يوسف الرمادي يكتب: حتى لا يكون الناخب الوطني كصياد بدون ‘كَرْتُوشْ’

كتب: يوسف الرمادي
كثُر الحديث في الأيام الأخيرة لإشراف هيئة التسويّة على تسيّير الجامعة التونسيّة لكرة القدم والتي وصلتْ بها ـ مشكورة ـ لوضعها النهائي بعد انتخاب هيئة رسميّة تسيّر بصفة قانونيّة هذه الجامعة التي شهدتْ أطوارا تسمح بكتابة أسفار عمّا عانته من كلّ أنواع الإهمال الفساد والتسيّيس والتطاول على الدولة بالأجنبي والتفريط في مصالح كرتنا..
ملف المدرب
وكان موضوع هذا الحديث هو الناخب الوطني الذي كثرتْ حوله الخلافات و تعدّدت حوله الآراء، كان بداية الخلاف حول إمكانيّة تعيّينه من طرف “هيئة التسويّة »، لأنّ الأمر لا ينتظر انتخاب الهيئة المديرة للجامعة إذ مواعيد هامة على الأبواب لا يمكن أن تنتظر الانتخابات ومن أهمّها تصفيات كأس العالم التي ستنطلق قريبا، لذلك يجب استعجال تعيّن مدرّب وطني…
ومن هذا المنطلق بدأت “هيئة التسويّة” تفكّر في هذا الموضوع وقد وصلت تسريبات مفادها أن الناخب الوطني المقبل لا يمكن ان يكون إلّا أجنبيا كما وقع تداول أحد الأسماء والمرتّب والمنح التي سيحصل عليها، وكان هناك شبه إجماع في الساحة الكرويّة أنّه نظرا للوضع الذي عليه كرتنا وإن نحن جادين في ارجاعها لما كانت عليه قبل الأزمات، فلا بدّ أن يكون الناخب الوطني أجنبيا كما تسرّبتْ أسماء أخرى كلّها أجنبيّة مع اختلاف بسيط في الرواتب والمنح…
وعندما ظهر على هيئة التسوية بقيادة كمال إيدير شبه العزم على البت في هذا الموضوع بعد التشاور مع المختصّين في الميدان..جاء شبه تنبيه من الجهات الرسميّة التي ستتكفّل كالعادة بمرتّب الناخب الوطني ـ أنّ الوضع العام للبلاد ووضع كرة القدم في تونس ليس في حاجة لمدرّب أجنبي سيلتهم المليارات، وأنّ المدرّب التونسي الذي أثبت اقتداره في الداخل والخارج، قادر على قيادة فريقنا الوطني في هذه المرحلة…
رجّة كبرى
فكانت هذه بمثابة الرجّة التي غيّرتْ التوجّهات وجعلتْ الساحة تتحدّث عن المدرّب التونسي وقدرته وتميّزه في الداخل والخارج، وعن المليارات من العملة الأجنبية التي ستبقى في خزينة الدولة، وقد حصل شبه إجماع حول هذه الفكرة ما عدا بعض النشاز الذي لا يغيب عن أي موضوع في تونس في هذا الظرف…
لكن هذا الإجماع اتّخذ منحى سياسي اقتصادي بعيدا عن المنحى الرياضي التقني وحاجيات فريقنا الوطني في هذا المرحلة حيث اعتُبر قرارا سياسيّا من السلطة وهذا غير صحيح، فليس الوضع المالي للبلاد هو الذي سيحدّد وحده اختيارنا للناخب الوطني بل هنالك عوامل أخرى رياضيّة كرويّة فنيّة كما سأبيّن ذلك…
أين التكوين؟
إنّ فريقنا الوطني في الوضع الحالي للكرة التونسيّة ليس له حظوظ في الألقاب القاريّة لأنّ الساحة الكرويّة التونسيّة قلّتْ فيها المواهب والكفاءات وخاصة في الهجوم بسبب إهمال التكوين، فنحن اليوم لا نجد مهاجما تونسي بالمواصفات المطلوبة لا في داخل البلاد ولا في خارجها…
ثمّ إنّ نوعيّة اللاعبين المتوفّرين للناخب الوطني يعوزهم التميّز والاقتدار لذلك فـ فريقنا الوطني قادر في مرحلة أولى على استرجاع قدراته ليكون ضمن الفرق الافريقيّة المتوسّطة، ريثما نفتح مراكز التكوين في كلّ الجهات للبحث عن المواهب وصقلها أو نجد شبان تونسييّن متخرّجين من مراكز التكوين الأجنبيّة ويرغبون في الالتحاق بالفريق الوطني لـ بلدهم الأمّ…
ومعنى هذا أنّنا في مرحلة أولى غير قادرين على المنافسة للحصول على الألقاب الإقليميّة أو العربيّة..
بكل صراحة
لكلّ هذه الأسباب لسنا في حاجة لمدرّب أجنبي مهما كانت كفاءته لأنّ هذا المدرّب الوطني الأجنبي سيكون في تونس مثل الصياد الماهر الذي يحمل بندقيّة من أعلى طراز لكن ليس معه ‘كرتوش’.. فماذا سيفعل بمهارته وبشهائده وبتاريخه الممتاز إن هو ليس له لاعبين في كلّ المراكز بالمستوى المطلوب…
لنقولها بصراحة وبدون لفّ ولا دوران، هذا هو وضع كرتنا اليوم وعلينا أن نعمل على الرجوع لما كنّا عليه من امتياز بعقلانيّة وثبات.
بين غوارديولا وأنشيلوتي
ولكي نزداد اقتناعا بأنّ اللاعبين المقتدرين هم أساس كلّ فريق مهما كان مجده وتاريخه، فلنقف عند الأمثلة الصارخة الموجودة اليوم والتي تأكّد صحّة هذا الافتراض لنبدأ بـ غوارديولا الممرّن الإسباني لـ المان السيتي الذي أينما مرّ حصد الألقاب ويُعْتَرَف له بالدهاء والقدرة على استنباط الطرق الكفيلة بالنصر وأنّه على الأقلّ من أحسن المدربين على الساحة العالميّة فعندما أعوزه “الكرتوش” أي بمجرّد أن قلّت الكفاءات عنده رأينا كيف تتالت هزائمه ولمن يتساءل عن السبب نقول له لأنّ “الكرتوش” قلّ عنده…
فخروج اللاعب كيفن دي بروين عن مستواه المعهود أحدث في الفريق فراغا لم يقدر غوارديولا على ملئه. وكذلك كارلو أنشيلوتي الممرنّ الإيطالي لـ ريال مدريد عندما كثرتْ عنده الإصابات أي عندما قلّ كرتوشه رأينا الفريق يفقد توازنه…
وأكتفي بذكر هذين القامتين في عالم التدريب لأبيّن أنّ المدرّب لا بدّا له من لاعبين ممتازين لأنّه ناخب أي يختار من الموجود وأنّ الموجود اليوم في تونس ليس في المستوى المطلوب وهذه حقيقة أجمع عليها كلّ القائمين على كرتنا على الأقلّ بالمقارنة مع جيراننا..
لا نحتاجه الآن
إذن لمن يريد تسيّس هذا الموضوع ويجعل قرار عدم انتداب ناخب أجنبي قرار سياسي فليعلم أنّ مستوى كرتنا اليوم ليس في حاجة لناخب أجنبي مهما كانت كفاءته لأنّ “الكرتوش” الذي بين أيدينا (اللاعبين) يمكن للناخب الوطني التونسي إن هو أحسن استغلاله أن يتقدّم به قليلا ريثما نعيد النظر في كلّ الوسائل الكفيلة بالنهوض بكرتنا.
وفي الختام أنبّه القارئ وكلّ الساحة الكرويّة أن ليس هنالك ممرّن وطني بل هنالك ناخب وطني يختار فريقه من الموجود على الساحة ولأنّ دوره ليس تصعيد الشبان وصقل مواهبهم لأنّ هذا الدور موكول للفرق وللقائمين على تدريب الشبان في الفرق وعلى الدولة إن صحّ عزمها على النهوض بكرتنا أن تصرف أموالها على تكوين الشبان وصقل مواهبهم لا أن تدفع رواتب خياليّة بالنسبة لإمكانياتنا ثمّ “فَسِّخْ وَعَاوِدْ مِنْ جَدِيدْ” والأمثلة على هذا السلوك كثيرة ونرغب في القطع معها.