صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: المقاومة الفلسطينية خذلتها الأنظمة العربية وأضعفت منجزها

slama
كتب: نوفل سلامة

ما يجري اليوم للشعب الغزاوي في فلسطين المحتلة من استئناف للحرب ومن تدمير عشوائي للمباني والمنشآت وقتل متعمد للسكان من قبل دولة الاحتلال بعد أن نقضت معاهدة وقف إطلاق النار وعطلت مسار تبادل الأسرى نحو إرساء وضع هادئ والدخول في المرحلة الثانية من الهدنة والمخصصة لإعادة إعمار ما دمرته الآلة الحربية الإسرائيلية…

تطهير عرقي

ما يحصل اليوم من تطهير عرقي وإبادة جماعية للشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع من العالم ومن وراء صمت عربي محيّر ومخجل يُعبر تعبيرا واضحا أن دول الجوار الفلسطيني وبعض حكومات الطوق العربي منخرطة في مسارات ومخططات مباشرة وغير مباشرة..معلنة وغير معلنة في إضعاف شوكة المقاومة والالتفاف على ما أنجزته الفصائل الفلسطينية المسلحة في حربها مع إسرائيل المدعومة ماليا وعسكريا ومعنويا من أكبر دولة في العالم، ومن الكثير من الدول الأوروبية..
المقاومة خرجت من هذه الحرب بمعنويات مرتفعة وبصورة مشرفة رغم الكلفة الباهظة في الأرواح والخسائر الكبيرة التي طالت البنية التحتية لقطاع غزة..

مخطط طرد المقاومة

اليوم والحرب تعود من جديد في قطاع غزة في ظل صمت عربي يكشف بكل وضوح عن وجود تماه وانسجام في المواقف بين بعض الأنظمة العربية والأهداف والمخططات الأمريكية الإسرائيلية وهناك هدف متفق عليه بين الجانبين في القضاء على المقاومة ونزع سلاحها والانتهاء إلى الأبد مع نفس وروح المقاومة في المنطقة حيث بات واضحا أن هناك اليوم إرادة ورغبة عربية للقضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة، في سياق وإطار مرحلة ما بعد الحرب وضمن شعار مرحلة إعمار غزة ضمن خطة تم الاتفاق عليها بين الطرف العربي والطرف الأمريكي الإسرائيلي مفادها عزل الفصائل الفلسطينية المسلحة و منعها من لعب أي دور في تشكيل وتحديد مستقبل غزة وإبعادها عن أي قرار يجعلها متحكمة أو مشاركة في صياغة المستقبل والعمل على إلغاء أي دور مؤثر لها…

والفكرة الأبرز في هذه الاستراتيجية العربية الغربية التي تقودها أمريكا هي طرد الفصائل الفلسطينية المسلحة وإجبارها على مغادرة غزة بعد نزع سلاح المقاومة.

غزة خارج معادلة المقاومة

الأفكار التي تم الكشف عنها من خلال التسريبات الإعلامية والمخططات التي تم التفاهم بشأنها من وراء التسريبات الديبلوماسية تقوم على جملة من المشاريع ولكن جميعها يصب في فكرة واحدة: وهي أن غزة أفضل من دون مقاومة وأن مستقبل القطاع وإعادة اعماره يجب أن يتحقق خارج معادلة المقاومة، ومن أبرز هذه المشاريع ما يطرحه الجانب المصري الذي يقوم مشروعه على مرحلتين الأولى زمنية مدتها عشر سنوات لإعادة الإعمار وإصلاح البنية التحتية وبناء المنازل والأحياء المنشآت المهدمة…
أما المرحلة الثانية فهي مخصصة لوضع تصور شامل لحل القضية الفلسطينية برمتها من وراء فكرة إعادة توزيع الكتلة السكانية في القطاع بتخفيف عددها وتوجيهها نحو المناطق المتاخمة لـ مستوطنات الغلاف وهذا المشروع بمرحلتيه يقوم على فكرة أخرى أساسية وهي وضع رقابة على سلاح المقاومة واخضاعه لرقابة أوروبية أو مصرية للحيلولة دون استخدامه في اتجاه استفزاز الجانب العبري.

الخطة الثانية هي المقترح الأردني والذي تقوم على فكرة نفي ثلاثة آلاف عنصر من حماس من كوادر وقادة الجناح العسكري لكتائب القسام خارج الأراضي الفلسطينية ـ المرجح أن تكون في إحدى الدول العربية ـ وكذلك عناصر الفصائل المسلحة الأخرى بما يجعل القطاع خال من أي مظهر من مظاهر المقاومة المسلحة تمهيدا للبدء في مرحلة إعادة الإعمار.

رؤية أمريكية

الرؤية الأمريكية المدرجة ضمن هذه المخططات لمرحلة ما بعد الحرب تقوم على فكرة إخلاء قطاع غزة بالكامل من سكانه وفي أقل الأحوال تخفيفه من سكانه من وراء عملية تهجير لحوالي 500 و700 ألف فلسطيني إلى الحدود المصرية وتهديد مصر إن هي لم تقبل بهذا المقترح أن تخسر الدعم والمساندة الأمريكية سواء بالمنح التي تسندها هي مباشرة أو بما تقدمه المؤسسات المالية المانحة من قروض لدعم الاقتصاد المصري الذي يعرف أزمة خانقة وفي المقابل يقوم السيناريو الأمريكي على الوعد بضخ أموال ضخمة في الخزينة المصرية تكفلت دولة الإمارات بتوفيرها مع تعهد هذه الأخيرة ببناء عشرة آلاف وحدة سكنية في الحدود المصرية لإيواء المطرودين والمهجرين.
هذه تقريبا أهم المخططات والأفكار التي وضعت للفلسطينيين بعد عملية طوفان الأقصى وتداعيات حرب السابع من أكتوبر 2023 على الداخل الفلسطيني وتأثيراتها على محيطها الإقليمي والدولي وهي كلها استراتيجيات تصب في فكرة واحدة إنهاء روح المقاومة في المنطقة والقضاء على نفسها ونزع سلاحها والقبول بواقع الاستعمار والاحتلال.

واقع مؤلم وخذلان عربي

الخطير في هذا الواقع المؤلم الذي تعرفه القضية الفلسطينية وهذا المشهد الغزاوي الذي يعرف مرحلة حرجة ومنعرجا خطيرا بعد أن تخلى العرب وخاصة عرب دول الجوار والدول المعنية مباشرة بالصراع العربي الفلسطيني، هو أن المقاومة الفلسطينية قد خذلتها الأنظمة العربية التي لم تستثمر ما تحقق من نتائج إيجابية وعوامل نصر بعد عملية طوفان الأقصى في إرجاع الحق لأصحاب الأرض والضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال الغاشم فلو دعمت هذه الأنظمة فصائل المقاومة ووقفت إلى جانبها لكان المشهد الفلسطيني اليوم على أفضل حال بعد أن تعرف العالم على المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني ووقف على عمليات الإبادة الجماعية والتهجير القسري والتدمير المتعمد للمباني والاعتداء على كل المؤسسات المساندة لسكان غزة و الأحكام التي صدرت من محكمة الجنايات الدولية بحق قادة إسرائيل واتهامهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني وموظفي المنظمات الإنسانية والموظفين في القطاع الإعلامي والصحي والتربوي.

تصفية القضية

الخطير أن القضية الفلسطينية تتعرض اليوم الى عملية تصفية على أيدي بعض الأنظمة العربية التي قررت أن تتماهي مع الموقف الأمريكي الإسرائيلي في تقرير مصير غزة بعد الحرب وإلى عملية خذلان عربية للمقاومة المسلحة التي يراد لها اليوم أن تلقي سلاحها وأن تتخلى عن نهجها المقاوم للاستعمار ورفضها لاغتصاب الأرض وأن تقبل بواقع جديد تقوده إسرائيل بتشكيل قيادة محلية وحكم محلي من دون قوة أمنية ولا قدرات مسلحة تعبر عن حقيقة السيادة الكاملة للفلسطينيين على أرضهم.
الواضح اليوم أن هناك إرادة عربية معلنة لمساندة المواقف الامريكية في صناعة نظام شرق أوسط جديد يقوم على مزيد من التوسع والتطبيع مع الكيان الغاصب ومزيد من ارتهان المصير العربي لقوى الهيمنة العالمية والقضاء على كل نفس مقاوم في فلسطين المحتلة .. وهناك قرار عربي لشراء مواقف بعض الأنظمة العربية مقابل حصولها على مليارات الدولارات واستغلال أزماتها الداخلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى