صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: المسيحية لا تستطيع أن تفصل فرنسا عن جذورها المسيحية..

slama
كتب: نوفل سلامة

ما زال الجدل قائما حول العلمانية في فرنسا وحول تطبيقاتها المختلفة في مختلف البلدان الأوروبية التي عرفت ثورة هن الكنيسة والبلدان التي فكت ارتباطها مع الكنيسة وكتابها المقدّس الانجيل…وخاصة التطبيق الفرنسي منشأ هذه الفكرة التي تحولت مع الوقت ومع انتشار فكر الحداثة وحركة الأنوار إلى نمط عيش الكثير من المجتمعات وطريقة حكم تتبناها الكثير من الأنظمة السياسية…

فرغم مرور عقود عن تبني فرنسا العلمانية طريقة تُدار بها حياة وسلوك ينظم الفضاء العام والخاص، وبها تُحدّد العلاقة بين الأفراد والعلاقة مع الكنيسة التي أُبعدت نهائيا عن كل مظاهر الحياة وحصر تحركها داخل جدران الكنيسة، ولا تتعداه بعد أن تحول الايمان المسيحي الى مسالة خاصة بين العبد وربه ومجرد رابطة لا علاقة لها بمختلف مناشط المجتمع…

جدل لا ينتهي

وهو جدل لا يكاد يخفت حتى يعود ويطفح من جديد ويفتح وراءه نقاشا جديدا وآخر جدل العلمانية في فرنسا الذي فجر نقاشا حادا اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس إيمانويل ماكرون مع البابا في مدينة مارسيليا القادم إليها في حركة دينية لمؤازرة المهاجرين والتعاطف مع آلام ومأساة الأجانب القادمين إلى فرنسا بحثا عن واقع أفضل ومستقبل لم يجدوه في بلدانهم الأصلية…

وقد خلف هذا اللقاء بين رئيس مدني يؤمن بمبادئ الجمهورية وقيم العلمانية ورجل دين يمثل الكنيسة ويتكلم باسم الإنجيل ويدافع عنه نقاشا حادا في الأوساط الثقافية والسياسية الفرنسية وموجة من الانتقادات الحادة للرئيس ماكرون من قبل أحزاب اليسار وكل القوى المؤمنة بفرنسا دولة علمانية لا مكان فيها للدين ولا تأثير للإيمان في سياساتها ولا حضور للمقدس وتعاليم الإنجيل في خياراتها المجتمعية…
واعتبر حضور الرئيس الفرنسي الموكب الديني في مرسيليا خروجا غير مبرر عن مبدأ العلمانية التي تبنته الجمهورية الفرنسية شعارا للدولة منذ سنة 1905.

تزامن محيّر…

وقد زاد من حدة النقاش وحدة النقد واللوم الموجه إلى أعلى هرم السلطة التزامن الذي حصل مع زيارة البابا صدور قانون جديد يمنع على الفتيات المسلمات في المدارس الفرنسية ارتداء الحجاب ودخول القسم بالزي الإسلامي وهو إجراء قال عنه ماكرون إنه يتفق مع ما أقرته فرنسا العلمانية من تحييد المدارس عن كل المظاهر الدينية من ذلك منع إظهار الرموز الدينية في مؤسسات وهياكل الدولة ومن هذه الرموز لارتداء الحجاب في الفضاءات المدرسية.
وقد قرأ أحزاب اليسار الحدثين قراءة ناقدة لسلوك الدولة الفرنسية التي اعتبروها قد حادت عن الفكرة العلمانية التي قامت عليها الجمهورية الفرنسية وأوقعت نفسها في تناقض صارخ ينم عن تخبط في التفكير وتراجع عن الوضوح في فهم العلمانية وتطبيقاتها السابقة حينما أقرت قانونا بمنع الحجاب في المدارس، وفي المقابل سمحت لأعلى رمز في الدولة أن يحضر قداسا دينيا اثثه المسؤول الأول في الكنسية الكاثوليكية جاء في حركة مساندة دينية للمهاجرين في مدينة مارسيليا.

ربط مع قانون منع الحجاب

هذا الربط بين قانون منع الحجاب في المدارس الفرنسية مع حضور ماكرون لاجتماع ديني مع البابا ما كان له أن يحضره وفق المبادئ العلمانية أُوّل على أن فرنسا تطوع العلمانية حسب الأهواء وتوظفها في المنازع السياسية ولمحاصرة الجالية المسلمة وطمسها في مغازلة الأحزاب اليمينية المتطرفة المطالبة بطرد المهاجرين من فرنسا واستجابة للضغط القوي الذي يمارسه اللوبي اليهودي المعادي لتواجد المسلمين في أوروبا وفهم من الحدثين أن سنّ القانون الذي يمنع ارتداء الحجاب في المدارس لا علاقة له بما يروّج عن الالتزام بالعلمانية وتطبيقا لمبدأ حياد التعليم عن الدين وفصل المجال العلمي عن المجال الديني والتزام الدولة الفرنسية بإبعاد أي تأثير للدين في مؤسسات الدولة والمجتمع….وأن للمسألة وجها آخر وحقيقة أخرى عبر عنها الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى