نوفل سلامة يكتب: إجراءات مطوّلة..بيروقراطية ثقيلة جاثمة على الإدارة..إلى متى؟

كتب: نوفل سلامة
الانطباع العام في بلادنا اليوم في هذا السياق التاريخي الذي تمر به والإجماع الذي عليه الكثير من أفراد الشعب، يذهب إلى أن المعطل الكبير المانع من تحقيق الانطلاقة المرجوة نحو الأمام من أجل تحقيق إنجازات لفائدة الشعب استجابة لمطالب الثورة المهدورة وتطلعات من قام بها والتي بقيت معلقة والكثير منها تم نسيانه…
أن الإدارة التونسية مكبلة بكم كبير من القوانين والإجراءات والتراتيب هي من يعيق أصحاب القرار والمسؤولين الإداريين من العمل بأريحية، وفي كنف الهدوء ودون خوف من الوقوع تحت طائلة شبهة تعطيل عمل الإدارة…
بيروقراطية مقيتة
وأن البيروقراطية الإدارية التي تم إرساؤها منذ عقود وتم وراثتها من المستعمر الفرنسي، رغم ما خضعت له من تعصير وتجديد قد تحولت إلى معيق وعبء ثقيل على الإدارة التونسية وعلى المتعاملين معها بعد أن كانت فكرة البيروقراطية عند نشأتها فكرة نبيلة وعقلانية تم وضعها لتنظيم العمل الإداري ولتسهيل الولوج إلى الإدارة والتمتع بخدمة بما تم وضعه من إجراءات ومن تراتبية وتسلسل إداري في اتخاذ القرار..
مشاكل بالجملة
ولكن يبدو أن هذه الفكرة التي أقرها الفلاسفة والمفكرون لتنظيم العمل الإداري وتوضيح العلاقة بين المسؤولين في إسداء خدمات للمواطنين تعرف اليوم مشاكل بالجملة، بعد أن تحولت إلى معوق ومعطل وعبء ثقيل، و بعد أن أصبحت مثقلة بكم كبير من القوانين والإجراءات ومن طول المسالك وطول الوقت ومن استنزاف الجهد والطاقة..
مما تعين معه الأمر إلى التفكير في طريقة جديدة لتخليص الإدارة والإداريين من كل هذه المكبلات والمعطلات وتحرير مبادرة المسؤول وتخفيف العبء عليه من خلال تسهيل الإجراءات ومراجعة كل التراتيب الإدارية وحتى التشريعية في اتجاه التخفيف منها لتحقيق أكثر نجاعة وسرعة ومردودية..
ترسانة من التشريعات
فبلادنا تتوفر على كم كبير من القوانين وترسانة من التشريعات تحتاج اليوم إلى أن نعيد النظر فيها والتفكير في نظرية البيروقراطية برؤية مختلفة من أجل تصور جديد لها، خاصة وأن البيروقراطية كفكرة ليست سيئة في ذاتها ولا مشكلة في الأصل وإنما كيفية تطبيقها اليوم وإثقالها بكم هائل من الإجراءات هو الذي جعل منها طريقا مشوها ومسلكا سيئا وصعبا.
مشكل كبير
اليوم هناك وعي متزايد بوجود مشكل كبير في العمل الإداري يحتاج أن تهتم به الدولة في علاقة بالبطء الكبير الذي يشهده تنفيذ المشاريع و حديث مكثف من أعلى هرم في السلطة على ضرورة القيام بثورة تشريعية وإدارية لتدارك التأخير في إنجاز البرامج المقصود منها مراجعة كل المنظومة التشريعية والقانونية التي تحكم العمل الإداري وتحتكم إليها الإدارة والتي فقدت صلاحيتها وأنجزت مهمتها، واستنفذت أغراضها في فترة ما…
إجراءات معقدّة
واليوم لم تعد صالحة و تحتاج إلى تحيين ومراجعة والقيام بعمل كبير لتخليصها من كل الإجراءات المعقدة التي لم يعد لها مكان اليوم بيننا في عالم يشهد تطورات كبرى و يتحكم فيه الذكاء الاصطناعي ويسير وفق التطور الهائل في عالم التكنولوجيا الرقمية، وفي ظل إقتصاد يُدار عن بعد وتسيّر فيه كل الأنشطة التجارية والمالية عن بُعد ومن مكتب صغير في أي مكان من العالم… وفي سياق عالمي يشهد انسياب المعلومة وتدفقها والحصول عليها بكل سرعة وبساطة باستعمال زر صغير من جهاز الكمبيوتر.
مطلب مُلح اليوم
هذا الجهد المطلوب بذله للتخفيف من أعباء الإجراءات الإدارية وإزالة كل المعوقات التشريعية هو مطلب ملح اليوم، وأكثر من ضروري حتى نصل إلى تحرير مبادرة المسؤول وتمكينه من اتخاذ كل القرارات الفورية التي تساعد على تنفيذ توجهات الدولة وسياساتها وتساهم في تطبيق كل التوجهات والتوصيات التي تصدر عن السلطة التنفيذية في إطار تشريعي وترتيبي واجرائي مرن وسليم وسريع من دون تجاوزات ولا خروقات..
وبعيدا عن مشاعر الخوف من المحاسبة أو أي مساءلة بتهمة تعطيل العمل الإداري أو تأخير تنفيذ قرارات الدولة، ومن دون الانتقال إلى هذه المرحلة من تعديل وتر العمل الحكومي والإداري بالتخلص من عبء الإجراءات التي لا طائل منها، فإنه لا يمكن تطبيق خيارات الدولة ولا تنفيذ مشاريعها الوطنية ولا الوفاء بكل الوعود التي ينتظرها الشعب وفق الرؤية الجديدة لأعلى هرم السلطة.
عقلية قديمة جدا
اليوم الإدارة التونسية رغم عراقتها وخبرة أفرادها وكفاءة القائمين عليها لا زالت مثقلة بإرث إجرائي يعود إلى زمن الإدارة الاستعمارية وتعمل وفق عقلية قديمة وطريقة عمل مُتبعة للجميع سواء لمسدي الخدمة من أعوان الإدارة أو المتحصل عليها وطالبها من عموم أفراد الشعب، ما يتطلب إن أردنا أن نواكب التطورات الحاصلة في العالم ونساير المتغيرات في مجال الإدارة أن نغيّر من وسائل العمل ونغيّر من الرؤية ونتجاوز الكثير من الوثائق والتراخيص والإجراءات التي باتت تشكل عبئا ثقيلا والانتهاء مع المطالبة بالموافقات والرخص والامضاءات المتعددة والاستشارات الكثيرة واللجان المختلفة..
فالمرحلة التي نمر بها والتحديات التي نعيشها والرهان المحمول علينا يحتم إصدار تشريعات وقوانين تتماشى مع المرحلة وتعبر عن روح المسار الذي نسير عليه وتعكس تطلعات الشعب وحرص أعلى هرم السلطة ..
الفصل 96 الشهير!
تشريعات وقوانين تمنح المسؤول ورجل الإدارة هامشا من الحرية للتحرك وتحمل المسؤولية والاجتهاد لتحقيق الصالح العام من دون أن ينتابه الخوف أو القلق من تطبيق الفصل 96 من المجلة الجزائية أو التعلل به لذلك كان من الضروري مراجعة هذا الفصل حتى تتحرر الإدارة وحتى تتحقق النجاعة والمردودية والسرعة المطلوبة في إنجاز المشاريع والخدمات..
وهذا مع المحافظة على مبدأ المراقبة والمحاسبة والشفافية فما هو مطلوب اليوم هو تشريعات مرنة تُطبق وتُسهل عمل الإدارة وتحمي المسؤول الإداري وقوانين متطورة تخفف من الإجراءات الإدارية التي فقدت وجودها..
تشريعات وقوانين متطورة لم تعد خيارا لتطوير المنظومة الإدارية وفكرة البيروقراطية، وإنما باتت اليوم ضرورة وحاجة ملحة.