صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب: المناضل كمال السمّاري (1939-2024) كما عرفته

issa bakouche
كتب: عيسى البكوش

انتقل يوم السبت الماضي الصديق كمال السمّاري إلى رحمة الله بعد عمر قضّاه في النضال في الساحات الطالبية والحقوقية والوطنية ووارى التراب في مدينة تالة حيث ولد يوم 13 ديسمبر سنة 1939.

لقد عرفت الفقيد في مدينة باريس منذ أواسط ستينات القرن الماضي وكنّا معشر الطلبة الدستوريين المنخرطين في النضال الطلابي نرفع شعار الديمقراطية داخل الحزب وخارجه.
كنا نرتاد معاقل التواجد الطلابي في دار تونس وإقامة مونسني ومأوى الحبيب ثامر ونخوض غمار المحاجة مع رفاقنا من غير الدستوريين وإن كان بعضهم ينعت نفسه بالتقدّمي فإنّنا لم نكن في قناعاتنا دونهم في ذلك.
فحراكنا كان من أجل رقيّ شعبنا ومناعة وطننا ولقد كان الفقيد من المجادلين البارزين كمثل الصديق فريد ممّيش في تلك المحافل.

رؤية واضحة

كانت رؤيته واضحة وخطابه معلّّلا ولم يكن دائما مقنعا بالنسبة للآخر القريب والبعيد.
إنّ استقلاليتنا عن أصحاب القرار في تونس جلبت لنا بعض المتاعب ولكنها لم تثنينا عن عزمنا في الإصداح بما كان يختلج في صدورنا.

لقد عدت إلى أرض الوطن في صائفة سنة 1968 بعد أن ساهمنا سويّا في أحداث ماي من تلك السنة لمواصلة المشوار المحتوم على رأس منظمتنا العتيدة: الاتحاد العام لطلبة تونس التي كان الرفيق كمال أحد أركانها المضيئة في مدينة الأنوار.

دفع الضريبة

عندما حاد الحزب الحاكم عن خطّه الاشتراكي، كان من الطبيعي أن ينحاز الرفيق كمال ضمن مجموعة من الاشتراكيين الدستوريين إلى الحركة التي دعا إليها المنعّم أحمد بن صالح، فكان الفراق مع حزب انصرف عنه جمع من أبنائه الخلّص الذين نذروا شبابهم للدفاع عن توجّهاته، فدفع الفقيد ضريبة هذا الوفاء لمبادئ لم يحد عنها، فكان الردع وكانت المضايقات وكان الحرمان من أبسط الحقوق وهو الحق في جواز سفر، فارتأى أن يختار المهجر لمواصلة النضال…

إلى لندن

ولجأ إلى لندن حيث وجد السند من طرف المنعّم خالد بن عطية وهو من النشطاء السابقين في فرع اتحاد الطلبة هناك، فاستغلّ إقامته بمدينة الضباب للاشتغال في مجال الصحافة، ثمّ فُتحت أمامه أبواب التألق والانتشار من خلال انخراطه في منظمة العفو الدولية حتّى ارتقى بعد مدّة لأعتى المسؤوليات وقد تمكّن بفضل ذلك من زيارة العديد من البقاع في العالم حاملا رسالة الدفاع عن الحريّات والحقوق.

وكان هكذا أحد أفراد جيلي الذين يعتزّ بهم بلدنا، والذين أشعّوا في أركان العالم وأذكر من بينهم المنعّم أحمد بن عثمان في مجال حقوق الإنسان والمنعّم محمد علي العبروقي في مجال البيئة و المنجي بوسنينة في سماء الثقافة العربية والمنعّم محمد علي بوليمان الجامعة العالمية للمدن الفرنكفونية والأخوين كمال مرجان وحسن فضّة في الهياكل السامية للأمم المتحدة، والمنعّم سليم علولو في الجامعة الدولية لكرة القدم.

آخر لقاء

لقد التقيت الصديق السماري بعيد الثورة التونسية وهو يتحمّل وزر جريدة الصباح وهو بذلك يعود على بدء و ” ما الحبّ إلا للحبيب الأوّل”.
لقد دعوته لحضور اللقاء الذي نظمته جمعيّة قدماء اتحاد الطلبة سنة 2012 وحضره المؤسّسون من أمثال منصور معلى ومحمد التريكي وعمّار المحجوبي والمنعّم عبد الحق لسود، ولقد نقل رحمه الله وقائع تلك الجلسة التاريخية على أعمدة تلك الصحيفة الغرّاء.
رحم الله المناضل الفقيد كمال السمّاري ورزقنا وذويه جميل الصبر والسلوان، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى