نوفل سلامة يكتب: عيد الفصح اليهودي ..سردية شعب يعتز بهويته وتاريخه

كتب: نوفل سلامة
من الأعياد المهمة في حياة الشعب اليهودي ويحرص أفراده باستمرار على الاحتفاء به .. ومن المناسبات الدينية المؤثرة في التاريخ اليهودي وعند اتباع النبي موسى عليه السلام، وبقيت إلى اليوم حاضرة في وجدان وسلوك وذهنية اليهود عيد الفصح …
هذا العيد يحتفل به اليهود كل سنة في شهر أفريل ويدوم عشرة أيام من يوم 10 إلى يوم 20، وهي مناسبة يتذكر فيها اليهود قصة تحريرهم من العبودية التي كانوا فيها تحت حكم فرعون مصر وقصة الخروج والعبور التي خاضها اليهود بقيادة النبي موسى وعملية شق البحر نحو أرض الكنعانيين المرحلة التي سوف يُكتب فيها تاريخ جديد لليهود…
طقوس خاصة
هذا الحدث الهام في تاريخ اليهود والذي حرّر المؤمنين الأوائل من أتباع موسى وبهم وعليهم قامت الديانة اليهودية تحولت اليوم إلى سردية يُعاد تذكرها في عيد الفصح في سهرة عائلية تجتمع فيها أفراد العائلات اليهودية في العالم على مائدة عشاء ولا يشرب فيه إلا أربعة كؤوس من الخمر الأحمر فقط، في رمزية إلى المعاناة والعذابات والآلام والمشقة التي تكبدها الأجداد في عملية الخروج من مصر وعبور البحر وما لاقوه من مشاق في سفر الخروج للتحرر من العبودية التي كانوا فيها والرغبة في تكوين عالم أفضل لهم…
في هذا العشاء يتولى كبير العائلة قراءة قصة الخروج من سفر الخروج كما دوّنتها نصوص التوراة في عملية نقل التاريخ والدين اليهودي الى الأحفاد والأجيال الحاضرة وجعل الثقافة اليهودية حاضرة على الدوام ونقل الإرث اليهودي إلى كل الأجيال اليهودية.
ليلة العشاء
أهم يوم في أيام عيد الفصح اليهودي هو يوم ليلة العشاء التي تخصص لاجتماع كافة أفراد العائلة لتذكر قصة الأجداد الأوائل في عملية ربط الماضي بالحاضر ونقل التراث اليهودي ونقل كل المشاعر والأحاسيس التي رافقت عملية العبور التاريخية وكل الأجواء المصاحبة وتذكر من أين جاء اليهود وكيف جاؤوا إلى أرض الكنعانيين وكيف أسسوا أمة ودولة بعد حياة العبودية والمهانة والمذلة التي عرفوها في مصر…
رسالة إلى الإنسانية
المهم في هذه المناسبة الدينية التي يحرص اليهود على الاحتفاء بها كل سنة وعدم نسيانها فيما يروجون له من أن قصة عبور موسى بالشعب اليهودي وقصة خروجهم من مصر نحو أرض جديدة هي رسالة إلى الإنسانية لحثها على التحرر من كل أشكال العبودية التي تعرفها وطريق خلاص من كل المكبلات والأغلال المعاصرة التي تعيق الإنسان نحو تقرير مصيره بمفرده.
المهم في سردية الخروج والعبور اليهودي في الدلالات التي يحرص اليهود على إعطائها لهذا الحدث، ومنها أن النبي موسى واليهود قد أفدوا أنفسهم من أجل التحرر وقدموا طريق خلاص للإنسانية وقدموا موسى مخلصا قبل عيسى من كل أشكال الاستبداد وقتل الإنسان.
تمسّك بالتراث الديني
المهم في عشاء عيد الفصح أن اليهود على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم الفكرية متمسكون بتراثهم الديني وحريصون على توريث الثقافة اليهودية ونقل كل التاريخ العبري، وخاصة الإرث الديني اليهودي وما تتلوه التوراة إلى كل الأجيال فهو عشاء واحتفال من أجل أن لا ينسى اليهودي في كل جيل وكل عصر تاريخه ودينه وهويته وخصوصيته لذلك فإنه لا يقتصر في هذا العشاء على أكل ما لذّ وطاب وإنما الأهم هو سرد حدث الخروج مصحوبا بمجموعة من الصلوات والترنيمات الدينية والطقوس التي يحرص الأجداد أن يقوم بها الأحفاد وكل يهودي من الشباب الذين لم يعيشوا تلك الأجواء الملحمية من التاريخ القديم الذي يراد له أن يبقى حيا إلى الأبد.
مكانة وموقع
المهم المفيد من وراء هذه الوقفة مع ذكرى عيد الفصح اليهودي هو القول إن الشعوب القوية والتي تريد أن يكون لها مكانة وموقعا في هذا العالم هي تلك التي تعتز بتاريخها وتبني مجدها على أحداثها المؤثرة وتحافظ على ذاكرتها وتاريخها وتحرص حرصا شديدا على نقل هويتها وتاريخها ودينها إلى الأجيال القادمة.
المهم الذي أردنا قوله هو أن قوة اليهود فيما يقومون به من بناء السرديات لتاريخهم وحرصهم على نقل هذا الإرث الديني وتعاليم التوراة إلى كل الأجيال التي لم تواكب التأسيس الأول والبناء الأول للديانة اليهودية ولم تعش كل اللحظات المؤثرة من المعاناة والصبر والمحن.
نحن أمة تنكرت لتاريخها
المهم حينما ننظر إلى حالنا نحن العرب والمسلمين مقارنة بما يقوم به اليهود وكل الأمم الأخرى نجد أننا أمة لا تعير كثير بال لتاريخها، بل هي تسخر منه وتقلل من قيمته وشأنه، بل أكثر من ذلك نجد من يشكك في صحته .. المهم أننا أمة تنكرت لتاريخها ولم تبن سرديات تنقلها لاجيالها وشبابها فحصلت القطيعة بين الشعب وتاريخه وحصل إنكار الذات والهوية والنتيجة هي حال الهزيمة والتشتت وواقع الضعف والارتهان في أحضان الآخر و هزيمة داخلية في الروح والوجدان والعقل قبل هزيمة القوة المادية والعسكرية.
ما أردنا قوله هو أن هزيمتنا الحقيقية فيما نجده من فرق بيننا وبينهم في النظرة للتاريخ والأمجاد والذاكرة والهوية وفي الموقف من الثقافة والدين وطالما لم ننظر إلى هويتنا نظرة اعتزاز وفخر ونُعلي من تاريخنا وثقافتنا ونبني سرديات تؤرخ للذاكرة الوطنية الجامعة فإننا لن تستطيع أن ننهض من جديد وأن نبني مصيرا ومستقبلا أفضل من حاضرنا.
هزيمة داخلية
ما أردنا قوله إن هزيمة الشعوب في هزيمتها الداخلية وفيما تشعر به من ضعف ووهن ومن صور هذه الهزيمة التنكر للتاريخ والتخلي عن الذاكرة الجمعية والتقليل من شأن الدين والإرث الإيماني واليهود من الشعوب التي أدركت أن من عوامل القوة والتفوق والريادة في الاعتزاز بالذاكرة الدينية الجامعة وفيما دونته التوراة والنصوص الدينية من سرديات عن اليهود الأوائل من أجل أن يحافظ اليهودي الأخير على الإرث والتاريخ والذاكرة والثقافة والدين الذي تركه الآباء والأجداد في زمن التأسيس الأول .. فهؤلاء لهم قضيتهم ونحن لنا قضيتنا..