صالون الصريح

مذكرات الرئيس فؤاد المبزع الرجل حكم أخطر مرحلة: الثورة بين مخاوف التأسيس ونزوع الحكم (7/7)

slama
إعداد: نوفل سلامة

ينهي فؤاد المبزع مذكراته وشهادته حول أحداث الثورة التونسية بالحديث عن محطة فارقة عجلت بقلب كل الأوضاع رأسا على عقب وخلط كل الأوراق يقول:

زمن الاغتيالات

وبدأت الأحداث تتسارع والاحتجاجات تكثر تعبيرا عن خيبة أمل وخيبة من الثورة في حد ذاتها حتى وصلنا إلى الاغتيالات السياسية، وهي اغتيالات من النوع الثقيل شبيهة بتلك التي عرفتها تونس في زمن الاستعمار مع فرحات حشاد والهادي شاكر وغيرهما.

الاغتيالات السياسية: شكري بلعيد

تحدث عن اغتيال شكري بلعيد الأمين العام لحزب الوطد الموحد في 6 فيفري 2013 وكيف أنه لم يكن يعرفه من قبل ولكن اكتشفه بعد الثورة وقد التقى به مرة يتيمة ورأى فيه حسا وطنيا عاليا ووعيا دقيقا بالمرحلة، فاستوقفه منطق تحليله للأحداث وقدّر أنه شخصية سياسية تمتلك تفكيرا ورؤية واضحتين وله برنامج واقعي وحسب رأيه، كان بلعيد شخصية مقلقة يمكن أن تحدث التوازن المطلوب مع النهضة…
فكيف لم يتفطن من يحكم إلى أنه محل استهداف وأن محظورا سيقع خاصة بعد التحريض عليه من قبل بعض أئمة الجوامع.
يقول: لقد كان اغتيال بلعيد إيذانا بدخول تونس مرحلة جديدة وخطيرة من تاريخ ثورتها و دليلا على فشل منظومة الحكم التي أفرزتها انتخابات 2011 ونتيجة تضخم الأنا النرجسية التي بدا عليها عدد من السياسيين…

محمد البراهمي:

بعد اغتيال بلعيد بدأ الشك يدب في النفوس والقلق والحيرة من الآتي يتسع وبدأ الحديث عن فقدان الأمن والخوف من الإرهاب يتزايد وبدأ الوضع يتأزم ومعه زادت حركة الإرهاب بهذا الموقف كأن الرئيس فؤاد المبزع يلمح ويتهم جهات خارجية وإقليمية ودولية لا يسميها تريد الهيمنة على تونس لحساباتها الخاصة وتعمل على سيطرة وضع الهشاشة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي من خلال دعم فريق سياسي تبين مع الأيام أنه ركب على الثورة فحوّل وجهتها وهرول نحو السلطة وتنكر لأهداف الثورة.
يقول: ما الذي أوصل البلاد إلى حدود الاغتيال السياسي وما هي دواعيه المباشرة؟
يفسر المبزع ما حصل من توسع دائرة الإرهاب وما حصل من أعمال إجرامية خطيرة بوجود مناخ مناسب هيأت له وأوجدته حكومة الترويكا وأن اغتيال شكري بلعيد كان مسبوقا باتهامات صدرت عن جهات رسمية في الحكومة في إشارة إلى الاتهام الذي وجهه علي العريض لشكري بلعيد بالضلوع في أحداث سليانة في الوقت الذي كان فيه بلعيد في زيارة الى المغرب الأقصى ..
ثم بعد ستة أشهر جاء اغتيال محمد البراهمي في 25 جويلية 2013 يقول: تعرفت عليه أثناء الإضراب عن الطعام الذي خاضه في أروقة مجلس النواب احتجاجا على ما تعرض له شباب سيدي بوزيد أثناء الاحتجاجات من عنف على أيدي قوات الأمن.
اغتياله كان منتظرا أو بالأحرى أن اغتيالا آخر بعد اغتيال شكري بلعيد كان سيحصل لا محالة، فكل الأجواء تبشر بذلك نتيجة ضبابية الرؤية وهشاشة الحل للوضع الذي باتت عليه البلاد واحتدام الصراع السياسي الذي أفرز انقسام الوطن والشعب وحصول اعتصام الرحيل تعبيرا عن غضب الشعب يقابله اعتصام آخر احتجاجا عن ممارسة المعارضة وبدأنا نشهد الحشد والحشد المضاد في هذه الأجواء يأتي القرار الجريء الذي اتخذه رئيس مجلس نواب الشعب مصطفى بن جعفر بتعليق نشاط المجلس التأسيسي بعد إنقسام أعضائه إلى قسمين مؤيدين لكلا الاعتصامين…
ومن هنا دخلت البلاد في منعرج خطير ومناخ سياسي أفرز ظهور حزب نداء تونس بروافده النقابية والفكرية المتعددة في حركة لم تكن مدروسة…
يقول: كنت غير مؤمن في قدرته على إحداث التوازن في البلاد بسبب العقلية التي قادت لتأسيسه كانت عقلية رد الفعل والرغبة في الوصول إلى السلطة .. دخل نداء تونس الانتخابات من دون مؤتمر تأسيسي ولم يقدر الباجي فيما بعد التحكم في الحزب بعد أن انفرط العقد الذي كان انفراطه سهلا وظهرت الخصومات والانقسامات والشقوق..

ضاع الحلم!

أنهى الرئيس الأسبق فؤاد المبزع حديث ذكرياته عن أحداث الثورة التونسية بحسرة كبيرة على عدم تحقق حلمه وحلم أجيال كثيرة من أبناء الشعب التونسي في بناء المغرب العربي الكبير وحسرة أخرى على ضياع وقت كثير من دون تحقق هذه الوحدة المغاربية … وفي عبارة فيها ألم واضح قال: ” سيكون التاريخ قاسيا في محاسبتنا ”

أهم الخلاصات

مذكرات وشهادة قائمة على مقولة رددها كثيرا تقول إن ” التاريخ نقرؤه وفق مقولة ما شهدنا إلا بما علمنا وليس بما فهمنا وحللنا »… وهذا ما جعل من هذه الشهادة فيها الكثير من الانطباعية وترداد لما يقوله رجل الشارع تغيب فيها وعنها المعطيات الدقيقة حول حقيقة الكثير من الأحداث كموضوع الإرهاب وشبكاته ومهامه، ومن كان وراءه ومن كان يسيّره…
وكذلك حديثه عن الاغتيالات السياسية التي حصلت يغيب عنها التحليل السياسي ومعرفة أسباب توقيته والجهة الحقيقية التي تقف وراءه.. فهل من معنى في تفسير موجة الإرهاب التي اجتاحت البلاد فيما قام به من ربط بين جهات خارجية اقليمية ودولية ودعمها لفريق سياسي واتهامه بأنه حوّل وجهة الثورة وهرول نحو السلطة؟
نظن أن هذا الرأي يحتاج إلى مزيد توضيح من صاحب الشهادة.
يقول: عمري ما زيفت حقيقة ولا قلت غير الواقع قلت ما رويته صحيح وقرأه القراء مواقف أتيت عليها وكانت قد اتخذتها وصرحت بها في وقتها وليست وليدة خروجي من الحكم.

ترويكا غير قادرة على إدارة الدولة

يتحدث عن مرحلة ما بعد انتخاب المجلس الوطني التأسيسي ومرحلة حكم الترويكا واعتبر أن الحكومة الأولى التي تشكلت بعد الانتخابات وزراؤها كانوا لا يعرفون الدولة إلا القليل منهم فأضاعوا الوقت في تركيز الدواوين وفي إقصاء السابقين من الموظفين، وكشفوا عن عجز فيهم بخصوص إدارة الشأن العام وقد كشفت أحداث السفارة الامريكية أن الفريق الحاكم غير قادر على إدارة الدولة.
يعتبر أن أحداث السفارة حصلت على مرأى ومسمع من الدولة وأجهزتها وعواقبها كانت واضحة، ولكن لم يتخذ ضدها الإجراءات اللازمة وكان من المتوقع أن يحصل ما حصل ومن نتائجها أن بدأت الفوضى والانفلات الذي عرفته البلاد فهل ما حصل كان سوء تقدير سياسي أم عدم تقدير أم فعل مقصود ؟
سؤال كبير رافق هذه المذكرات يتعلق بمعرفة لماذا لم يتكلم فؤاد المبزع وهو يعرف كل هذه الحقائق لما كان رئيسا للجمهورية وتكلم اليوم؟ ألم يكن كلامه في حينه أن يعدّل ولو قليلا من المشهد أو على الأقل أن يساهم في الكشف عن الحقائق وهو يرى نهج الثورة يحيد عن سكته؟
الإجابة التي قدمها في هذه المذكرات تتشبث بأن طبيعة التكليف وأصل المهمة الرئاسية المؤقتة المكلف بها تقتضيان منه الحياد وهي فكرة يرددها كثيرا وتمسّك بها.

عدالة انتقالية؟

سؤال آخر كبير حول موقفه من هيئة الحقيقة الكرامة التي عُهد إليها إرساء عدالة انتقالية تُنهي الأحقاد التاريخية وتُجري مصالحة بين كل الأجيال وتاريخهم حيث اعتبر أن الهيئة قد قلبت المفاهيم والتوجهات لتصبح عدالة انتقامية فيها جلد ومحاسبة لتاريخ البلاد ورموزها، والحال أن الكل يشهد أن التصور الذي تبنته الهيئة كان محل نقد كبير لتساهلها مع رموز النظام القديم ولم تتعرض أي شخصية حكمت في زمن الرئيس بن علي إلى إجراءات انتقامية على شاكلة ما حصل في الكثير من الثورات الدموية ما اعتبر أحد أسباب فشل الثورة التونسية.
من أقواله: أن مشكلة الثورة في أن الشعب انتفض بلا قيادة وحكمته قيادة بلا ثقافة ودون معرفة البلاد.. أن تحكم يعني أن تستبق الأحداث وتستشرف .. أن تحكم يعني أن تتنبأ البلدان تمر بتضاريس السياسة وتعرف تراجعات، ولكن المهم أن يكون المسؤولون واعين بضرورة الإصلاح وإعادة الانطلاق والخطر يكمن في تجاهل الاستحقاقات.

ثورة ‘مغدورة’

يجري مقارنة بين الأوضاع بعد الثورة والأوضاع بعد الاستقلال لينتهي إلى أن من حكم بعد الاستقلال كانوا وطنيين وواعين بالمشاكل وحريصين على الدولة ومصلحة الوطن.
على أهمية ما جاء في هذه المذكرات وقيمة الشهادة الصادرة عن شخصية حكمت أخطر فترة عرفتها الثورة التونسية كان هناك سؤال يراودني يقول أين الحقيقة وأين الانطباع فيما سرده من معطيات على أحداث ثورة مغدورة بقي الكثير من أسرارها إلى اليوم مخفيا ويحتاج إلى إضاءات كثيرة؟

انتهى.

طالع أيضا الجزء الأول: مذكرات فؤاد المبزع الرجل الذي حكم أخطر مرحلة عرفتها تونس: الثورة بين مخاوف التأسيس ونزوع الحكم

طالع أيضا الجزء الثاني: مذكرات فؤاد المبزع الرجل الذي حكم أخطر مرحلة عرفتها تونس: الثورة بين مخاوف التأسيس ونزوع الحكم

طالع أيضا الجزء الثالث: مذكرات فؤاد المبزع الرجل الذي حكم أخطر مرحلة: الثورة بين مخاوف التأسيس ونزوع الحكم

طالع أيضا الجزء الرابع: مذكرات فؤاد المبزع الرجل الذي حكم أخطر مرحلة: الثورة بين مخاوف التأسيس ونزوع الحكم

طالع أيضا الجزء الخامس: مذكرات فؤاد المبزع الرجل الذي حكم أخطر مرحلة: الثورة بين مخاوف التأسيس ونزوع الحكم

طالع أيضا الجزء السادس: مذكرات فؤاد المبزع الرجل الذي حكم أخطر مرحلة: الثورة بين مخاوف التأسيس ونزوع الحكم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى