صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ بحث ماجستير في الجامعة التونسية: نظرية ‘الكوير’المفهوم، الغايات ومن يقف وراءها؟

slama
كتب: نوفل سلامة

الدافع لكتابة هذا المقال هو مناقشة بحث ماجستير بمعهد العلوم الإنسانية بتونس إبن شرف تحت عنوان النضال و الالتزام السياسي للأشخاص ‘الكوير’ في تونس، وهي قضية تنتمي إلى الدراسات الجنسانية أو الدراسات الجنسية وكل ما يمت بصلة إلى تيارات الدفاع على العلاقات المثلية أو ما يُعرف في الأدبيات التقليدية بالعلاقات اللوطية والسحاقية أو ممارسة الجنس خارج الإطار الطبيعي المتعارف عليه وهو الزواج المقر دينيا ومجتمعيا وقانونيا…

وكل الاتجاهات الغربية التي تسعى إلى كسر نمط الأسرة التقليدي وتطالب بالاعتراف بالعلاقات الجنسية التي لا يكون هدفها الانجاب والإخصاب وتكوين الأسر بغاية التكاثر والتناسل من أجل ضمان تواصل البشرية والمطالبة بحقوق الزواج المثلي والاعتراف بالأسرة التي تنشأ من عنصرين متشابهين، ومن نفس الجنس رجل مع رجل وامرأة مع امرأة.

وفي انتظار أن نطلع على هذا البحث ونتعرّف على مضمونه وغاياته وكيف قبلت الجامعة التونسية مناقشة بحث من هذا القبيل خاصة وأنه لم يتحول في بلادنا إلى ظاهرة تستحق دراسة علمية، فسوف نحاول في هذا المقال تقديم هذا المصطلح الجديد وهذا المفهوم غير المتداول في النقاشات العامة وحتى الأكاديمية والتعرف على الإضافات التي يقدمها والمعنى الذي يضخه في المدونة الجنسانية والأدبيات الجنسية المثلية.

الجنسانية والمقاربات الجنسية

بدأ الحديث عن الجنسانية والمقاربات الجنسية المختلفة مع ظهور التيارات الفكرية في الفضاء الغربي التي ترفض تعريف هوية الفرد من خلال هويته الجنسية التي تقوم على تعريف الجسد بالاعتماد على التكوين البيولوجي والعناصر التي تميّز العنصر البشري ومن خلال الطبيعة البشرية التي يولد بها الإنسان التي على أساسها تم تقسيم الكائن البشري إلى جنسين ذكر وأنثى و رجل وامرأة بناء على العناصر البيولوجية (القضيب لدى الرجل والثديين عند المرأة)..

هذه الفكرة مرتبطة بفكرة أخرى وهي مدى تأثير هذا البعد البيولوجي التكويني الطبيعي في تحديد أدوار الإنسان وتحديد وظائفه داخل وسطه الاجتماعي ووسطه الثقافي بمعنى أن التكوين الجسدي لكلا الجنسين هو الذي يتم به تحديد طبيعة الأدوار التي يقوم بها كل من الرجل والمرأة داخل المجتمع فالأدوار الاجتماعية حسب المقاربة الفطرية هي تمثل طبيعي للبعد البيولوجي الذي يعدّ معيارا لا يمكن تجاوزه و الخروج عليه وتجاوزه يفسر على أنه تمرد وخروج عن الفطرة والطبيعة البشرية وهو خروج يلزم تقويمه وعلاجه بما يجعل من وظائف الجنس البشري داخل المجتمع جوهرية وليست عرضية تتأثر بخصوصية كل مجتمع.

هوية الفرد الجنسية

وكردة فعل على هذه المقاربة التي حكمت المجتمعات لعقود من الزمن دخل على الخط التيار الجندري ومقاربته الجنسانية التي تعتبر أن هوية الفرد الجنسية لا تحددها عناصره البيولوجية، وأن الأدوار والوظائف التي يؤديها في وسطه الاجتماعي لا تحددها طبيعته الجنسية وإنما المجتمع وما تفرضه العادات والتقاليد..
ومن هنا بدأ التساؤل حول الغاية من العملية الجنسية والهدف من العلاقات الجنسية ليظهر تصور يقول بأن الممارسة الجنسية ليس من غايتها ولا أهدافها تكوين أسرة ولا انجاب أطفال ولا التناسل والتكاثر، وإنما الغاية منها هي المتعة الجنسية لا غير وفي هذه المرحلة من التحليل استنجدت النظرية الجندرية بعالم النفس سيغموند فرويد الذي يرى أن الغاية من الجنس هي تحقيق المتعة وهي ليست حكرا على الجماع، وبذلك ساهم فرويد في جعل الفارق بين الطبيعي وغير الطبيعي في الإنسان غير واضح ومحل شك وجعل للبعد الاجتماعي دور في العملية الجنسية وله حضور بارز…
ومن هنا بدأ الفرد في الاعتراض على المعايير والتقريرات التي يضعها المجتمع وبدأ التمرد على النظرة التقليدية لتعريف الهوية الجنسية وتقليل الاحترام لفكرة الطبيعي والبيولوجي في تحديد الأدوار داخل المجتمع.
ومن هذه اللحظة طالبت الجندرية عدم تجريم الممارسات الجنسية التي تقع خارج إطار الزواج التقليدي وعدم اعتبار كل أنواع الجنس المتمركزة حول المتعة انحرافا وشذوذا والتسامح مع عدم الانضباط الذاتي في الممارسات الجنسية الأخرى.

مصطلح مثير للجدل

بعد هذا التطور الذي عرفته المجتمعات الغربية في العلاقات الجنسية والتحول الحاصل في الفكر والثقافة الجنسية ظهر مفهوم آخر حاول أن يعطي شرعية أكبر للعلاقات الجنسية المصنفة شذوذا واعترافا أوسع للأفراد الذين يريدون أن يمارسوا حياتهم الجنسية وفق قناعاتهم الخاصة خارج نسق ممارسة الجنس التقليدي، فكان أن ظهر مصطلح ” المتحولون جنسيا ” وهي مرحلة أخرى من مراحل التمكين للمثلية الجنسية في المجتمع و محاولة تضاف إلى المحاولات السابقة في عدم القبول بالممارسات الجنسية المقوّلبة والتي يضعها المجتمع ويقننها كسلوك سوي وتم الاستنجاد بأفكار جاك دريدا التي تتحدث عن وجوب كسر القوالب الثنائية الذكر في مقابل الأنثى، والتي يقوم عليها التمييز بين الجنسين وبذلك تم مرة أخرى تحييد العنصر البيولوجي ونزعه عن الذات والهوية الطبيعية التي لم تعد هي المحدد في فعل التواصل البشري وعدنا مرة أخرى الى فكرة أن هوية الفرد تحدد ضمن سياق مجتمعي معين.

تغيير النظرة للممارسة الجنسية

كل هذه المحاولات الفكرية التي بدأت منذ القرن التاسع عشر، والتي حاولت تغيير النظرة للممارسة الجنسية المثلية واعتبار أن اللوطيين والسحاقيات ظواهر طبيعية تولد مع الفرد ويتعين على المجتمع والسلطة الاعتراف بها والقبول بأصحابها كأفراد طبيعيين والاعتراف بحق الفرد في اختيار نوع الأسرة التي يريدها، أسرة مثلية أم أسرة غيرية تقوم على جنسين مختلفين، لم تف بالحاجة المرجوة ولم تقدر أن تغير من النظرة للممارسة الجنسية خارج الأطر التقليدية رغم التقدم الذي أحرزته وبقيت في الغالب النظرة الشائعة تعتبر المثلية الجنسية مرضا في السلوك وانحرافا عن الفطرة وتمردا على ما هو طبيعي في الانسان فكان على هذا التيار الجنسي أن انتقل إلى مرحلة أخرى في مسار التمكين وجلب للحقل الاكاديمي والمعرفي نظرية ” الكوير” المستلهمة مضمونها من أفكار ميشال فوكو عن حقوق المثليين والهويات غير الغيرية الذي لا يعتبر المؤسس الحقيقي للفكرة وإنما هو أحد المؤثرين الأوائل الذي يستحضر دائما عند الحديث عن الكويرية وخاصة تأكيده على الفصل بين التكوين البيولوجي والتكوين الفيسيولوجي و البعد الجندري في الفضاء العام وأعماله التفكيكية للغيرية الجنسية من داخل نسقها ومن خلال آلياتها والوسائل التي تقوم عليها خاصة بعدها الأخلاقي الذي تقوم عليه ونقد فكرة الجنس الغيري التكاثري في علاقة بالتنوعات الجنسية الأخرى الأكثر تعددية وأعماله في تجاوز التيار البنيوي الذي وضع تمييزا بين الجنس والنوع الاجتماعي.
الفكرة من وراء هذه النظرية الجديدة في الحديث عن المثلية الجنسية وممارسة الجنس خارج الإطار الكلاسيكي المعترف به والحديث عن الحقوق المثلية هو الانتقال من الخطاب المثلي الذي يركز على مجرد المطالبة بحق الفرد في أن يكون لوطيا أو سحاقيا إلى خطاب ” كويري ” للدخول في مجال أوسع وأرحب يكون أكثر مقبولية واعترافا في سياق مجتمعي والواقع السياسي والثقافي يكون قادرا على احتواء مجموعات وفئات كثيرة ومختلفة كشركاء في مسيرة التغيير التي تطرحها نظرية الكوير بما يعني أن هذه النظرية هي تجاوز لفكرة المثلية ونقد للجندرية وفكرة التحول الجنسي وكل المقاربات الأخرى التي تعمل على حصر المعركة الجنسية في المسألة الجنسية وممارسة الجنس فقط وحقوق الفئات الجنسية غير الغيرية…

مفهوم أشمل!

وعلى هذا يمكن تقديم تعريف الكوير على أنه ” كل ما هو خلاف العادي والشرعي، السائد والمهيمن وكل ما عد شاذا ومنبوذا في المجتمع دون ربطه بالسلوك الجنسي فـ الكوير هوية إنسانية لا تعترف بجوهر واحد ولا بدور اجتماعي واحد ولا هوية جنسية مقوّلبة جاهزة للاستهلاك المجتمعي وهي نظرية ترفض أن تكون المثلية الجنسية هي أساس الهوية الانثوية وعلى هذا يدخل ضمن هذا التعريف كل فرد يرتدي لباسا لا يتناسب ثقافيا مع جنس مرتد اللباس كأن يلبس الرجل لباس المرأة والعكس كذلك وكل تقليعات الشعر الغريبة والتي نجدها عن جنس ويختص بها جنس آخر وكل ما يفعله الفرد بجسده ويعد غريبا وغير مقبول بالمعايير التقليدية من وشم مكثف يعم كامل البدن وغيره من السلوكيات ”
وعلى هذا الأساس فهي تضم ناشطين من غير فئة المثليين والمثليات من أجل التغيير بحيث يمكن أن ينضم إليها كل من ليس بمثلي وتهمه مسألة التحرر والحرية والتخلص من القمع و الضبط الاجتماعي أيا كانت أشكاله.
التحرر من كل السلطات المركزية القديمة و تقويض النظام الأبوي الصارم والسلوكيات المحافظة التي تميز مجتمع ما ومحاربة فكرة الزواج الغيري والأسرة التقليدية القائمة على جنسين مختلفين في التكوين البيولوجي ومساءلة كل الثوابت المتحكمة والمسلمات وكسر كل المحظورات والمعايير الدينية.

فكر وافد من الغرب

الكورية نظرية تتجاوز الحقوق المثلية ومسألة الجندر ولا تدافع عن النوع الاجتماعي وأصحاب التحول الجنسي فقط وتقترح الدخول في فضاء أرحب وأوسع وأعم والانتقال من مجرد المطالبة الفردية وغير المنظمة بحق المثلي في التواجد إلى تنظيم وحراك شعبي يشمل كل المرفوضين في المجتمع وكل المنبوذين فيه بسبب تبني أفكار وسلوكيات وأنماط عيش مختلفة حتى وإن كانت غير مثلية فهي تدافع عن كل أنواع الهويات الجنسية التي تعتبر غير ملائمة للسائد ومنحرفة عن نظام الغيرية الجنسية، وبذلك تم الاعتراف بالجنسانية السادية والجنسانية الماسوشية وكل الممارسات الجنسية العنيفة كحركة نساء السود المثلية من السحاقيات فالانضمام إلى هذه الحركة الكويرية متاح لكل من له رغبة في التأثير في النظام ومؤسساته وقوانينه ونظامه الاجتماعي و هي حركة تسعى إلى إعادة تشكيل الفضاء العام وإعادة إنتاج خطاب جنساني كويري وحركة تغيير اجتماعية وسياسية تقوم على فكرة الاعتراف بكل من كان منبوذا و مرفوضا ومختلفا مهما كانت توجهاته ورغباته التي قد تكون غير جنسية.
هذه قراءة أولى للنظرية الكويرية حاولنا من خلالها التعريف قدر المستطاع وبما تسمح به المساحة المخصصة لهذا المقال وتعريف بهذا الفكر الوافد علينا من انتاجات الحضارة الغربية وحداثته وفكر أنواره الذي بدأت الإنسانية اليوم ترفضه على أن نعود إليها بعد الإطلاع على أطروحة الماجستير التي قبلت بمناقشتها جامعة تونسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى