صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ نهاية حسن الصباح مؤسس ‘الحشاشين’: حينما تتملك الفكرة الضالة من صاحبها

slama
كتب: نوفل سلامة

الحلقة الأخيرة من المسلسل الحدث في الدراما العربية في رمضان هذه السنة ‘الحشاشين’ كانت نهاية مأساوية عنوانها سؤال وجودي طرحه حسن الصباح على نفسه طوال الحلقة من أنا؟ هل أنا فعلا صاحب مفتاح الجنة وحلقة الوصل بين الإمام الغائب والناس؟ أم أنا صوت الله في الأرض أنقل للناس تعاليمه ريثما يعود من طالت غيبته؟ هل أنا رجل صالح مؤمن عارف بأسرار الإيمان ؟ أم أنا رجل ضال؟

سؤال طرحه على إبنه الحسين قبل أن يقتله فلم يجبه؟ وسأله لزوجته قبل أن يقتلها فقالت له: الصباح إنسان كاذب متحيّل اقنع نفسه وصدقها أن معه مفتاح الجنة وأن له القدرة على أن يُدخل إليها من يشاء من أتباعه أو أن يحكم على من يشاء بعدم دخولها، وأوهم نفسه أنه يملك القدرة على مخاطبة الناس باسم الإمام الغائب وينقل خطاب مولانا نزار المختفي إلى الناس…

فكرة وعقيدة

قالت له: لقد أوهمت نفسك وصدقتك العامة والبسطاء من الناس أنك تحمل فكرة وعقيدة أسرّها لك الإمام الغائب تصلح لإسعاد البشر ونشر العدل في العالم ومنع الظلم في الأرض بعد أن عمّها الفساد الذي تسببت به الدولة العباسية وخلفاؤها.. حسن الصباح فكرة ضالة أوهمت الناس أن الظلم انتشر في الأرض وأن من يحكمهم لا يمثلهم ولا يهتم بهم وهو سلطان ظالم، وأن الحل في الإيمان بتعاليم الباطنية والاعتقاد في وجود مخلص غائب وأن حسن الصباح هو حلقة الوصل بينه وبينهم إلى أن يعود من مخبئه.

مظلمة وحزينة

الحلقة الأخيرة من مسلسل الحشاشين كانت حلقة مظلمة وحزينة بعد أن أصبح حسن الصباح الرجل الأقوى في زمانه حبيس غرفته لا يفارقها أبدا بأمر وقرار من تابعه المخلص (برزك) الرجل الثاني في هذا التنظيم السري الذي جعله في وضعية السجين في غرفة لا يخرج منها ولا يقابل أحدا، ولا يتصل به من كان في القلعة حتى ابنته خديجة كانت ممنوعة من رؤيته أو التحدث إليه وقد أوهم برزك الجميع أن مولانا حسن الصباح في خلوة للتأمل والتدبّر بأمر من الإمام الغائب ليتلقى التعاليم والتوجيهات النورانية.

وحيدا بين أربعة جدران

عاش حسن الصباح أيامه الأخيرة وحيدا بين أربعة جدران في حيرة قاتلة وحبس انفرادي ألزم نفسه به أو ألزمه تابعه المطيع من وراء فكرة خيالية ومعتقد ضال اقنع به نفسه واقنع به اتباعه ونشره بين الناس البسطاء الذين صدقوا أنه إمام مُلهم يتلقى تعاليمه من صوت الغيب التي يبلغه بها الإمام الغائب حتى وصل به الأمر إلى دخول في حالة من الشك وطرح الأسئلة الحائرة أوشكت أن توصله إلى الجنون من دون أن يصل إلى إجابة تشفي غليله حول من يكون حسن الصباح وما هي حقيقته؟

تقول الرواية التاريخية أن حسن الصباح مات سنة 518 هجرية 1224 ميلاديا في قلعته التي لازمها ولم يغادرها إلا مرة واحدة، ولكن أفكاره ودعوته وسيرته لم تمت وبقيت حية ما يقارب 900 سنة قبل أن تجتاح جيوش المغول العالم الإسلامي وتقوم بتدمير
‘قلعة الموت’ مركز دعوة الحشاشين ومعها اتلفت كل الكتب والوثائق التي تؤرخ لهذه الحقبة الزمنية وكل ما يهم هذه الحركة التي أثرت لفترة طويلة في التاريخ والثقافة الإسلامية، ومعها تنتهي هذه الحركة التي أراد صاحبها أن يغيّر بها العالم وأن ينشر العدل ويقاوم الظلم بتوظيف الدين مطية للحكم والسلطة باستعمال تقنية التحيّل والوهم والخِداع بأن هناك أمام غائب هو المخلص من كل الشرور والظلم الذي يعمّ العالم وأن حسن الصباح هو حلقة الوصل بينه وبين الناس، وأن كل تابع للدعوة جزاؤه الجنة التي يملك مفتاحها.
حسن الصباح هو في النهاية صورة الشخص الذي يؤمن بفكرة ويعتقد في صحتها ويقنع نفسه ويقنع غيره أنها صحيحة، وأنه على حق وصواب وغيره على ضلال وكفر، فكرة تستحق أن يقاتل من أجلها ويضحي بكل شيء من أجل أن تنتشر حتى وإن لزم الأمر التضحية بأقرب الناس إليه واستعمال كل الوسائل من أجل بلوغ هذه الغاية حتى وإن تطلب الحال التلاعب والتحايل على عقول العامة وتأويل النص الديني في غير سياقه وحقيقته ولفظه ومعناه الظاهر الواضح.

نبتة فاسدة

والحشاشين هي نموذج للنِحل والتنظيمات التي تقوم على فكرة ضالة والحركات السرية التي تنبني على فكرة واهمة وتؤسس على معتقد فاسد يدمر العقول ويهدم الصفاء الروحي والايماني التي جاء بها ديننا كما تشكل زمن التأسيس الأول وعصر الإسلام المبكر .. نموذج الجماعات التي توهم الناس أنها أنها تمثل حقيقة الدين ليتضح في الأخير أنها نبتة فاسدة وثمرة طعمها مر.
الحشاشين وحسن الصباح هما نموذج المجتمعات التي يعشش فيها الجهل وتنتشر فيها الخرافة ويصادر فيها العقل .. صورة المجتمع الذي يحفه العمى من كل جانب .. صورة للمجتمع الإسلامي التاريخي لما كبلته الضلالة وسيطر عليه الفقر الديني وتلبس به التصحر الايماني، نموذج المجتمع الإسلامي الذي ظهر خلال القرن الخامس للهجري لما عاد إلى الوراء إلى زمن الجاهلية الأولى، وزمن سيطرة الخيال والخرافة وتراجع صوت العقل والمنطق وصحيح الوحي، صورة المجتمعات لما تبتعد عن صحيح العقيدة والفهم الواضح للدين والشريعة والنصوص المقدسة من القرآن والسنة…

فكرة ضالة

الصباح والحشاشين صورة المجتمع والإنسان حينما تتملك فكرة ضالة بصاحبها و يعتقد في صحتها وتتغلغل في العقول وتصدقها العامة فـ يسبح الفرد في عالم من الوهم والخيال والضياع، ومن هذا المدخل حصل التراجع الحضاري وعمّ الجهل والخرافة عالمنا ووجد المستعمر الأجنبي الأرضية سانحة لاحتلال الأوطان واستنزاف خيراتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى