صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: كيف تسارعت الأحداث وما الذي عجّل بسقوط نظام بشار الأسد؟

slama
كتب: نوفل سلامة

كل الحديث في الشارع العربي والشارع التونسي وحتى في الصحافة العالمية مُنّصب على الأسباب التي عجلت بسقوط نظام حكم بشار الأسد بكل تلك السرعة الكبيرة التي حصل بها والطريقة التي تهاوت بها سوريا وتفكك نظام حكمها في بضعة أيام…

مفاجأة

تهاوى النظام أمام الجماعات المسلحة التي خططت ونفذت هجوما مباغتا لم يدم طويلا بدأ يوم 27 نوفمبر وانتهى يوم 8 ديسمبر 2024 بقيادة هيئة تحرير الشام التي تقدم نفسها حركة معارضة لحكمه وهو الذي صمد منذ اندلاع الثورة السورية في سنة 2011، ولم تقدر أي جهة على إسقاطه رغم كل الدعم الخارجي الذي حصلت عليه الجماعات الجهادية والجماعات المسلحة في تلك الفترة التي عرفت طفرة ثورات الربيع العربي التي اجتاحت كامل المنطقة العربية…

تسارع الأحداث

فكيف تسارعت الأحداث حتى أدت إلى تقهقر النظام السوري و عجلت بسقوطه وانتهاء حكم بشار الأسد الذي اضطر الى مغادرة قصره باتجاه موسكو أين لجأ رفقة عائلته..

هناك اليوم أسئلة كبيرة وكثيرة حول التوقيت الذي تم اختياره للقيام بهجوم مباغت ومفاجئ على القوات السورية النظامية ومجريات القتال التي أوضحت ضعف القوات النظامية، وأسئلة أخرى بخصوص هيئة تحرير الشام التي تم تقديمها في الإعلام الغربي والعربي على أنها حركة معارضة للنظام السوري تضم عددا من الجماعات المسلحة تحت قيادة ” أبو محمد الجولاني ” وإسمه الحقيقي ” أحمد الشرع ” علما وأن هيئة تحرير الشام كانت قبل ذلك تسمى ‘جبهة النصرة’ أحد فروع تنظيم القاعدة الإرهابي، وهي جماعة متشددة ومصنفة جماعة إرهابية ومؤسسها الجولاني أو أحمد الشرع سبق له أن انضم في سنة 2003 إلى تنظيم القاعدة بقيادة أبو مصعب الزرقاوي بعد الاجتياح الأمريكي للعراق، وتم القبض عليه وسُجن لمدة خمس سنوات…

يقول عنه كل من رصد سيرته أنه رفض التقرّب من أبي بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية داعش الإرهابي، وفضّل زعيم القاعدة الارهابي أيمن الظواهري وفي سنة 2016 انفصل الجولاني عن القاعدة وأسس تنظيما جديدا تحت اسم ‘هيئة تحرير الشام’ وحاول تغيير صورته وتقديم نفسه بشكل مختلف وبشخصية أكثر اعتدالا وتعمد الظهور تحت إسمه الحقيقي أحمد الشرع وتخلى عن إسمه الحركي ” أبو محمد الجولاني ” في محاولة لإقناع المتابعين والحكومات الغربية بأنه ‘شخصية سياسية’، وأن حركته حركة معارضة غايتها إسقاط نظام الأسد واستكمال الثورة السورية التي بدأت في سنة 2011 وهدفها تحرير سوريا من الحكم الديكتاتوري وبناء دولة جديدة من دون حكم عائلة الأسد التي دام حكمها أكثر من خمسين عاما عرف فيها الشعب السوري حكما تسلطيا فرديا ونظاما دمويا قتل الكثير من أبناء الشعب السوري…

تغيّرات كبرى

من الواضح اليوم أن ما حصل في سوريا من تغيير لوجه النظام بكل تلك السرعة و الكيفية التي سقط بها حكم عائلة الأسد، والطريقة التي سارت عليها الأحداث والتي جعلت الحركات المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام تستولي على أهم المدن السورية وتدخل إلى العاصمة دمشق بسهولة كبيرة ودون مقاومة تُذكر من القوات النظامية، ومن دون تدخل لروسيا وإيران وحزب الله حلفاء الرئيس بشار الأسد لإنقاذ حكمه…

إن ما حصل بداية من 27 نوفمبر التاريخ المفصلي الذي بدأت فيه المعارضة السورية أو الحركات المسلحة هجومها على النظام السوري لم يكن أمرا عفويا وإنما تم الترتيب له بكل دقة والتخطيط له منذ سنة 2016 حينما فهمت أمريكا أن المسار الذي اتخذته الثورة السورية لإسقاط الأسد قد تعثر، وحصلت له لخبطة بدخول الحركات السلفية الجهادية على الخط وزادها اضطرابا وفوضى تدخل روسيا وإيران وحزب الله في الصراع السوري.

