صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ مسرحية ‘عطيل وبعد’: بحث عن حقيقة ووعي وتاريخ بديل عما روّج له المستعمر

slama
كتب: نوفل سلامة

أول من عرّف القارئ العربي بالمسرحية الشهيرة للأديب الانقليزي شكسبير OTHELO التي كتبها سنة 1603 ميلادي هو الشاعر و الأديب اللبناني خليل مطران ( 1872/ 1949) الذي يعود له الفضل في ترجمة الرواية إلى لغة الضاد وتعريب اسم البطل إلى ‘عطيل’…

وقد سبق له أن ترجم لشكسبير أعمالا أخرى مثل ” تاجر البندقية ” و “همليت ” وغيرهما وهناك شك في كون شكسبير قد استوحاها من التراث العربي وتحديدا من قصة قمر الزمان وحبيبته في حكايات ألف ليلة وليلة، أو من قصة الشاعر الجاهلي ديك الجن الذي قتل زوجته بنفس الطريقة التي قتل بها عطيل زوجته ديدمونة.. كما كان أول من قدمها إلى الجمهور التونسي هو المخرج علي بن عياد سنة 1964 بمناسبة تأسيس المسرح الدولي بالحمامات…
لكن الجديد هذه المرة هو برمجة مهرجان الحمامات احتفاء بمرور ستين سنة على تأسيسه عروضا لـ مسرحية ‘عطيل وبعد’ للمخرج حمادي الوهايبي وبطولة المهذب الرميلي ونص للشاعر والكاتب المسرحي محمد العوني…

في البندقية الإيطالية

وعطيل شكسبير هي رواية تدور أحداثها في مدينة البندقية الإيطالية حيث وصل خبر تحرك الأسطول التركي في البحر الأبيض المتوسط في اتجاه جزيرة قبرص فيتم الاستنجاد بالقائد الحربي عُطيل من المغرب الأقصى لإيقاف هذا التحرك العسكري وانهاء التهديد الذي يمثله العثمانيون، فيقبل عطيل المهمة ويتجه إلى قبرص وهناك وجد أن الأسطول التركي قد هلك بفعل الطبيعة وعاد أدراجه من حيث جاء…

وفي إيطاليا تعرف عطيل على ديدمونة ابنة أحد السياسيين البارزين وكان قد طلبها أحد الأغنياء لكنها رفضت الزواج به، وخيّرت عطيلا وتتطور الأحداث بعد أن يتزوج عطيل من ديدمونة ويتم فبركة قصة خيانة ديدمونة لـ عطيل مع حبيبها الأول فتدّب الغيرة والشك والحيرة في قلبه وعقله فيقرر التخلص من زوجته بقتلها وإنهاء حياته بالانتحار…
وبهذه النهاية المأساوية تكون المسرحية قد لخصت قصة حب وتضحية وخيانة مؤلمة تنتهي بمؤامرة تؤدي إلى موت معظم أبطال القصة بطريقة تراجيدية.

السياق التاريخي

يقول مخرج المسرحية حمادي الوهايبي إن العودة الى شكسبير والتفكير في إنتاج عمل مسرحي جديد عن عطيل والعودة إلى هذه الشخصية التاريخية التي سبق وأن أنتج لها علي بن عياد عملا مسرحيا مقتبسا من تعريب الطاهر الخميري للنص الأصلي لـ شكسبير وراءها السياق التاريخي الذي يشهده عالمنا العربي، والتحولات الكبرى التي يعيش على وقعها العالم والنظام العالمي الذي يحكم اليوم بمعرفته وحداثته وفكر أنواره وفنونه وأدبه وعلومه..
فكانت العودة إلى عطيل شكسبير عودة لتقديم إضافة جديدة بنيت على نص كتبه الشاعر محمد العوني بعد مراجعة الكثير من الترجمات لـ عطيل لشكسبير لكتاب مصريين وعراقيين مع الترجمة التونسية لـ الطاهر الخميري.

المشهد الأخير

تبدأ أحداث مسرحية ‘عطيل وبعد’ من المشهد الأخير الذي انتهت به المسرحية الأصلية لـ شكسبير عندما يقدم عطيل على قتل زوجته ديدمونة بعد أن بلغه خبر خيانتها له في هذه اللحظة، تظهر شخصية الأم التي سوف توقف عملية القتل وبداية من هذا الحدث و حضور هذه الشخصية الوهمية وغير الموجودة في المسرحية الاصلية تبدأ أحداث جديدة متخيلة وسردية جديدة غير موجودة في النص الأصلي ومن ثم تتغير النهاية ومسار الأحداث على خلاف ما قرره شكسبير وندخل في قراءة مختلفة للتاريخ لأنه في تقديرنا – والكلام لحمادي الوهايبي – نعتبر أن مقاربة شكسبير لـ شخصية عطيل كبطل إفريقي قادم من الجنوب لم يعطها حقها وقدمها بطريقة فيها جانب أحادي النظرة وقراءة ذاتية وهي قراءة الغرب لهذه الشخصية…

إعادة ترتيب الأحداث

وما قمنا به هو أننا أعدنا ترتيب الأحداث و قراءة هذا التاريخ وقدمنا عطيلا في شخصية مختلفة عن شخصية عطيل التي أخرجها علي بن عياد وقراءة جديدة مخالفة لقراءة كل من اعتمد على النص الأصلي لشكسبير فالسياق التاريخي الذي يشهده عالمنا اليوم والتحولات الكبرى التي نعيش على وقعها تفرض علينا إعادة النظر في كل شيء وخاصة فيما أنتجه الغرب وروجه وقدمه على أنه الحقيقة المطلقة التي أخضع لها الجميع…
شخصية عطيل في مسرحية شكسبير قائمة على فكرة أن شكسبير قد استقدمه من مدينة مراكش بالمغرب البلد المنتمي إلى بلدان الجنوب و العالم الافريقي، وتم جلبه باعتباره قائدا عسكريا محنكا سوف يقود حربا ضد الاسطول العثماني المتجه نحو قبرص…
ومن المفروض أن ينتصر في هذه المعركة البحرية ولكن حينما وصل عطيل الى قبرص وجد أن الأسطول العثماني قد هلك و غادر قبل أن يستولي الأتراك على البلاد، وبالتالي لم يحصل عطيل على المجد ولا على الشرف المرتقبين وكنتيجة لقبوله مواجهة الأسطول العثماني تم منحه امرأة ليتزوجها ونتيجة وشاية مغرضة شك في خيانتها له فقتلها وانتحر..
هكذا قدم شكسبير شخصية عطيل لكن ما رأيناه أنه لا يمكن أن تكون الأمور على هذه الشاكلة وقدّرنا أن هذه هي نظرة الغرب إلينا وقراءة جاءت في سياق تاريخي تحكم فيها وحكم موقف شكسبير…

إبادة أمام العالم

الأحداث الأخيرة في فلسطين وموقف الانتليجنسيا الغربية ومفكريه مما يحصل في فلسطين من إبادة لـ شعب على مرأى ومسمع من العالم الغربي الحداثي ومن تدمير لمدينة غزة بشكل جنوني و بتحالف أوروبي صهيوني يجعلنا نطرح عدة تساؤلات على هذا الغرب ويفرض على الفنان والمثقف أن لا يبقى محايدا فـ الترسانة المعرفية التي يتبناها والحصانة الثقافية التي لديه تجعله يسائل الآخر…

مساءلة للغرب

ونحن في مسرحية عطيل قد اخترنا أن نسائل هذا الغرب ونحاوره في كل الذي فرضه علينا وأن نناقشه في قراءته التي اختارها لعطيل…ولنقول له عليك أن تعيد ترتيب الحكاية بطريقة أخرى على خلاف مع ما أنشأته ونشرته وأردته فالتاريخ لا يمكن أن تحتكر كتابته وأن تتولى تقديمه بالطريقة التي تحب وتريد وإن كتابة التاريخ من وجهة نظر المنتصر ورغبته لم تعد اليوم مقبولة لأن تفوقك ليس دائما يُشرع لأن تفعل ما تريد بالتاريخ لذلك كان لا بد من إعادة النظر في التاريخ والثقافة والمعرفة كما قدمها وروج لها الغرب ولكن هذا الموقف يخشى عليه أن ينزلق نحو الخطأ الذي هربنا منه فـ ننحاز نحن بدورنا إلى قراءتنا ورؤيتنا ونلغي الآخر وقراءته ونلقي باللائمة عليه…

تحقيق التوازن

ما قمنا به هو محاولة لتحقيق شيء من المعادلة والتوازن في قراءة التاريخ وكتابته وقدمنا عطيلا لا كما قدمه الغرب لا مجد له ولا شرف ولا مستقبل بعد أن غادر بلاده وموطنه الأصلي وهذا سبب تسمية هذه المسرحية بـ “عطيل وبعد ” للبحث عن حقيقة أخرى غير معلن عنها في النص الأصلي وجدناها مغيبة ورؤية عطيل للعالم غير مفصح عنها و تاريخ آخر تجنبه شكسبير قمنا بهذا العمل المسرحي لنسائل أنفسنا كيف كان ابن الجنوب يرى هذا العالم و النظام العالمي المتحكم في زمانه.
قيمة المسرحية إلى جانب كونها عملا فنيا فرجويا فهي رؤية فكرية للعالم وللتاريخ الذي كتبه الغرب وموقف من الواقع الحالي والسياقات السياسية الموجودة وإعادة ترتيب الصراع القديم والذي لا يزال موجودا بين الشمال والجنوب وبين الشرق والغرب بكل حمولته الثقافية والسياسية والاجتماعية والحضارية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى