العزيز ينزل من خلوته بالمنارة ـ سيدي بوسعيد حاليا ـ إلى المقبرة وهي مزدانة بالاخضرار لأن ” قلبه يجد هناك أكثر من أي مكان”.
لقد تحابا الاثنان في الله فالحب هو دينهما.
يقول ابن عربي قبل أن يلقى حتفه بدمشق سنة 1240 :
“أدين بدين الحب أنّى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني”.
من أدعية “سيدي” عبد العزيز :
“اللهم صلي وسلم على روح رحمانيتك التي كتبت فيه بقلم رحيمتك مداد مدد رحمونيتك”.
ثم “اللهم صلي وسلم على ميم ملكك وحاء حكمتك وميم ملكوتك ودال ديمومتك صلاة تستغرق العد وتحيط بالحدّ”.

وفاته

توفي أبو محمد عبد العزيز ابن أبي بكر القرشي المهدوي سنة 1424 وغسله تلميذه أبو سعيد الباجي وصلى عليه ولحّده في قبره، أمّا القبّة التي تعلو قبره فقد شيّدها الباي حسين بن علي (1669/1740) مؤسّس الدولة الحسينية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى