نوفل سلامة يكتب: قالوا لنا إن تونس ‘منطقة عبور’ للجماعات المتطرفة وفيالق المهاجرين…واليوم تجارة المخدرات!

كتب: نوفل سلامة
يبدو أن مسار التحيّل والتحايل على الشعب التونسي مسار طويل وتاريخ التلاعب بعقول التونسيين وخداعهم يضرب جذوره في التاريخ القديم إلى الأجداد الأوائل زمن قدوم الوافدين الأجانب الذين نعتبر أنفسنا أحفادهم هم الآخرين…
وخداع هذا الشعب ثقافة في هذا البلد ورثها منذ آلاف السنين، ومنذ عملية التحيل التي خضع لها التونسيون القدامى السكان الأصليين لهذه الأرض على يد عليسة أو ‘ديدون’ الأميرة الفينيقية التي كانت قد قدمت من مدينة صور اللبنانية هربا من أخيها بيغماليون الذي أراد قتلها بعد أن تخلص من زوجها في صراع على المُلك والسلطة حسب ما تقوله الأسطورة والتاريخ المكتوب، وتحايلت على البربر، وأوهمتهم أنها تريد شراء قطعة أرض لبناء مدينتها مساحتها تساوي مساحة جلد ثور فضحك منها أجدادنا وسخروا من طلبها ومنحوها أكبر جلد لأكبر ثور عندهم، ظنا منهم أنهم يسخرون منها غير أن الفتاة الفينيقية وأمام سذاجتهم قد حوّلت الجلد إلى خيوط دقيقة جعلت منها خيطا طويلا حولته إلى وحدة قيس واعتمدته لشراء المكان الذي يُعرف اليوم بقرطاج الأثرية…
صور الخداع والغش
ومنذ ذلك التاريخ وأمام سذاجة السكان خضعت البلاد والشعب التونسي إلى صور كثيرة من صور الخداع والغش والتحيّل والتضليل حتى وصلنا إلى تاريخنا المعاصر وإلى المرحلة التي صدقنا فيها أن بلادنا ما هي الا منطقة عبور الجماعات الارهابية، وصدقنا بعد الثورة أن التعايش معهم ممكن طالما أنهم لا ينوون الإضرار بالبلاد وطالما أنهم لا ينوون الاستقرار والتمكّن والبقاء وخدعونا بأن قالوا لنا بأن تونس منطقة عبور للجماعات المقاتلة للمرور إلى ليبيا أو مناطق التوتر في الصحراء الإفريقية حتى استفقنا على برنامج ومخطط كان يسعى الى تحويل تونس إلى بلد استقرار لهم وبقاء وبلد يمكن أن تتشكل فيه ومنه نواة إمارة جهادية ارهابية وقاعدة تنطلق منها كل الأعمال القتالية بدعوة استعادة الخلافة الإسلامية وتأسيس الدولة الإسلامية ‘الفريضة الغائبة’…
أفواج من الأفارقة
ويتواصل الخداع والتضليل مع هجرة الأفواج من الافارقة سكان جنوب الصحراء الافريقية المغادرين لبلدانهم بسبب الفقر والهشاشة الاجتماعية البطالة المتحكمة والهاربين من النزاعات المسلحة التي تعرفها بلدانهم بحثا عن وضع اجتماعي مفقود، وواقع أحسن وأملا في مستقبل قد يجدونه في الدول الأوروبية التي استعمرتهم ونهبت خيراتهم و استغلتهم و الحالمين بحياة أفضل وعملا يحسّن لهم وضعهم…
هؤلاء الفارين من الفقر والحرمان والبطالة القادمين نحو أوروبا عبر البحر في قوارب الموت وفي هجرة غير شرعية وغير نظامية، يمرون بالضرورة عبر حدودنا ليستقروا عندنا لفترة قبل مواصلة رحلتهم نحو الضفة الأخرى من المتوسط…
هذا المرور وهذا العبور حسبناه وخلناه مؤقتا وظرفيا غير أننا استفقنا على أنه دائم ومخطط له، وأن هناك استراتيجية كاملة لتوطين هؤلاء الأفارقة جنوب الصحراء في بلادنا، ومشروع توطين لهم فوق أرضنا وتحويلهم إلى أقلية لها حقوقها في السكن والوظيف والتمتع بمختلف الخدمات بصفتهم مواطنين كسائر التونسيين…
لقد أوهمونا أن تونس منطقة عبور لا استقرار لهؤلاء الأفارقة المهاجرين هجرة غير نظامية والحقيقة أن بلادنا بدأت تتحوّل بالضرورة إلى منطقة تجميع وفرز واستقرار ولما لا عيش دائم…
تجارة المخدرات
واليوم تصل رحلتنا مع التضليل والخداع والزيف والتحايل على الشعب إلى ميدان المخدرات وتعاطي هذه الآفة القاتلة التي تذهب بالعقول، وتنتهي بموت الكثير من المستهلكين وإلى الشبكات المختصة في هذا النوع من التجارة الذي يدر على أصحابه أموالا طائلة من وراء تدمير عقول أبنائنا وبناتنا والمخدرات مثل الإرهاب والهجرة غير السرية، قالوا عنها أن مرورها عبر بلادنا من أجل أن تصل إلى بلدان أخرى وأن تونس منطقة عبور للمخدرات لا استقرار وتجارة دائمة ولن تتحول على سوق قائمة وأوهمتنا التصنيفات الأممية والمنظمات الدولية في تقاريرها التي تنشرها حول مسار المخدرات في العالم ومسلكها في شمال أفريقيا أن بلادنا ما هي إلا منطقة عبور لا غير لما ينتج من مخدرات في المغرب الأقصى بصفتها بلدا منتجا مرورا بالجزائر وتونس وليبيا نحو أماكن أخرى تستقبلها، وأن تونس بلد غير منتج للأفيون وبالتالي فإن ما يتم حجزه من طرف السلط الأمنية هو نتيجة هذا العبور وهذا المرور الوقتي لنستفيق على كذبة أخرى وتزييف للوعي جديد وخداع للعقل ونكتشف أن بلادنا رغم أنها بلد غير منتج قد تحولت إلى سوق للترويج والبيع وتجارة مربحة أمام مدارسنا وفي شوارعنا ومقاهينا والعلب الليلية وفي الأماكن الخاصة والعامة وحتى داخل الفضاءات التربوية، رغم الجهود الأمنية الكبرى المبذولة لضرب هذه الظاهرة الدخيلة على تونس..
وأن تونس على عكس ما يروج لها قد أصبحت موطن استقرار وقرار لهذه المواد الخطيرة بل أن المخدرات قد عرفت عندنا نقلة نوعية في السنوات الأخيرة وعرفت تمددا في المجال والزمان والنوعية وانتقلنا من بلد يستهلك مادة الزطلة القنب الهندي لا غير إلى بلد تُباع فيه كل أنواع المخدرات الخطرة من الكوكايين ومخدر اكستازي ومخدر pregabatin 300 وحبوب البريغابلين وغيرها من أنواع المخدرات المروجة على النطاق العالمي..
حتى وصل بنا الحال إلى أن يخرج علينا من يطالب بتخصيص منطقة الشمال الغربي لزراعة الزطلة القنب الهندي بداعي توفير مواطن شغل وتوفير مخدر يستعمل في الميدان الطبي وتوفير عملة صعبة من وراء بيع هذا المنتوج الى الصيدليات الأوروبية.
خداع فى خداع!
وهكذا يعيش هذا الشعب الذي يدّعي أنه أحسن شعب وأذكى شعب وأن قوته في ‘مادته الشخمة’ ونبوغ أبنائه وعقولهم المبدعة على وضع الزيف والخداع، وعلى حالة التضليل والغش منذ اليوم الذي تحايلت فيه امرأة فينيقية و ابتاعت من أجدادنا البربر قطعة أرض مقاسها مساحة جلد ثور وانخدع الأجداد وصدقوا وصدق الأحفاد أن تونس بلد عبور للجماعات الارهابية المقاتلة والمهاجرين الافارقة جنوب الصحراء وجماعات بيع وترويج المخدرات…