نوفل سلامة يكتب/ كتاب ‘انعكاس الظل’ لـ لطفي عيسى: دعوة للانخراط في أنساق مختلفة لفهم العالم

كتب: نوفل سلامة
احتفى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مركز تونس بالإصدار الجديد لـ أستاذ التاريخ بالجامعة التونسية الدكتور لطفي عيسى ‘انعكاس الظل’ في أمسية فكرية نظمها يوم الجمعة 9 جانفي الجاري أثثها كل من مدير المركز الأستاذ المهدي المبروك والأستاذ منير السعيداني والاثنان متخصصان في مجال علم الاجتماع…
آفاق معرفية
في هذا اللقاء الفكري الممتع استمع من واكبه إلى مداخلتين تناولتا مراجعة لمحتوى الكتاب ومحاورة لمضمونه وتقديم إضاءات مفيدة لأفكاره وقراءة حملت الكتاب وكل من اطلع عليه إلى آفاق معرفية أخرى غير معلن عنها، وفتحت فقرات الكتاب للقارئ نوافذ جديدة للتفاعل والفهم والاستفادة..
وبذلك يكون كل من المهدي مبروك ومنير السعيداني قد كتبا كتابة جديدة لانعكاس الظل وأخرجا مناطق كثيرة كانت مخفية فيه قد يغفل عنها قارئ الكتاب وبذلك يكون المراجعان قد قدما خدمة جليلة للكاتب وخدمة أخرى للقارئ، ونكون بهذه المراجعة التي قدمت أمام كتاب آخر لمنجز لطفي عيسى هي بمثابة نص على نص…
المخفي في شخصية الانسان
فإذا تجاوزنا فكرة الظل التي جعلها المؤلف محور كتابه والفكرة المركزية التي يدور عليها مضمونه، وهي فكرة تم استجلابها من مجال التحليل النفسي واستعارتها من كارل يونغ الطبيب النمساوي الشخصية الثانية بعد فرويد المتخصصة في مجال التحليل النفسي و فهم أنماط الشخصية وتحليل مختلف أشكال السلوك، وكيف وظف فكرة الظل التي هي في الأصل ظاهرة طبيعية كونية تظهر نتيجة لانعكاس ضوء الشمس على مختلف الأجسام ويدوم لفترة قصيرة ثم يختفي واسقاطها على الشخصية لفهم سلوكها وخاصة المناطق التي لا تظهر دائما عند الفرد واعتبار أن حقيقة شخصية الإنسان تتجسد في الأنا اللا واعية وكل ما هو مخفي وما لا يفصح عنه في العلن نتيجة قيود ذاتية يضعها الفرد لنفسه يخفي بها حقيقته وعيوبه وكل ما لا يريد أن يطلع عليه الأخرون أو تحت موانع من سلطة المجتمع على الفرد و ما يعبر عنه بالوعي الجمعي أو سلطة الأنا الأعلى أو الأنا الواعية.
طريق مختلفة
وإذا تجاوزنا مسألة البحث عن تصنيف الكتاب وموقعته ضمن الكتابات المماثلة في جنسه والبحث في نمط هذا النص ونوعه، أو كما يقول صاحبه هذا التمرين الذي قام به والانشغال بمعرفة هل هو من نوع المذكرات أو اليوميات أو هو من قبيل السيرة الذاتية أو هو نوع مختلف يتحدث عن ذات المؤلف وتاريخ هذه الذات…
وهل هو كتاب تاريخ أم هو كتاب يقع على تخوم التاريخ وجنس من الكتابة الجديدة التي تفتح الحدود بين التاريخ وعلم الاجتماع كما يقول المهدي المبروك أم هو نوع من الأدب الذي يكتب في التاريخ ويفتح أبوابا كثيرة للخيال ويفسح المجال للمتخيل كما هو شأن الكتابة الأدبية أم نحن أمام نوع من الكتابة التاريخية التي تصنع التاريخ أم هو التاريخ الذي حكى عنه المؤلف و صنعته ذاته بعد أن افصحت عن الظل الكامن بداخلها وكشفت عن المكنونات والمخفي والمخبأ فيها في عملية تصالح للظل مع الذات لتفرز في نهاية المطاف الذات الكاملة كما يقول كارل يونغ.
