صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: مسلسل معاوية بن أبي سفيان خلاصات واستنتاجات

slama
كتب: نوفل سلامة

أثار مسلسل معاوية جدلا كبيرا في العالم العربي والإسلامي، وفتح نقاشا في الأوساط الفنية والفكرية حول الرؤية التاريخية التي يقدمها ويقترحها لأخطر مرحلة عرفها الإسلام وتاريخه والمعالجة الدرامية التي تناولت شخصية إسلامية بارزة حولها خلاف كبير…

وهي شخصية معاوية بن أبي سفيان التي حاول المسلسل أن يقدم صورة عنه تقرّبه الى حقيقته بعيدا عن الصورة المبتذلة والمشوّهة التي أُلصقت به كشخصية ماجنة أضاعت مجد الإسلام وحوّلت حكمه من خلافة راشدة الى ملك وراثي تواصل مع المسلمين إلى وقت قريب ورسخ ثقافة في العالم الإسلامي معادية للتداول السلمي على السلطة، وتولي الحكم بطريقة يكون فيها للشعب الدور الحاسم بعيدا عن انتقاله الوراثي العائلي.

الفتنة الكبرى

بالإضافة إلى القراءة التاريخية التي قدمها المسلسل عما حصل في الفتنة الكبرى التي نشبت بعد مقتل ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان والصراعات التي ظهرت بين الصحابة والتابعين سنوات قليلة بعد موت الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والتي يرجع المرحوم هشام جعيط شراراتها الأولى إلى أحداث اجتماع ‘سقيفة بني ساعدة’ في المدينة مباشرة بعد وفاة النبي والكيفية التي تم بها حسم الخلاف على السلطة…

وهو الخلاف الذي وإن أخمد الخلاف السياسي بين المسلمين لفترة إلا أن نتائجه التي رجحت كفة الحكم لعمر بن الخطاب لم تحسم المسألة نهائيا ليعود مصطلح الفتنة الذي استعمل حينها لأول مرة من جديد، وتم استعادته بمناسبة مقتل عثمان ليبدأ معه تاريخ جديد للمسلمين عرفوا فيه اقتتالا كبيرا أودى بحياة أكثر من سبعين ألف من المسلمين… كان من بينهم كبار الصحابة والتابعين وانخرط فيه أبناؤهم وأسس لظهور المذاهب والفرق والنحل الدينية والمدارس الفكرية المختلفة التي مزقت وحدة الأمة..

رؤية متوازنة

حاول المسلسل أن يبسط مختلف وجهات النظر من هذا الخلاف من دون حسم واضح لمن معه الحق ومن على صواب، ومن على خطأ ليقدم مادة تاريخية يقول عنها كتّاب السيناريو أنه تم الرجوع إلى أمهات الكتب التاريخية وأهم المراجع التي أرّخت للفتنة الكبرى من كل الاتجاهات للخروج برؤية أقرب إلى حقيقة ما حصل ويفسح المجال للمشاهد للحكم بمفرده.
بالإضافة إلى تسليط الضوء على هذا الخلاف المدو والمؤثر الذي حصل بين علي ومعاوية حول أي المسألتين أولى بالحسم مبايعة علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين بعد عثمان وتأجيل القصاص من قتلته إلى أن تخمد الفتنة، ويستتب الأمر أم أن الأولى هو تتبع قتلة عثمان والقصاص من كل من شارك ونفذ وخطط قبل إعطاء البيعة لعلي بن أبي طالب، فإن المسلسل نجح في تقديم صورة مختلفة عن معاوية بن أبي سفيان الذي ظهر في شخصية قوية تتمتع بثقافة وعلم وحرص كبير على تحقيق المزيد من المجد والنفوذ للمسلمين وشخصية متحملة لـ مسؤولية الحكم والحريص بشدّة على الاعتناء بمفرده بشؤون الدولة…

شخصية عبقرية

فهو على خلاف ما روج عنه في كتب التاريخ كونه كان ماجنا ومتحللا من الأوامر الدينية، فقد حاول المسلسل إظهاره شخصية متوازنة بين اهتماماته الشخصية واهتمامات الحكم بل كان في هذا العمل الدرامي شخصية عبقرية لها تفكير استراتيجي يعود لها الفضل في تأسيس أول أسطول بحري للمسلمين حارب به الأعداء الذين كانوا يملكون البحر ولا ينازعهم فيه أحد وصد تهديدات و مخاطر الأمم الأوروبية والفضل يعود له كذلك في بناء جيش بري قوي ومهيكل ومجهز عتادا وعدة وراءه إدارة منظمة بفضل الدواوين التي انشأها والتنظيم المدني الذي عرفه المجتمع الإسلامي في الشام.

من دين إلى دولة قوية

أهم ما نخرج به من هذا المسلسل والانطباع العام الذي نحصل عليه بعد متابعة كامل حلقاته أن معاوية قد نقل الإسلام من فكرته الأولى كونه دعوة دينية جاءت لتوحيد البشر حول دين واحد ودعوة لعبادة الله الأوحد وتشريعات وقوانين ومنظومة أخلاقية لتنظيم المجتمع الصغير في مكة والمدينة، إلى مشروع دولة قوية وفكرة إمبراطورية تضاهي ما كان موجودا في ذلك الزمن وذلك السياق التاريخي…

صاحب حلم كبير

فـ معاوية كان له حلم كبير بتأسيس مُلك قوي وتوسع جغرافي أكبر في العديد من المناطق في مختلف أرجاء الكرة الأرضية وكان يعتقد أن الإسلام حقيق بأن تكون له دولة تكتسح كامل المعمورة وتسيطر على العالم القديم.
الخلاصة الأخرى هي أن معاوية على خلاف الكثير من الصحابة لم يكن محافظ التفكير وكان لا يخشى من التقدم ولا يخيفه التطور فكان مطلعا على ما عند الأمم الأخرى من عوامل قوة ونصر وما عند البيزنطيين والرومان والفرس من مدنية وتقدم، فاقتبس منهم ما يصلح وما يحتاج لتقدم المسلمين ولم يكن خائفا من هذا التلاقح الحضاري والثقافي وكان مؤمنا أن الإسلام لا يمكن احتواؤه ولا إضعافه، وكان يعتقد أن الإسلام هو من سوف يحتوي الأمم والحضارات الأخرى في منظومة حكم جديدة.
هذا التفكير هو الذي ميّز شخصية معاوية بن أبي سفيان على غيره من الصحابة وهذه الرؤية لكيفية تعامل الإسلام مع قيم عصره هي التي فتحت الباب للمسلمين ليكون لهم ملك قوي وحضارة ومدنية وينقل الدين إلى مسارات أخرى والمجتمع إلى مناخات جديدة ويضع العرب على طريق الريادة والتفوق وقيادة العالم.
هذا هو معاوية بن أبي سفيان كما أراد هذا العمل الدرامي الضخم تقديمه إلى الناس شخصية بكل تناقضاتها وحسناتها وسلبياتها لعبت دورا كبيرا في بناء أعظم دولة في التاريخ الإسلامي بعيدا عن النظرة التي تشوهه أو تلك التي تقدسه رغم كل ما قيل عن دوره في أحداث الفتنة الكبرى و مسؤوليته التاريخية في نقل الحكم في الإسلام من شورى بين المسلمين إلى ملك وراثي.

استنتاجات

المفيد الذي نخرج به من هذه المعالجة الدرامية التاريخية أن التعاطي مع التاريخ الإسلامي وخاصة أحداث مرحلة الفتنة الكبرى، وما نتج عنها من تحولات سياسية ومجتمعية وفكرية أثرت ولا تزال في حياة المسلمين أن التاريخ يصنعه الفاعلون وأحداثه تتحكم فيها فعاليات الأفراد وهي مسألة وضعية إنسانية فيها قدر كبير من الاجتهاد وتخضع لمنطق الخطأ والصواب..
وأن الحكم على التاريخ الإسلامي ومحاولة فهمه لا تخضع للمعطى الايماني ولا حقائق المعتقد الديني، لذلك فإن الباحث والمتعامل مع التاريخ يحاول فهم الأمور وتفسيرها لا الحكم عليها لأن إصدار الأحكام على أحداث وقعت فوق الأرض في حقبة زمنية معينة بفاعلين من البشر هي مسألة تقع خارج دائرة الأيديولوجيا وبعيدة عن مسائل الإيمان وتتطلب للحكم عليها معرفة بالسياقات و الظروف والمناخات التي أنتجتها لذلك فإن من كتب سيناريو مسلسل ‘معاوية’ حاول قدر الإمكان تفسير وفهم ما حدث والابتعاد عن إصدار الأحكام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى