صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: حينما يصحّح ‘طوفان الأقصى’ أخطاء التاريخ..

slama
كتب: نوفل سلامة

تعرض وزير المالية الأسبق والكاتب الدكتور حكيم بن حمودة في إحدى مقالاته عن حرب غزة الأخيرة والتطورات الخطيرة الحاصلة على أرض الميدان، وما تقوم به فصائل المقاومة المسلحة في فلسطين من نضال مشرف وخاصة كتائب عز الدين القسام…

تعرض إلى أهمية القيمة الرمزية لعملية طوفان الاقصى في كونها تمثل امتدادا لما حصل من انتقال الصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي من مضمونه القومي والعروبي ومن توجهه اليساري وحمولته الأيديولوجية الماركسية الذي كان لون المقاومة الفلسطينية منذ اندلاعها في خمسينات وستينات القرن الماضي مع حركة فتح والجبهتين الشعبية والديمقراطية، وحركات المقاومة الأخرى ذات البعد العلماني اليساري، وتحول الفاعل الرئيسي في معركة تحرير الأرض المستعمرة إلى الحاضنة الإسلامية ولصالح الحركات الإسلامية ذات الطابع الجهادي مع حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي بين سبعينات وثمانينات القرن الماضي…

تصدرت المواجهة

ومنذ تلك اللحظة التي تصدرت فيها المقاومة الإسلامية واجهة الأحداث و المواجهة مع العدو الإسرائيلي شهد خط سير التاريخ تحولا نوعيا في مجريات الصراع حتى أصبح الثقل الكبير للمقاومة ومحور النضال الوطني متمركزا في قطاع غزة ومقاومتها الإسلامية المسلحة التي باتت تتحمل وحدها مسؤولية مناهضة المحتل اليهودي، وتصدرت رد عدوانه عن الأهالي…
وبذلك حصلت تغيرات جذرية في معادلة الصراع التي أصبح لها نفسا إسلاميا وخلفية دينية إلى جانب خلفيتها الوطنية كما هو الشأن للكيان الإسرائيلي الذي له هو الآخر خلفية دينية توراتية يرتكز عليها ويؤسس عليها مشروعه المزعوم وبـ تلاحم الخط الإسلامي مع الخط الوطني كتبت فلسطين تاريخا جديدا للنضال و استردت الذاكرة الفلسطينية المسلوبة واستأنفت الكتابة التاريخية للصراع مع الكيان الغاصب بعد أن توقفت وتم تجاهلها.

سؤال محوري

أعادت عملية طوفان الأقصى طرح سؤال التاريخ الفلسطيني وتاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي وفرضت استعادة الذاكرة الوطنية للفلسطينيين التي تناساها الجميع وفتح ملف القضية الفلسطينية من جديد بعد أن ذهب الظن إلى أنها قد قبرت وانتهى أمرها مع تحكم الاحتلال في مفاصل المنطقة وفرض سيطرته على الفلسطينيين ودخول الكثير من الدول العربية والإسلامية في علاقات مختلفة مع إسرائيل التي لم تعد كيانا منبوذا وعدوا وجب مقاومته.. فرضت حرب غزة استعادة جذور الصراع وتاريخ التمكين لليهود في أرض فلسطين من طرف المستعمر البريطاني ووعد بلفور المشؤوم الذي بفضله أصبح لليهود وطنا على أرض فلسطين التاريخية وأعطى لشعب دون أرض أرضا يسكنها شعب.

تصحيح أخطاء التاريخ

فرضت عملية طوفان الأقصى تصحيح أخطاء التاريخ المسكوت عنه وسقطات الذاكرة التي زيفها الغرب الأطلسي المتحالف مع الكيان المحتل فبعد أن أصبحت القضية الفلسطينية من التاريخ القديم ودخلت مأساة الشعب الفلسطيني طي النسيان ومعاناة سكان غزة لا يعبأ بها أحد بل لا يذكرها أحد وبعد أن تزايد التمكين لدولة الاحتلال وتعاظم نفوذها في المنطقة بفضل مسار التطبيع الذي خضعت له الأنظمة العربية واستراتيجية السلام الابراهيمي الرامي إلى فك ارتباط كل العرب مع القضية الفلسطينية و التخلي على النضال المشترك من أجل استرجاع الأرض المحتلة، بعد كل ذلك فرضت المقاومة المسلحة على الجميع استئناف كتابة التاريخ واستحضار الذاكرة المهمشة والانطلاق نحو التأريخ من جديد لـ مسار النضال الوطني.
فرضت عملية طوفان الأقصى إعادة النظر في تاريخ الأفكار الكبرى والمؤثرة في الإنسانية والتي اتضح اليوم أنها لم تكن عادلة ولا منصفة لشعوب دول الجنوب ولم تنصف الشعب الفلسطيني في حربه مع الكيان المحتل وفرضت التأمل في منظومة القيم الغربية المتولدة عن فكر الحداثة وعصر الأنوار التي قدّمت للعالم على أنها أفضل ما توصل إليه العقل الغربي في راهنيته تحتكم إليها مختلف الدول والشعوب وتنشر بفضلها قيم العدل والحرية والسلام حيث كشفت حرب غزة ازدواجية المعايير في التعامل مع هذه الأفكار و نفاق الغرب في تطبيق هذه القيم وهذه النظريات وانحيازه واصطفافه في صف المحتل ما يفرض إعادة النظر في طريقة تمثل الرجل الغربي لكل هذه القيم والمبادئ والتفكير في كتابة جديدة لها وتصحيح الأخطاء التي رافقت التمثل والتطبيق الفعلي لكل هذه المبادئ بما يعيد لها الاعتبار باعتبارها جملة من الأفكار والقيم لها وجاهتها ومكانتها وأهميتها بعيدا عما يحصل لها من دوس وتوظيف وانحياز مفضوح من طرف المتحكم في مفاصل العالم ومصير الدول والشعوب.

تصحيح الخطأ الكبير

فرضت عملية طوفان الأقصى تصحيح الخطأ الكبير الذي حصل في التاريخ بالتخلي عن الحاضنة الداخلية وتعويضها بالحاضنة الاقليمية و دول الجوار والأنظمة العربية التي لم تزد القضية الفلسطينية الا تراجعا وخيبة بعد أن خرجت من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي وانحازت إلى الكيان الغاصب وتحول هذا الحزام الإقليمي مع الوقت إلى عبء ثقيل معطل لحل الملف الفلسطيني حلا عادلا ومنصفا للشعب المحتل فما حصل مع هذه العملية العسكرية لكتائب عز الدين القسام أنها أرجعت القضية لأصحابها واعادت سلطة القرار والمبادرة للشعب الفلسطيني ليقرر مصيره ونضاله بمفرده و بإرادته الحرة فاليوم المقاومة الفلسطينية لم تعد في حاجة إلى مظلة إقليمية ولا إلى حاضنة دول المشرق وحولت مسار التاريخ من البعد الإقليمي المعطل والمتخاذل إلى الحاضنة الداخلية وإلى أصحاب الأرض الأصليين ومقاومتهم الأصيلة وحلفاؤهم من غير الحزام السني المتخاذل.

زلزال كبير

فرضت عملية طوفان الأقصى تصحيح خطأ التاريخ حينما تم تسليم الحكم وإدارة الشأن الفلسطيني إلى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بقيادة محمود عباس وحركة فتح، فما قامت به هذه العملية العسكرية التي أحدثت زلزالا في كل العالم أنها أفقدت السلطة الفلسطينية كل مصداقية ونزعت عنها كل شرعية للبقاء والحكم بعد أن افتضح أداؤها الهزيل وردة فعلها المتخاذلة أمام ما تقوم به الآلة الحربية الإسرائيلية في قطاع غزة من لإبادة جماعية للشعب الفلسطيني وبعد أن اتضح التواطؤ الكبير والدور المفضوح لجهازها الأمني المنسق مع الكيان الغاصب كجهاز ضابط للأمن في المنطقة بما جعل من أبي مازن وحركة فتح خارج إطار معادلة الصراع وخارج الرهانات وفاقدة لكل شرعية ومشروعية لقيادة المرحلة وتمثيل الشعب الفلسطيني…
المقاومة صححت أخطاء التاريخ حينما استعادت تمثيل الشعب الفلسطيني وتصدرت النضال عنه وحررت حكومة أبي مازن وحلفائه في المنطقة من سطوة إسرائيل وكسرت القيد الذي كبل به الغرب السلطة الفلسطينية وجعلها خادمة للمشروع الاسرائيلي رغما عنه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى