ما يجب ان تعرفه عن الهجرة النبوية …الاسباب …والخلفيات …وكل التفاصيل …

كتب: هاشم العلوي القاسمي
تحل ذكرى الهجرة النبوية عند ميلاد كل سنة هجرية، يوم فاتح شهر محرم الحرام، وهي ذكرى دائمة ومستمرة منذ أن وافق الخليفة الفاروق عمر ابن الخطاب رضي الله عنه على أن يكون التأريخ بها لضبط جميع الأحداث والوقائع والوفيات،
وجميع ما يعرض للمسلمين من أمور وأقضية تهم المجتمع الإسلامي، وكذلك القضايا المعروضة عليهم في حياتهم العامة والخاصة، ملتزمين بهذا التوقيت: رؤية الهلال في تواريخهم المبنية على السنة القمرية.
فهي ذكرى مستمرة في التاريخ الإسلامي على مر العصور والأزمان، تذكيرا بعظائم الأمور التي عرفها المسلمون منذ ميلاد المجتمع والدولة الإسلامية في عهد الرسول سيدنا محمد بن عبد الله (ص).
فالهجرة النبوية من مكة إلى المدينة تعتبر ثالث الهجرات التي حولت مسار الدعوة الإسلامية: فالأولى هي الهجرة إلى الحبشة، والهجرة الثانية هي الهجرة إلى الطائف، أما الهجرة الكبرى فهي التي كانت بعد ثلاثة عشرة سنة من تاريخ نزول الوحي على نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام.
وتتفق مصادر التاريخ الإسلامي على أن هجرة النبي (ص) من مكة إلى المدينة وقعت في أوائل شهر ربيع الأول، واستغرق الركب النبوي المهاجر والمكون من النبي محمد بن عبد الله وصاحبه في الغار أبي بكر الصديق تسعة أيام، متحملا المشاق والصعوبات، وقاطعا مسافة تتجاوز 450 كلم بين مكة والمدينة، مارا بالمنعرجات والشعاب، راجلا أحيانا وراكبا أحيانا أخرى، ويوافق هذا التاريخ القمري 24 شتنبر من سنة 622 م.
فالهجرة النبوية حدثت بعد أن أذن الله تعالى لنبيه الكريم بمغادرة مكة بموجب قوله تعالى في سورة الإسراء: “وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا، وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا” الآيتين: (80 – 81).
فنجا النبي عليه الصلاة والسلام من مؤامرة الاغتيال المكية بعد أن خرج من داره إلى غار ثور مع صاحبه أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)؛ ولما علمت قريش بخروج النبي (ص) من مكة سقط في يدها فطاردته، ولكن مكر الله كان أكبر بنجاة نبيه محمد (ص) وصاحبه؛ فلقيت رحلة الهجرة مشاق صعبة لا يتحملها إلا أولو العزم من الرسل.
وفي غمرة أحداث الهجرة كانت كل وقيعة عبارة عن مؤشر يحمل في طياته الصعوبات الجسام، والمشاق العظام، لخصتها عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) في حديثها الذي رواه البخاري، والمتعلق بالطريق التي مر بها النبي عليه الصلاة والسلام بعد خروجه من غار ثور إلى أن وصل إلى مدينة يثرب يوم الثاني عشر من ربيع الأول “السنة الأولى للهجرة”.
فكان حدث الهجرة إلى المدينة حدثا أعظم نقل الدعوة الإسلامية إلى مرحلة جديدة، نزولا عند قوله تعالى: “فاصدع بما تومر وأعرض عن المشركين، إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون، ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى ياتيك اليقين” (سورة الحجر: الآيات: (94 – 99).
وبعد أن صار للنبي عليه الصلاة والسلام في يثرب شيعة وأنصار بعد “بيعة العقبة”، أذن له الوحي الإلهي بالهجرة إلى المدينة، والالتحاق بأصحابه المهاجرين الذين سبقوه إلى يثرب، فاستقبله أهل المدينة بالتهليل والترحاب، والسمع والطاعة، لتنفيذ أوامره النبوية بالمؤاخاة، وتنظيم جماعته المدنية، وبناء نواة الدولة الإسلامية المبنية على التكافل، والتضامن، والتآخي، والتآزر، والتنظيم، والاستعداد للمشروع الاجتماعي الأكبر، والبناء الأعظم، الذي صار بعد ذلك نموذجا مؤسسا للدولة الإسلامية الكبرى منذ عصر النبوة وما بعدها، محققة لشرع الله والسلام الذي أمر به الله، والهدي الذي أتى به نبي المهتدين محمد بن عبد الله سيد المرسلين.
إن ذكرى الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة تعد ذكرى للبناء والتأسيس، والفداء والتضامن، فهي دعوة إلى استمرار الجهاد، والعمل البناء لتركيز وتأصيل المجتمع الإسلامي المتماسك، ذي البناء المرصوص الذي يدعو إلى التضامن والتآلف والتكافل الاجتماعي.
فكل ما حققه المهاجرون والأنصار من تآخ وتآزر وتضامن وتكافل يعد نموذجا يحتذى به في كل عصر وعهد، وفي كل مجتمع إسلامي.