إذا تجاوزنا كل هذه المسائل فإننا نكون أمام كتاب يطالب بالسير في طريق مختلفة عن الطريق المألوفة ويطالب بمراجعة جذرية لكل السائد والقناعات الثابتة المتعارف عليها ويطالب بمناقشة معارفنا وأفكارنا ويقترح قراءة جديدة لتاريخ العالم ولتاريخ ذواتنا وبهذا المعنى والفهم نكون كما يقول منير السعيداني أمام منعرج هام هز كل القناعات وشرع كل الأبواب وفتح كل شيء على القراءة الجديدة أو القراءة من جديد والنقاش المتواصل، فـ لطفي عيسى وإن كان في كتابه يبحث عن ذاته إلا أنه يقوم بعملية انقلاب مدو ولا يستعمل مصطلح القطيعة كما نبه إلى ذلك المهدي مبروك على كل الأدوات والمناظير والأساليب ويقترح البحث عن أدوات فهم جديدة من أجل إعادة التفكير في المفكر فيه وإعادة الكتابة التاريخية فكل ما هو موجود يحتاج حسب صاحب انعكاس الظل الى إعادة قراءة وتدبر وكتابة وإعادة تركيب.
مقاومة الاستعمار الغربي
فهل ما نبه إليه المراجعان للكتاب بعد إخراج الكثير من مناطق الظل فيه تجعل من لطفي عيسى ينتمى إلى التيار الجديد المناهض للمعرفة الكولونيالية وضمن طبقة المفكرين الرافضين للهيمنة الغربية في المعرفة من الذين يقاومون المركزية الأوروبية في الفكر والتي تجعل من هذا الغرب المتفوق المحتكر الوحيد في فهم الأشياء وصناعة الأفكار والمعاني وبالتالي التوجيه والإرشاد في اقصاء كلي للعوالم الأخرى وخاصة مجتمعات بلدان الجنوب؟ ويجعل من كتابه ينتمي إلى مؤلفات المقاومة للاستعمار الغربي في المعرفة وضمن مكتبة الفكر الديكولونيالي التي اشتهرت به بلدان أمريكا اللاتينية؟
قراءات متعددة
ماذا بقي من الكتاب الذي على ما يبدو هو قابل لقراءات متعددة وافهام مختلف فهو من نوعية النصوص التي تبقى مفتوحة على قراءات متعددة مختلفة ؟ ما بقى من كتاب انعكاس الظل هو فكرة الانقلاب التي يحبذها لطفي عيسى ويستعملها بكثافة للمطالبة بإعادة النظر في كل شيء ومساءلة ما حسبناه قناعات ثابتة في الفكر والمعرفة والمسلمات وخاصة ما تعلق منها بفهم التاريخ المكتوب والتي أغلقت أبوابه وفهم الدولة التي يعرف مسارها اليوم اهتزازات مدوية ومراجعة لكل المقولات والنظريات التي حكمت حياتنا من أجل فهم جديد فهو يدعو إلى استعمال الطيف واستحضار الظل وجلب كل الكوامن المدفونة والقناعات المطموسة وإعادة كتاب تاريخ العالم والفرد والمجتمعات وفق رؤية ونسق مختلف يتكامل فيه العنصر الجمالي والعنصر الروحي البعدان المغيبان من حياة العرب والمسلمين ما جعلهما مغيبين عن التقدم والحضارة وغير مواكبين للحداثة بعد أن هيمن البعد الخبري والاحتماء بالنص الجامد الذي تم تقديسه..
عالم مركب
ودون هذه المقاربة وهذه الرؤية فإن العرب حسب لطفي عيسى لن يكون بمقدورهم مسايرة الجديد واستيعاب التطورات وفهم ما يجري في عالمنا المتسم بالتعقيد والتركيب.. فما هو مطلوب اليوم هو الانخراط في نسق مختلف لتجاوز المآزق الكثيرة..