السر في التوقيت

الواضح اليوم أن مجريات الأحداث التي حصلت في الأيام الأخيرة و عجلت بسقوط النظام السوري وإنهاء حكم حزب البعث القومي بطريقة مذهلة ومدهشة وغير مفهومة تفيد أن الولايات المتحدة الامريكية والقوى المهيمنة والتي تحكم العالم، قد خططت لهذا الانهيار المدوي واختارت التوقيت المناسب، والذي جاء بعد إضعاف جبهة الممانعة والمقاومة للمشروع الصهيوني في المنطقة بعد تدمير غزة وانهاك حزب الله، وما أسفر عن إيقاف لحربها مع إسرائيل من شروط على لبنان عدم التدخل في أي شأن خارجي، وبعد إضعاف روسيا في حربها مع أوكرانيا التي على ما يبدو قد تورطت في هذه الحرب التي قدرت أن لا تدوم لأكثر من أسبوع فإذا بها تتواصل لأشهر طويلة وبعد ارباك إيران وإلهائها بقضايا الاغتيالات لقياداتها ورد الفعل عن هذه الاغتيالات…

الواضح اليوم أن ما حصل لم يكن عاديا ولا عفويا وإنما التخطيط كان واضحا لإنهاء حكم بشار الأشد بكل الطرق لاستكمال الاستراتيجية التي سبقت الثورات العربية انهاء حكم الأنظمة القديمة ورموزها، حيث بسقوط نظام بشار الأسد يكون العالم العربي قد طوى صفحة بأكملها من تاريخ الأنظمة العربية وأنهى حكم أنظمة عُرفت بالاستبدادية والتي ساندتها أمريكا لفترة واستعملتها وانتهت صلاحيتها، وتقرر منذ سنة 2004 التخلص منها والتعويل على قيادات جديدة لصياغة مشروع جديد لمنطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية وإعادة ترتيب الخارطة العربية بشروط جديدة والقضاء على فكرة المقاومة للمشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي وتوسيع دائرة التطبيع مع الكيان الصهيوني.

رسكلة المعارضة!

مؤشرات كثيرة تفيد أن ما حصل في سوريا وراءه برنامج ومخطط واستراتيجية تم وضعها منذ سنوات أولها صناعة معارضة موالية لها بعد رسكلة الجماعات الجهادية وترويضها على غرار ما حصل مع حركة طالبان في أفغانستان مع الرئيس ” جو بايدن ” واختيار شخصية براغماتية للعب هذا الدور فكان الاختيار على أحمد الشرع الملقب بأبي محمد الجولاني وجماعته هيئة تحرير الشام التي كانت تسمى قبل ذلك جبهة النصرة.

صفحة طُويت..

من المؤشرات الأخرى على صناعة هذا الحدث دخول الفصائل المسلحة العاصمة دمشق بكل سهولة ومن دون مقاومة ولا انتقام أو إراقة دماء المحسوبين على نظام بشار الأسد كما هي عادة الثورات الدموية أو عادة الجماعات الجهادية السلفية المتشددة وخاصة التواصل مع رئيس حكومة نظام بشار الأسد والإبقاء عليه في الحكم والشروع في مفاوضات معه للترتيب لمرحلة ما بعد سقوط النظام وهي مسألة بقيت غامضة إلى الآن وحولها العديد من نقاط الاستفهام وخاصة سؤال الدور الذي من الممكن أن يكون قد لعبه في هذا السقوط.
الواضح اليوم أن صفحت من تاريخ سورية قد طويت وأن تاريخا آخر يكتب لهذا البلد الذي حكمت عليه الأقدار أن يبقى يعاني من الصراعات والحروب والأزمات وأن سورية القديمة قد ولت بكل صورها، واليوم أمام هذا الشعب مستقبل آخر لا أحد يعلم كيف ستتشكل أحداثه ولكن الشيء المؤكد هو أن هذا المستقبل لن يعيد سوريا كما كانت قوية عصية أبيّة..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى