فنون

‘المايسترو’ في بنزرت…مرآة عكست عيوب المجتمع وأضحكت المشاهد ثم أبكته..

مواكبة: الأمين الشابي
عدسة: فؤاد بن شعبان

كان لجمهور مهرجان بنزرت الدولي في سهرة أمس السبت 17 أوت 2024، والذي حضر بأعداد هامة تجاوزت الـ 4 آلاف متفرج ، موعدا مع مسرحية “المايسترو” لـ بسام الحمراوي و هي آخر العروض المسرحية المبرمجة بعنوان هذه الدورة و أيضا العرض ما قبل الأخير، وذلك في انتظار سهرة الاختتام مع الفنانة نجاة عطية في سهرة يوم 20 أوت الجاري…

وبالعودة إلى المسرحية، فهي في ظاهرها من المسرحيات الكوميدية التي قد يواكبها المتفرج من أجل الضحك والاستماع والتفريج عن النفس من متاعب الحياة. وقد ينطبق عليها – ودائما ظاهريا – بكونها عبارة عن أقراص هضم لما تنوء به معدات المتخمين.
ولكن في الواقع تعكس عيوب المجتمع من عادات وتقاليد سيئة. ولكن في العمق فهي مسرحية من الكوميديا السوداء، ظاهرها مضحك وباطنها مبكي، وبالتالي تعكس مرارة يعيشها الإنسان داخليا ولكن بصمت…

الحقيقة المـــرّة

وبالفعل، فكل من تابع المسرحية ـ بعد أن تجاوز الفهم السطحي لمضمونها ـ رغم ايغالها في الضحك والإضحاك – يقف على الحقيقة المرّة لمضمون هذه المسرحية. فهي تعكس في الحقيقة مأساة حقيقية يعيشها الإنسان داخليا، رغم كلّ المساحيق. فلو ننطلق من شخصية ” قدور الشحرور ” لوقفنا على عمق الصراع الداخلي لهذه الشخصية ومأساتها وهي التي تأتي لإحياء فرح حبيبته، التي رفضه أهلها للزواج منها، مفضلين عليه ” سائق طائرة ” الميسور الحال وصاحب العمل المرموق.
ومن خلال بقية شخصيات المسرحية نقف على مآسي أخرى – وإن تمّ تقديمها في شكل مرح ومضحك أحيانا حتى لا نقول في شكل كاريكاتوري. ولعلّ ذلك ظهر من خلال شخصية الأب الذي لم يقبل أن تبات ابنته العروس في حضن زوجها وهو الذي فعل المستحيل كي لا يحدث ذلك.
وهذه في حدّ ذاتها معاناة داخلية صعبة على أي أب، فضلا عن العادات المضحكة المبكية التي يتم اشتراطها على من يطلب يد فتاة أحلامه، مما بالتالي يقضي على كل أمل من تحقيق حلمهما.
أمّا باقي الأمراض الاجتماعية التي باتت تهدد مجتمعاتنا فقد تجلت في بقية العادات حول حفلات الزواج وخاصة على مستوى استعدادات المرأة لمثل هذه المناسبات. هذه العادات، جسدها بسام الحمراوي بطريقة مقنعة ومضحكة ولكنها مبكية في حقيقة الأمر.

كلمة حق في قدرات بسام الحمراني

الممثل بسام الحمراني، رغم كل ما يُقال، فهو من طينة الممثلين الواعدين. فخلال مسرحيته “المايسترو” والمعروف وأنّ عملية الإضحاك أصعب بكثير من عملية البكاء، ولكن، في هذه المسرحية، تمكن الممثل بسام الحمراني من شدّ الجمهور حوالي ساعتين من الزمن، وبدون انقطاع، من رسم الابتسامة على محيا كل الحضور ولكل الشرائح الاجتماعية والعمرية.
وقد اجتمعت في شخصه، لنجاح في ذلك، أوّلا الاحترافية العالية وخفّة الروح وخاصة الموهبة. لأنّه من الصعب أن نشد الجمهور طيلة كل ذلك الوقت.
وبالتالي، لم نر مغادرا منه ولا متأففا ولا متذمرا، بل كل ما رصدناه وسمعناه هو صدى ضحك الجمهور وتفاعله مع المسرحية والممثل. وقد نضيف وأن بسّام نجح أيضا في التواصل مع الجمهور إلى حدّ كبير إلى درجة وكأنك تشعر وأنّ الجمهور أصبح طرفا في المسرحية. وهنا تجسّد وبامتياز مقولة التكامل بين الباعث والمتقبل في المجال المسرحي، وهي عملية أراها أساسية لنجاح أي عمل مسرحي.

خلال الندوة الصحفية كان متفائلا

لم يخف الممثل بسام الحمراوي انشراحه لنجاح عرضه بالنّظر إلى عدد الجمهور أولا وثانيا، بالاعتماد على رجع الصدى بعد انتهاء العرض، وذلك خلال الندوة الصحفية التي جمعته مع ثلة من الإعلام الجهوي ببنزرت. حيث شكر جمهور بنزرت الذي أتى بأعداد كبيرة لمشاهدة المسرحية وتفاعله معه، داعيا إيّاه بالتشبث بمهرجان بنزرت الدولي والمحافظة على سيرورته، باعتباره من أنجح المهرجانات.
مضيفا وأن المسرحية هي متحركة وقابلة للتغيير من عرض إلى آخر، مؤكدا في سياق متصل، وأن المسرحية ليست ملكا للفنان فقط بل أيضا يشاطره في ملكها الجمهور.
حول سؤال طرحه عليه مندوب ” الصريح أون لاين ” ومفاده أ لا ترى بأنّ المسرحية، رغم أسلوبها الساخر، فقد كانت عبارة عن مرآة تعكس عيوب المجتمع؟ إجابة على هذا السؤال – الذي استحسنه جدا – قال بداية لقد لمست في اعلام بنزرت و أنّه يطرح أسئلته بعمق مما ينّم على دراية وفهم للمجال المسرحي، ليجيب على السؤال المطروح بالقول، بالفعل أصبت الهدف و الفهم، فـ المسرحية هي بالفعل تميط اللثام على العديد من عاداتنا السيئة و لكن كممثلين نقدمها بطريقة ساخرة و مضحكة حتى يتقبلها الجمهور، والتي في النهاية تعكس الحقيقة التي لا يمكن أن يراها بطريقة أو بالأخرى، وهذا هو دور الفن الرابع الذي يعالج عيوب المجتمعات من أجل إصلاحها.
1

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى