صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ مشروع ‘سينما آرينا’ للحد من ظاهرة ‘الحرقة’: أي معنى وأي جدوى؟

slama
كتب: نوفل سلامة

في سياق حركة التعاون التي تقوم بها الدول الأوروبية للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي تعرفها بعض الدول وما يعترضها من صعوبات في تشغيل أبنائها وتوفير ظروف اجتماعية مريحة تمنعهم من مغادرة بلدانهم…

وفي محاولة لإيقاف التدفقات المتواصلة من المهاجرين غير النظاميين القادمين إلى الضفة الأخرى من المتوسط من إفريقيا جنوب الصحراء والمناطق التي تعرف نزاعات مسلحة وحروب أهلية، وقد توسعت هذه الهجرة لتشمل مواطني شعوب شمال افريقيا التي تعرف هي الأخرى هجرة مكثفة لشبابها الباحث عن عمل وعن حياة أفضل والحالمين بعالم لم يجدوه في بلدانهم الأصلية.

وضعيات صعبة جدا

وفي سياق ما تم الاتفاق عليه مع الاتحاد الأوروبي وأمضت عليه تونس مع الجانب الإيطالي للتقليص من ظاهرة الهجرة غير النظامية ودخول الحدود الإيطالية نحو أوروبا بطرق غير شرعية غالبا ما يكون البحر في قوارب صغيرة غير مؤهلة لنقل الأشخاص في رحلة غير محمودة العواقب إذ كثيرا ما تنتهي هذه المغامرة إما بغرق القارب وهلاك من فيه أو باعتراض الوحدات الأمنية الحارسة للحدود البحرية المهاجرين ووضعهم في محتشدات إلى حين النظر في وضعيتهم…
وهي وضعية صعبة على المهاجر وعلى بلد الاستقبال الذي يجد نفسه أمام حالة إنسانية وقانونية صعبة، فضلا على ضغوطات المواطنين وانفعالات السكان المحليين الرافضين في غالبيتهم لتواجد المهاجرين فوق أرضهم.

شعوب غاضبة!

في هذا السياق من ارتفاع نسق هجرة الافارقة سواء كانوا قادمين من عمق القارة الإفريقية المنهكة والمتعبة والمفقرة والتي يطالب أبناؤها من الاستعمار القديم برد الاعتبار إليهم أو من بلدان الشمال الإفريقي الغاضب شبابه على مناويل التنمية المتبعة في بلدانهم والرافضين لسياسة التهميش وغياب الدولة في حياتهم وعدم حضورها لتحسين معيشتهم ومستقبلهم، تأتي الندوة الصحفية التي احتضنتها مدينة الثقافة بالعاصمة صبيحة يوم الجمعة 9 أوت الجاري لتقديم برنامج تظاهرة ” سينما آرينا ” التي تحتضنها بلادنا بالاشتراك بين المنظمة الدولية للهجرة (مكتب تونس) و وزارة الشباب والرياضة ووزارة الشؤون الثقافية ووزارة التشغيل والتكوين المهني ووزارة الداخلية، وهي برنامج أوروبي يقوم على فكرة بث الوعي بين الشباب بمخاطر الهجرة غير الشرعية والتحسيس بأهمية إيجاد حلول للبطالة والتهميش في بلد المنشأ من خلال عرض أشرطة سينمائية موضوعها الهجرة غير الشرعية وعقد حلقات نقاش وعروض فنية مع هؤلاء الشباب الحالم والذي قد يفكر في وقت ما في ترك بلاده والهجرة إلى البلدان الأوروبية بحثا عن عالم متخيل حالم.
وبرنامج “سينما آرينا ” في نسخته التونسية هو تظاهرة ثقافية تعتمد على قافلة متنقلة تنطلق يوم 13 أوت 2024 وتستمر لمدة 45 يوما وتنتهي يوم 22 سبتمبر المقبل في جولة تقودها إلى 6 ولايات تونسية هي جندوبة والكاف وسليانة والقصرين والقيروان وقفصة، وستتوقف القافلة في 36 بلدية وعمادة من هذه الجهات لتقديم عروض فنية موسيقية ومسرحية وترفيهية وعروض سينمائية في الهواء الطلق وفي الساحات العامة تتناول مختلف القضايا الاجتماعية التي تعاني منها الشعوب المهددة بهذه الظاهرة وتركز بالأساس على مخاطر الهجرة غير النظامية وأثرها على نفسية المهاجر والعائلة والمشاكل التي تعترض من يفكر في الانتقال إلى الضفة الأخرى من المتوسط بطرق غير نظامية…

وفتح نقاش مع الشباب المصنف مهاجرين محتملين على اتخاذ القرار الحر والصائب والواعي بكل ملابسات الهجرة غير النظامية وخاصة مخاطرها غير المحتملة والمصاعب الممكنة في بلد الاستقبال فضلا عن مصاعب البحر.

حوار مجتمعي

في هذه التظاهرة الثقافية وهذا الحدث السينمائي المتنقل الذي تحتضنه بلادنا تسعى المنظمة الدولية للهجرة من خلال العروض السينمائية وحلقات النقاش إلى فتح حوار مجتمعي يشارك فيه الجميع من جمعيات مجتمع مدني ومثقفين وفنانين و شركات اقتصادية لمساعدة الشباب على تحقيق تطلعاتهم وزيادة الوعي في صفوفهم بالوضع العالمي الصعب والتحولات التي يشهدها وتقديم معلومات شاملة حول الهجرة والفرص الاجتماعية والاقتصادية المتاحة وتقديم معلومات عن حقيقة مخاطر الهجرة غير النظامية ودفع هؤلاء الشباب إلى التفكير في حل الإكراهات والمشاكل التي تقلقهم في وطنهم ومن خلال مبادرات محلية ومساعدته على التعرف على الإمكانيات الاجتماعية والاقتصادية المتاحة…

وبذل الجهد لتحسين الوضعية الاجتماعية بالتعاون بين القطاع الخاص والدولة وتقديم تجارب الشعوب في التعاطي مع هذه الظاهرة لتفادي اتخاذ قرار غير مجد وخطير وقد ينعكس سلبا على حياة المهاجرين.

حلول وطنية محلية

يراهن المنظمون لهذه التظاهرة وهذا الحدث السينمائي للحد من منسوب الهجرة غير النظامية على تقديم يد المساعدة لشباب الأرياف والأحياء الفقيرة والجهات المهمشة التي عادة ما تكون هي الدافعة للهجرة وإنارتهم وتطوير وعيهم وتحسيسهم بأن الحل الأمثل لطموحاتهم وتطلعاتهم وتحقيق أحلامهم وخاصة الحصول على شغل وعمل لن يكون إلا في بلادهم، ومن خلال حلول وطنية محلية ومن خلال تعزيز مهاراتهم وتطوير قدراتهم ومؤهلاتهم والتعويل على إنشاء المشاريع الخاصة في غياب حلول الدولة والتشغيل في القطاع العام.

أفكار وتجارب

يتطلع المنظمون من خلال هذه العروض السينمائية وحلقات النقاش إلى تقديم أفكار وتجارب خاضتها الشعوب – ونعني هنا الشعوب الافريقية التي سبق أن احتضنت هذا البرنامج منذ تأسيسه في سنة 2002 – إلى تعزيز قدرات الشباب من خلال تقديم تدريبات ملائمة والدعم التربوي لتحسين قابليتهم للتوظيف وتدعيم سوق الشغل بالكفاءات وتقديم بدائل وطنية محلية للهجرة غير النظامية من خلال الاستثمار في تطوير المهارات وتمويل المشاريع الخاصة.
هذا هو العرض الحقيقي الذي تقدمه لنا الدول الأوروبية لمعالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية وهذا هو الموقف الواضح الذي يتبناه العالم الحر المتقدم تجاه سكان بلدان الجنوب وشبابه الحالم بالأفضل خارج بلدانهم وهذا هو الخيار والمقترح الذي يقدمه الغرب إلينا لوقف التدفقات من الشباب الأفريقي المهاجر نحو الضفة الأخرى من المتوسط في رحلة حالمة متخيلة يعتقد أن جنة الأرض تقع هناك..

خطاب الصراحة

وهذا هو خطاب الصراحة الذي يقول لشبابنا ومسؤولينا إن الحل لمشاكلكم هو بأيديكم ولا بأيدي غيركم وأن الحل لأزمة البطالة وندرة العمل وضآلة فرص الشغل لن يكون إلا من خلال مقترحات وطنية محلية وأن أوروبا لم تعد وطنا ثانيا لهؤلاء الشباب وما عليكم إلا تطوير مهاراتهم وتنمية قدراتهم والقيام بتأهيل مكتسباتهم حتى تتلاءم مع سوق الشغل الداخلية في أوطانكم.

العرض الذي يقدمه الغرب لظاهرة الحرقة من خلال توظيف الفن وخاصة العروض السينمائية التي تقدم تجارب الشعوب مع الهجرة غير النظامية وحلقات النقاش والحوار حول مخاطر هذا القرار المربك للجميع يقتصر على تقديم المساعدة لهؤلاء الشباب على التكوين وعلى كسب صنعة أو مؤهلات تخول له بالاندماج في سوق الشغل الداخلية وتقديم المساعدات المالية للحكومات لتنفيذ هذا البرنامج الأوروبي ودعوة القطاع الخاص للمساهمة في معالجة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هجرة الشباب بتوفير مواطن شغل له بدل البحث عنها خارج حدود وطنه…

اعتمدوا على أنفسكم…

وهذا يعني دفع الشباب إلى التعويل على النفس والاعتماد على الذات واللجوء إلى الحل الفردي لا الجماعي من خلال بعث مشروع خاص ومبادرة فردية تجمع مجموعة صغيرة من الشباب لبعث مشروع والاستثمار في القطاع الخاص…
فزمن التعويل على الدولة الوطنية والحلم بمستقبل أفضل في أوروبا قد ولى وانتهى .. هذه حقيقة يعمل الغرب ومن ورائه الاتحاد الأوروبي وبرنامج ” سينما آرينا “على إقناع دول الجنوب بها . فهل وصلت الرسالة؟ وهل استوعبنا هذا الدرس الثقافي لبرنامج المنظمة الدولية للهجرة ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى