صالون الصريح

محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ أعلام من صفاقس (119): المهندس العصامي احميد بن حسونة السلامي 1881 ـ 1968

sallami
كتب: محمد الحبيب السلامي

احميد بن حسونة السلامي..بدايته في العلم والثقافة كانت في الزاوية، فيها حفظ القرآن وتعلم قراءة وكتابة اللغة العربية، لبس العمامة والجبة ودخل الجامع الكبير بصفاقس يتلقى العلم الذي يجعل منه شيخا…لم يطل به المقام، خرج ليمد يده إلى الحضارة الصناعية التي دخلت تونس مع الحماية الفرنسية…

باع الدراجات

كان أول صفاقسي يركب الدراجة، وأول صفاقسي يفتح في باب الجبلي الجديد دكانا يبيع فيه الدراجات…والدراجة فيها ضوء، فيها أسلاك وطاقة كهربائية، ومن هنا بدأت صلته بالكهرباء، عليه أن يتعلم، والعلم في كتب لغتها فرنسية عليه أن يتعلمها…

تعلّم الفرنسية

وجد المعلم، وجد جزائريا يتقن اللغة الفرنسية ويريد أن يتعلم اللغة العربية فاتفقا على أن يتبادلا اللغة بالعلم…وتعلم احميد، واستزاد العلم عن طريق المراسلة، وهكذا أصبح وأمسى مهندسا عصاميا في الكهرباء، يُجهز البيوت بالخيوط الكهربائية، واكتشف أن الرياح تولد طاقة كهربائية بواسطة ناعورة خاصة، مد يده للناعورة وقد عرف بالمطالعة والذكاء والخبرة قانونها وقواعدها وأسرارها…

وفي الثلاثينيات من القرن العشرين كان صاحبنا يعلو سطوح الأبراج ينصب فوق سطح البرج سلما عاليا مربعا فوقه ناعورة ذات أربعة أضلاع يتدلى منها سلك حديدي لين قوي في آخره حلقة حديدية هي مفتاح التحكم في الناعورة إن أريد توقيف دورانها، كما يتدلى خيط كهربائي يتصل في غرفة خاصة بعدد من البطاريات تخزن الطاقة التي تنتجها الناعورة بدورانها بالرياح…

يغرس ناعورة الرياح

وقد شاهدت هذا في صغري وصاحبنا يغرس ناعورة الرياح فوق سطح برجنا…جهز أعوان احميد البرج بخيوط الكهرباء والمصابيح الخاصة، وبهذا الضوء نعمنا، وازدادت النعمة لما اشترى لنا (راديو هولندي من دار فيليبس) وضعه في شباك بيت، وغرس له فوق سطح البرج قصبة طويلة يتدلى منها سلك حديدي أوصله بالراديو يقوي صوته…

حادثة الباخرة الفرنسية

واشتهر في صفاقس اسمه، ولذلك لما رست في ميناء صفاقس باخرة فرنسية، وحدث فيها عطب منعها من الحركة وعجز ضباطها المهندسون عن إصلاحها أُشير عليهم باللجوء إلى احميد السلامي فدعوه، أقبل وهو يلبس العمامة وبلوزة فقد تخلى عن الجبة لما دخل حضارة الصناعة، تقدم من الباخرةً وسط دهشة واستغراب أصحاب الباخرةً، لكنه فاز بعد بتقديرهم وهو يكتشف موطن العطب ويوجههم لإصلاحه ويرفض أن ينال أجرا (أكثر من فرنك رمزا)…

وجاء (التراكتور) للحرث والحمل ، وانتشر في ضيعات المعمرين وبعض التونسيين ففتح محلا لإصلاحه، وعلم ولده أحمد فاشتهر، وتُصاب طواحين معاصر الزيتون بعطب فيدعى لإصلاحها…

ودع الدنيا

ويُقال…إنه عن طريق مطالعاته كان يأخذ غصن زيتون، ويشده بيديه، ويمشي في أرض، وبحركة تحدث من غصن الزيتون منها يكتشف وجود ماء مخزون في باطن هذه الأرض، يستخرجه صاحب الأرض لسقي أشجاره…وصاحبنا كان يحب الأرض ويحب الفلاحة كما يحب الصناعة، ولذلك كان في آخر يوم من حياته تحت شجرة في جنانه يرعاها، فأصيب بوعكة صحية أسقطته أرضا، فأُخذ إلى فراشه، وفيه ودع دنياه، وودعته زوجته الطيبة وأولاده الأبرار وودعته صفاقس بالرحمة وحسن الذكر…
فماذا يروي الأصدقاء من تاريخه وسيرته يفيد ذكره لنفهم أكثر…وأنا أحب أن أفهم؟؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى