‘عودة الفنيقيين’: رحلة بين أرجاء التاريخ من غار الملح البونيقية إلى أوتيك الفينيقية..(صور)

قد لا تسع مساحة الورق إذا أردنا الوقوف على كلّ حثيات الرحلة الاستطلاعية في خضم تاريخ بلادنا والكنوز التي يتضمنها، وعليه سنحاول الإيجاز لنقف على أهم المحطات لهذه الرحلة ” التظاهرة ” التي نظمتها مندوبية الشؤون الثقافية ببنزرت تحت عنوان “عودة الفينيقيين “وذلك يوم الأحد 12 ماي 2024…
وذلك إلى كلّ من غار الملح لنطلّع على ما يسمى بالفلاحة الرملية أو ما يسمى بالقطعاية والجزء منها “القالة” والمشاكل التي تعانيها….وأيضا إلى منطقة أوتيك الآثار، ليعود بنا الزمن إلى عهد الفنيقيين ومشاهد من حياتهم اليومية على غرار الملبس والأسواق والمشهد الجنائزي وغيرها وذلك في إطار عروض مشهدية. والأهم من كل هذا الاستماع باللغة التي كان يعتمدها الفينيقيون في ذلك العهد والمحاضرة التاريخية التي قدمت في الغرض. ولتحقيق ذلك، انطلقت أكثر من حافلة تحمل الشباب الناشط في دور الثقافة المختلفة من سجنان مرورا بـ بنزرت، جرزونة ورأس الجبل والخاتمين ومنزل بورقيبة وماطر وغزالة، فضلا عن الإعلاميين ليكون صدى الرحلة أبعد من المكان والزمان.
المحطة الأولى : هل أتاكم حديث ” القطعاية ” في غار الملح
حسب ما أفادنا به المربي المتقاعد علي القارصي، وفي الوقت نفسه هو فلاح بمنطقة غار الملح، فإنّ ما يسمى بــ “القطعاية” هي عبارة عن أرض فلاحية تتوسط البحر و الجبل. وقد استحدثت منذ مجيء المورسكيين إلى بلادنا خلال القرن 17.
وحسب المتحدث عمد هؤلاء، إلى حفر الجبل المتاخم للبحر لإيجاد أرض فلاحية لهم باعتبار اختصاصهم الفلاحي. وما يعنيه ذلك من مجهود لأجدادنا المورسكيين كما ذكر لنا السيد علي القارصي، مضيفا أنّ هذه أراضي “القطعاية” بحكم صغر مساحتها وبحكم كونها رملية تخصصت في زراعة الخضروات، خاصة البطاطا والبصل والفراولة.
ومن الأشجار، التين والتوت باعتبار عدم تمدد عروق هذه الأشجار نحو العمق مؤكدا على اندثار شجر اللوز بعامل الزمن والمناخ. لكن هذه الأراضي هي آيلة للتقلص وربما للاندثار، مع مرور الزمن، بحكم المد والجزر لمياه البحر. وهذا المشكل، حسب المتحدث، يؤرق الفلاحين في هذه المنطقة، بالرغم يطلب من الجهات المسؤولة السماح لنا بتطعيمها بالرمال لمجابهة منسوب مياه البحر التي تفوق علوا الأراضي، بحكم هذا المد والجزر والانجراف أيضا.
على ‘البساطة البساطة’ والفطور بطاطا
بداية شكرا لهذا الرجل الفلاح والكريم مرتين. مرة أولى لأنّه دعا كلّ الحضور على مائدة إفطار خاصة جدّا جدّا، وهذا كرم لهذا الرجل المضياف. ومرّة ثانية، نشكره لأنّه قدّم وجبة إفطار لها جذور وتاريخ. فقد تفاجأ كلّ المدعوين بنوعية الفطور الذي أحضره للضيوف. وهو عبارة عن “بطاطا مصموتة” مع صحن من زيت الزيتون و هريسة دياري، وذلك في غياب كلّي لمادّة الخبز الذي انتظر قدومه الجميع ولكن تركهم في التسلل، ولم يحضر ولن يحضر لأن هذا النوع من الفطور هو عادة قديمة لأصحاب “القطعاية” يتغذون عليه عند جمع الصابة وخاصة من مادة البطاطة، وذلك حسب ما بيّنه مضيفنا. فتفاجأ الجميع وخاض تجربة ” الفطور في غياب الخبز ” وكم كان غذاء لذيذا ومغذيا. فشكرا سي علي على هذا الكرم الحاتمي و على هذا الاكتشاف.
لمحة تاريخية عن المعلم الأثري “لازاريت” بغار الملح
ضربة البداية كانت مع الأستاذة بسمة بن فضل لتقديم لمحة تاريخية عن المعلم الأثري ” لازاريت” حيث بيّنت للحضور وأن البرج المعروف باسم ” لازاريت ” تمّ إنشاءه سنة 1659، وذلك بأمر من حمودة باشا داي. وهذا التسمية للبرج بـ “لازاريت” تعني المصحة. حيث كان عبارة عن مقر للأسرى لمدّة 40 يوما ليتسنى فحصهم من أي أمراض معدية تفاديا من أن تنتشر بين الجنود.
وقد استعملته الدولة العثمانية كسكن للجيش الانكشاري والأندلسيين أيضا الذين حلوا ببلادنا، ثمّ للمالطيين في أواخر القرن 19. وفي العهد الفرنسي، تمّ تحويل هذا البرج إلى سجن إلى أن تمّ غلقه سنة 1964 لتقطنه بعض العائلات في تلك الفترة. وليتحول بعدها إلى وزارة الثقافة كمعلم أثري. لتضيف الأستاذة و أن هذا المعلم تمّ استغلاله أيضا لتصوير بعض الأفلام والمسلسلات على غرار صقر قريش و السرايا و تاج الحاضرة و مشاعر و معاوية ابن أبي سفيان و بعض الأفلام الأجنبية. هذا فضلا عن استغلاله لتصوير بعض الومضات الاشهارية والصور الفوتوغرافية.
لمحة تاريخية
كما قدم لنا مدير دار الثقافة بغار الملح، بسام مبروك، لمحة تاريخية عن معلم باب تونس بغار الملح واستغلال هذا المعلم للتعريف به على مستوى عالمي خدمة للاقتصاد الوطني، وذلك عبر جلب السائح أينما كان لزيارة المنطقة. مضيفا وأنّه ارتأى لتحقيق هذا الهدف استعمال وسائل التواصل الحديثة حتى يكون لها صدى عبر العالم. ويتحقق ذلك عبر تكوين الأطفال الناشطين بدار الثقافة كيفية تصوير أفلام قصيرة جدا، في إطار قصة للأطفال، يتّم بثها عبر الهواتف المحمولة لتتم مشاهدتها من قبل الأطفال عبر العالم. بذلك نضرب عصفورين بحجر واحد. أوّلا تكوين الأطفال لصناعة مثل هذه الأطفال القصيرة باعتبارهم رجال الغد الذين سيأخذون المشعل، وثانيا استخراج من ذواتهم ما يكتنزه من إبداعات.
وثانيا تثمين مثل هذا المعلم الأثري ونشره لأطفال العالم عبر القنوات الحديثة للتواصل الاجتماعي بمختلف محاملها.
المحطة الثانية : هكذا كانت الحياة اليومية للفينيقيين ولغتهم
حتى نضع تظاهرة “عودة الفينيقيين” في إطارها يقول فتحي الدريدي، رئيس مصلحة بمندوبية الثقافة ببنزرت، ” اختارت مندوبية الثقافة ببنزرت الموقع الأثري بأوتيك ليحتضن فقرات البرنامج الجهوي في إطار الاحتفال بشهر التراث في دورته 33 لسنة 2024، وذلك لأهمية الموقع إذ يعدّ من أقدم المصارف الفينيقية في غرب المتوسط 1101 ق م وثالث أقدم مدينة فينيقية في غرب المتوسط. وقد تمتعت أوتيك بالاستقلال حتى بعد تأسيس قرطاج سنة 814 ق م.
ليضيف وأنّ الهدف من هذه التظاهرة هو التعريف بالموقع الأثري بأوتيك والتشجيع على السياحة الثقافية لـ منتوج بديل يساهم في خلق مواطن الشغل، فضلا عن ابراز المخزون الأثري لجهة بنزرت وذلك بالتعاون مع وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية والمعهد الوطني للتراث ومعتمدية وبلدية أوتيك وفوج الكشافة التونسية بأوتيك. و عليه يتضمن برنامج التظاهرة بزيارة الموقع الأثري بأوتيك ثمّ الاطلاع على العروض المشهدية التاريخية و هي تحاكي الحياة اليومية.
اللباس والأسواق واللغة الفينيقية والطقوس الجنائزية كانت حاضرة (وسنكتفي بعرضها عبر الصور)
طقوس دفن الأموات لدى الفينيقيين
كلّ هذه الصور هي مأخوذة من مشهدية ممسرحة للحياة اليومية للفينيقيين جسدها أبناء الجهة مستعملين ومتخاطبين فيما بينهم باللغة التي كان يستعملها الفينيقيون في ذلك العصر. هذه المشهدية شدّت انتباه الحضور وتابعها بانتباه، خاصة أمام الأداء المتميّز للممثلين الذين تقمصوا الأدوار كما يجب إلى درجة تخال نفسك تعيش في نفس العصر.
مداخلة علمية للدكتورة خولة بنور
لتختم هذه المحطة الأولى بـأوتيك بمداخلة علمية قيّمية قدمتها الدكتورة خولة بنور حول المعطيات الأثرية والمشاهد المعروضة. ولتنتهي هذه المرحلة بتوزيع الجوائز على بعض المشاركين.
مواكبة: الأمين الشابي
عـدسـة: خالـــد الهـذلـي