صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: عرض ونقاش فيلم ‘لماذا المقاومة؟’ للمخرج اللبناني كريستيان غازي..

slama
كتب: نوفل سلامة

تضامنا مع الشعب الفلسطيني في محنته المتواصلة لأكثر من ستة أشهر منذ حصول عملية طوفان الأقصى التي قامت بها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس في السابع من أكتوبر 2023…

وما تتعرض له مدينة غزة من تدمير للمباني وتقتيل وتشريد قسري للأهالي على أيدي الآلة الحربية الاستعمارية الصهيونية ودعما لصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته المسلحة في مواجهة جيش احتلال الدولة العبرية والحرب الهمجية التي تقودها إسرائيل بدعم لا مشروط من طرف قوى الهيمنة العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين…

لماذا المقاومة؟

نظم نادي سينما تونس والحملة التونسيّة لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان بالتعاون مع نادي ” لكل الناس ” اللبناني مساء يوم الجمعة 3 ماي الجاري بقاعة ” الريو ” بالعاصمة عرضا سينمائيا مشفوعا بنقاش لفيلم ” لماذا المقاومة ” للمخرج اللبناني الراحل كريستيان غازي الذي أنتجه سنة 1971 .
يشتمل الفيلم الذي تدوم مدته 53 دقيقة على لقاءات وحوارات أجريت باللغة الإنكليزية مع كُتّاب وشخصيّات أدبية وفكرية وسياسية عديدة كانت قد سجلت حضورها البارز في ساحة النضال الفلسطيني خلال عقدَي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وكانت مؤثرة مع غيرها من المناضلين في الدفاع عن الحق في الحياة والتواجد والاعتراف على غرار غسان كنفاني وأنطوان زحلان وصادق جلال العظم وأوغست كالان وأحمد خليفة ونادية حجاب تعرضوا خلالها إلى رؤيتهم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وقدموا نظرتهم إلى الثورة الفلسطينية التي نظّر لها الكثيرون وتحدثوا عن النضال بكل أشكاله المسلحة والسلمية من أجل استرجاع الحق الفلسطيني المسلوب واستعادة الأرض المحتلة و المنتهكة وإنهاء الاستعمار المقيت و المأساة الفلسطينية بعودة كل اللاجئين إلى وطنهم الأم وإنشاء دولتهم المستقلة على كامل أرضهم التاريخية.

أعمال متعدّدة

لا يفوتنا الحديث ونحن نتناول فعاليات هذا الحدث الثقافي أن نذكّر بأن كريستيان غازي قد أخرج خلال مسيرته الفنية 45 عملاً كان موجها لتصوير النضال الفلسطيني والإعلاء من قِيم التحرّر وإبراز الروح الثورية منها : ” الفدائيّون ” (1967) و”مئة وجه ليوم واحد ” (1970) و” الحياة في المخيّمات ” و” الوجه الآخر للّاجئين ” و” نعش الذاكرة ( 2001 ). كل هذه الأعمال السينمائية قد تعرضت إلى الحرق والتلف أثناء الحرب الأهلية التي عرفتها لبنان بعد أن اقتحمت إحدى الميليشيات منزله وعبثت بمحتوياته ولم ينج منها إلا شريط ” لماذا المقاومة ” الذي أعيد ترميمه ليرى النور من جديد ويتم عرضه في مناسبات عديدة كان آخرها بمناسبة إحياء الذكرى الخمسين لاستشهاد الكاتب والمناضل الفلسطيني غسان كنفاني التي أقيمت في السنة الفارطة.

موضوع القضية

في هذا اللقاء كان موضوع القضية الفلسطينية حاضرا بقوة وقد فرضته وأعادته إلى واجهة التاريخ والاهتمام الأحداث التي تعيشها أرض فلسطين هذه الأيام وتداعياتها على الوضع العالمي وضمير الإنسانية وخاصة ما يحصل في غزة من حرب ظالمة تقودها الآلة الحربية الاسرائيلية بدعم ومشاركة من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأطلسي وكان تاريخ النضال لاسترداد الأرض المغتصبة هو الآخر بارزا مع ظهور الفصائل المسلحة التي تنتمي إلى تيارات وقوى ايديولوجية مختلفة من ماركسية وقومية ووطنية لتتنقل قيادة النضال و مواصلة معركة حرب التحرير إلى القوى الإسلامية وفصائلها المسلحة التي قامت بعملية طوفان الأقصى استهدفت بها لأول مرة في تاريخ الصراع العمق الإسرائيلي و قد مثل هذا الحدث نقلة نوعية في معادلة الصراع وأعادت القضية الفلسطينية الى واجهة التاريخ بعد أن أراد لها الأعداء والأصدقاء أن تنتهي وتقبر إلى الأبد ودون رجعة من وراء مشروع التطبيع وبرنامج السلام الإبراهيمي الذي خطط له الغرب منذ سنوات لترويض الجميع وإضعاف روح المقاومة وإنهاء فكرة النضال والتخلص من عبء القضية الفلسطينية وفسح المجال واسعا أمام إسرائيل لتحقيق مشروعها الاستيطاني الاستعماري وتنفيذ وعد توراتها ومخططها الواهم والمزعوم بتأسيس دولة لليهود على كامل أرض فلسطين التاريخية التي قد تصل إلى مساحات أخرى في دولة مصر والأردن وحتى السعودية.

لماذا نقاوم؟

السؤال الذي يطرحه الشريط هو لماذا نقاوم؟ ولماذا كانت مقاومة دولة الاحتلال الإسرائيلية ضرورية؟ وهل من داع لمواصلة النضال من أجل استرجاع الأرض المحتلة الذي بدأ مبكرا في العشرينات القرن الماضي ضد الاحتلال البريطاني قبل أن ينتقل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي واكتمال الشخصية الفلسطينية المكافحة التي توارثها جيل عين جيل حتى وصلنا إلى جيل طوفان الأقصى.
الجديد في هذه المسيرة من النضال وهذا الكفاح الطويل الذي تداولت عليه أسماء كثيرة ورموز عديدة وحركات أيديولوجية مختلفة وعرف تقلبات ومنعرجات صعبة وعرف انتقال ثقل المقاومة للمحتل من المسارات السلمية التفاوضية إلى المسارات المسلحة العنيفة وكل التأثيرات الإقليمية والعالمية وتوازناتها وكل المخططات والاستراتيجيات لاحتواء القضية والالتفاف عليها ، الجديد أن سقف الوعي قد ارتفع كثيرا هذه المرة مع عملية طوفان الأقصى وكذلك سقف المطالب هو الآخر قد ارتفع وحصلت نقلة نوعية في الفهم والإدراك لصورة العالم والنظام الذي يحكمه والقوى المهيمنة عليه وحصلت صحوة كبرى في الضمير الإنساني في علاقة بالمنظومة المتحكمة التي اتضح أنها لم تعد صالحة للقيادة والتوجيه.
اليوم مع المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها وخاصة قيادتها الحالية المتمثلة في كتائب القسام وشهداء الأقصى لم تعد تقف عند تنظيرات المناضلين من جيل السبعينات وتكتفي بتحرير الأرض الفلسطينية وبناء دولة ديمقراطية كما قال غسان كنفاني في شهادته ” تنعدم فيها كلُّ أنواع التمييز سواء أكان اقتصادياً أو دينياً أو قومياً أو اجتماعياً وأنّ طبيعة الصراع بين حركة التحرّر الفلسطينية والعربية من جهة وبين “إسرائيل” والقوى الإمبريالية من جهة ثانية يُحتّم نوعاً من المواجهة التي تتمثّل بالمقاومة المسلّحة للشعب”

حررت العالم بأسره

اليوم كل هذا حاصل، ولكن الجديد أن حركة المقاومة الفلسطينية قد حررت بعملية طوفان الأقصى العالم بأسره من هيمنة القوى الكولونيالية الجديدة التي تقود العالم وتسيره بقوانينها وأخلاقها وقيمها ومبادئها وهياكلها ومؤسساتها ومعارفها وحداثتها وأنوارها وأفكارها واقتصادها ومنظومة حقوقها.
اليوم رغم كل الدمار الذي حصل لغزة فإن الحرب عليها قد حررت العرب ودول الجوار والحزام الإقليمي من مشاريع الإذلال والاضعاف التي اشتغلت عليها إسرائيل والغرب الأطلسي لعقود وأفشلت مخططات التطبيع والتبعية ومسار الاتفاق الإبراهيمي الذي أريد له أن يكون مدخلا لاستعمار جديد وتكبيل إرادات الحكومات العربية.

مسار جديد

حرب غزة حررت دول كثيرة في العالم التائقة إلى الانعتاق من هيمنة النظام العالمي الذي تقوده أمريكا وحلفائها وفتحت مسارا جديدا لظهور حركات تمرد عالمية تنتقد الهيمنة الغربية بصوت عال وبروز اتجاهات جديدة راديكالية اتخذت موقفا واضحا من الحرب على غزة وموفقا آخر أكثر وضوحا بخصوص الأزمة الأخلاقية العميقة التي يعرفها النظام العالمي والتنديد بعدم توازنه وتحيزه وتحيّله وفضح فشله في تحقيق العدالة والأمن والسلام للإنسانية.
اليوم عملية طوفان الأقصى وما حققتها المقاومة الفلسطينية على أرض المعركة في مواجهة الآلة الحربية الاسرائيلية المدعومة من قوى الغرب المهيمن قد كسرت حاجز الخوف وجعلت الإنسانية تظهر غضبها من مواصلة النظام العالمي قيادته وحفاظه على نفس علاقات الهيمنة والاستغلال والتسلط تجاه الشعوب المضطهدة.
اليوم حركة المقاومة الفلسطينية وعملية طوفان الأقصى وما حصل من حرب غير عادلة على غزة وتداعيات كل ذلك على الوضع في العالم قد أجابت على سؤال مهم طرح في سبعينات القرن الماضي لماذا نقاوم؟ وبددت هواجس الفاعلين السياسيين وهم ينظّرون لفكرة الثورة ويناقشون دواعي النضال. غزة أجابت بكل وضوح نحن نقاوم المحتل الإسرائيلي لاسترداد الأرض واستعادة الحق المسلوب ونناضل من أجل دولة فلسطينية مستقلة على الأرض التاريخية ونناضل من أجل تحرير المنطقة العربية من كل مشاريع الاستعمار الجديدة ونقاوم من أجل تحرير القيادات العربية ودول المشرق والإنسان العربي من كل الأغلال والقيود التي تأسرهم ونقاوم من أجل الإنسانية وفك ارتباطها مع النظام العالمي المطبق والذي تقوده أمريكا وتهيمن به على العالم وتحكم به الإنسانية نناضل من أجل المساهمة في نقد الحداثة الغربية الزائفة وفكر أنوارها الخادع وعقلها المنحاز و منظومة قيمها التي تنكرت لها نناضل من أجل كسر حاجز الخوف من قوى الهيمنة العالمية، ونقاوم لا فقط من أجل فلسطين والإنسان الفلسطيني ولكن مقاومتنا هي اليوم من أجل العالم والإنسانية، وكل إنسان مضطهد ومظلوم فوق هذه الأرض تم استعباده بقوانين ونظم وبرامج ومخططات ومعارف وعلوم ومنظومة أخلاق وقيم غير عادلة وظالمة ومنحازة…

من أجل عالم جديد

نقاوم من أجل بناء عالم جديد يكون أكثر عدلا وإنسانية نقاوم لأننا منخرطون في هذا المسار الجديد من النقد والمواجهة والغضب من هذه الحضارة وهذا النظام العالمي الذي تقوده إسرائيل وتسيطر على كل مفاصله نقاوم لأننا نريد أن نساهم في بناء عالم جديد ونظام عالمي جديد من دون حيف ولا ظلم ولا هيمنة ولا استعباد للشعوب .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى