نوفل سلامة يكتب/ قمة البريكس: حرب العملات لإنهاء السيطرة القديمة على العالم

كتب: نوفل سلامة
انعقدت قمة البريكس الأخيرة أيام 22 و23 و 24 من شهر أكتوبر 2024 بمدينة كازان الروسية وهو تجمع اقتصادي تأسس سنة 2010، وقام في البداية على خمس دول كبرى هي روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا…
قبل أن يتوسع سنة 2023 بانضمام كل من إيران والسعودية ومصر والإمارات واثيوبيا من أجل وضع نظام مالي و اقتصادي جديد للعالم يكون بديلا عن النظام القائم الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية وعملتها الدولار المعتمد في كل المبادلات التجارية والمعاملات الاقتصادية…
سياق عالمي ملتهب
وهي قمة تأتي في سياق عالمي ملتهب يعرف اندلاع نزاعات مسلحة وتوترات حادة أثرت على الاستقرار العالمي بما جعله مع الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا والحرب المدمرة التي تقودها دولة الاحتلال على شعب غزة وما حصل لها من توسع امتد إلى لبنان يعرف تهديدا محققا لحياة الشعوب المعنية بهذه الصراعات، ووضع النظام العالمي الحالي في صورة حرجة ومساءلة إنسانية حول جدواه وجدوى قيمه ومنظوماته وهياكله وقدرته على الحفاظ على السلم العالمي وتحقيق العدل والسلام بين الدول والشعوب.
عُملة موحدّة
الجديد هذه المرة والذي ركزت عليه قمة مدينة كازان الروسية لاجتماع دول البركيس والذي كان مدار نقاش و حوار بين أعضائه هو البحث عن اتفاق لاعتماد عملة موحدة تعوض الدولار الأمريكي في كل المبادلات التجارية التي تقع بين دول الأعضاء بعد أن اتخذت القمة السابقة في جنوب أفريقيا قرار اعتماد العملات المحلية في جميع المبادلات التجارية والمعاملات الاقتصادية بدل الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي، واليوم هذا التجمع الاقتصادي يذهب بسرعة قصوى إلى إنهاء السيطرة الأطلسية على العالم وإنهاء هيمنة الدولار الأمريكي على كل المبادلات التجارية حول العالم وإنهاء فرض اعتماد الورقة الخضراء في كل المعاملات المالية والاقتصادية.
هيمنة الدولار
وذهاب مجموعة البريكس إلى طرح موضوع العملة البديلة للدولار الأمريكي وراءه قناعة وحقيقة واضحة وهي أن هيمنة أمريكا وسيطرتها على العالم وبسط نفوذها وهيمنتها على الوضع المالي والاقتصادي العالمي وقيادتها له أساسه الورقة الخضراء وقوامه الدولار الأمريكي، فـ أمريكا تقود العالم وتتحكم فيه ليس بفضل قوتها العسكرية ولا تطورها التقني والعلمي والاقتصادي ولا بفضل مواردها الطبيعية وإنما قوتها وهيمنتها تستمدهما بالأساس إلى جانب كل ذلك من تفوق عملتها وبفضل فرضها للدولار الأمريكي عملة وحيدة للمبادلات العالمية وأداة لممارسة الضغط السياسي وحمل الجميع على الانصياع للضبط الدولي عبر عقوبات اقتصادية ومالية لا يمكن تفاديها إلا بإرساء نظام مالي جديد يقوم على فك هيمنة الدولار…
نظام عالمي جديد
وما يقوم به تكتل البريكس منذ أن تأسس هو ضرب هذه القوة التي يقوم عليها وبها التفوق الأمريكي فـ بناء نظام عالمي إنساني جديد يكون بديلا للنظام العالمي الحالي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية وتقوده أمريكا وحلفاؤها الغربيين ومنظومتها للعولمة وكل منظوماتها الأخرى و هياكلها ومؤسساتها وحداثتها وعصر أنوارها وقيمها ونظامها السياسي الذي تفرضه بالقوة طريقه الوحيد اليوم وفق الرؤية الصينية الروسية هو إنهاء سطوة و تفوق الدولار الأمريكي والتخلي عن اعتماده عملة وحيدة في كل المعاملات التجارية، وهي حرب يقودها تجمع البريكس وتتصدى لها الولايات الامريكية من خلال تكوين الأحلاف المناصرة لها والمساندة لإبقاء العمل بالنظام العالمي الحالي واضعاف التكتل الجديد بكل الطرق.
الخوف والقلق الذي بدأت أمريكا تبديه ويتحدث به مفكروها وطبقتها المثقفة وإعلامها هو أن مجموعة البريكس وهي اليوم في بداياتها و بعددها القليل من دول العالم تمثل تكتلا بشريا مهما ومؤثرا للغاية يحتوي على أكثر من 45 % من سكان العالم أي حوالي 3 .25مليار نسمة وقوة اقتصادية تمثل 29 % من حجم الاقتصاد العالمي و بناتج محلي وفق بيانات صندوق النقد الدولى يعادل 36 . 7 % من الاقتصاد العالمي، و بالتحاق كل من السعودية والإمارات وإيران أصبح هذا التكتل الاقتصادي يسيطر على 80 بالمائة من الإنتاج العالمي من النفط العالمي وعلى قرابة 40 بالمائة من إنتاج الغاز الطبيعي في العالم وهو بذلك يمثل قوة اقتصادية ضاربة وقادرة على منافسة أمريكا وإزاحتها عن قيادة العالم وتغيير موازين القوى العالمية و التوزان الاقتصادي لفائدة مجموعة البريكس وفك كل ارتباط مع الآليات والمؤسسات والوسائل التي تحكم التجارة الدولية القائمة على تحكم الدولار واعتماد بدلا عنه عملة جديدة موحدة في التجارة البينية بين دوله…
تصور جديد وسيطرة قديمة
المشكل في هذا التصور الجديد الذي يعمل على انهاء السيطرة القديمة على العالم ومكامن الضعف والوهن في هذا التكتل الاقتصادي الذي يخطط لبناء نظام عالمي جديد أو بناء عالم متعدد الأقطاب لا تكون فيه الولايات المتحدة الامريكية وعملتها الدولار القوة الوحيدة في العالم التي تتحكم في مصير الشعوب وتفرض شروطها على دولها، الوهن في بعض مكوناته التي ليس لها نفس رؤية الصين وروسيا ونعني هنا دولة الهند إحدى ركائز البريكس التي تنافس الصين على فرض عملتها “الروبية ” كعملة تداول بين الدول الأعضاء بدل ” اليوان ” الصيني وهي ترفض التخلي على النظام العالمي الحالي الذي تقوده أمريكا أو انهاء العمل بالدولار الأمريكي وهذا الخلاف الداخلي في منظمة البريكس بين الصين والهند يعكس أزمة هوية في تعريف هذا التحالف الاقتصادي ودوره العالمي الذي تريده كل من الصين وروسيا نظاما عالميا ماليا واقتصاديا جديدا يكون بديلا عن النظام العالمي الحالي الذي تقوده أمريكا وله بناء سياسي لإنهاء الهيمنة الغربية والسيطرة الأمريكية على العالم…
وأن يتحول إلى مجموعة سياسية في مواجهة الغرب في حين لا ترى الهند أن يتحول البريكس إلى بديل عن التوازنات المالية والاقتصادية الحالية وهي تعمل على الحفاظ على نفس العلاقات الموجودة مع أمريكا وتريد من البريكس أن تكون مواقفه محايدة وأن لا يتحول إلى تكتل سياسي مناهض لمنظومة العولمة الغربية.
نقطة ضعف رئيسية
نقطة الضعف في مجموعة البريكس في رؤية دولة الهند لهذا التكتل الذي تريده تكتلا اقتصاديا لا غير في علاقة بموقفها من مسألة تحوله الى قوة سياسية مؤثرة معادية لأمريكا حيث أن الهند هي حليف استراتيجي للولايات المتحدة الامريكية، ولها علاقات وطيدة للغاية وتعاون كبير مع إسرائيل الحليف الاستراتيجي لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط وآسيا ووهي موافقة على إنشاء طريق حرير ثان مواز ومنافس لطريق الحرير الصيني يربط إسرائيل بأوروبا ويصل إلى الهند مرورا بالأراضي الفلسطينية…
وهذا الخلاف المؤثر في الجسم الكبير لهذا التكتل الاقتصادي يعيق اتخاذ موقف موحد بين كافة الأعضاء بين المُضي بكل ثبات وعزم وإصرار في تحدي الهيمنة الأمريكية من خلال التخلي عن التعامل بالدولار وبين الإبقاء على الوضع الحالي كما هو التفوق فيه لأمريكا وعملتها ونظامها العالمي المهيمن.