صالون الصريح

محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ علم عاش في صفاقس ثم ودع: محمد بكور 1928 ـ 2021

sallami
كتب: محمد الحبيب السلامي

هذا الرجل عرفته أول ما عرفته سنة 1948 هذا الرجل عرفته في دنيا الثقافة، وفي دنيا التعليم، وفي دنيا النضال والسياسة والإعلام والصراحة…

هذا العلم لما ولد وبلغ سن الدراسة أدخله أبوه مدرسة قرآنية…وفي هذه المدرسة أحب اللغة العربية، ولذلك لما طلب التبحر فيها انضم إلى الفرع الزيتوني بصفاقس فتلقى الدروس في النحو والصرف والإنشاء والفقه والحساب والتاريخ، وبعد سنوات تهيأ لامتحان شهادة الأهلية…

ولما فاز بها سافر إلى العاصمة يستزيد علما من المدرسين بجامع الزيتونة، و باجتهاده فاز بعد ثلاث سنوات بشهادة التحصيل…محمد بكور المعلم، عاد إلى صفاقس فوجد المدرسة القرآنية بمركز معلى تستقبله معلما…
ومن هذه المدرسة ينتقل لمدرسة شارع بغداد يديرها، ويسجل فيها بحزمه وصدقه وإخلاصه في مسؤوليته ورسالته اسمه، وصارت تُعرف بين الناس باسم (مدرسة بكور) ويتهافت التلاميذ عليها…

محمد بكور المناضل

ما زلت أذكر أنني كنت سنة 1948، ألتقي ليلا مع بعض زملائي في دار السلامي بنهج القايد بصفاقس، نراجع الدروس ونتهيأ لامتحان شهادة الأهلية،
في هذه الدار وفي تلك السنة كنت ألقى محمد بكور يعد الدروس ومذكراته كمعلم، وكنت بيني وبين نفسي أتساءل: ما الذي جعله يسهر ويبيت ويعدّ مذكراته في هذه الدار وليس في بيته وبين أهله؟

وتمر السنوات، وتتوالى الأحداث ويسجل التاريخ، وفي كتب التاريخ ومنها أفهم أن محمد بكور كان مكلفا من قبل الحزب الحر الدستوري التونسي بقيادة الزعيم الشهيد الهادي شاكر بجمع الأسلحة التي توفرت للمواطنين من الحرب العالمية الثانية، وذلك لتؤدي دورها يوم الحاجة إليها، ومحمد بكور في هذا المكان، وهو فيه يعد مذكراته كمعلم لا يثير أي شبهة…
تجمعت أسلحة في يد محمد بكور، وفي سنة 1952 جاء الإذن الحزبي بتوزيعها على المناضلين المتطوعين، والمتطوعون كانوا بطرق سرية يتصلون بمحمد بكور ليتسلموا السلاح، والسلاح أغلبه متفجرات، والمتفجرات لها قواعدها وأسرارها، وهذه عرفها وتعلمها محمد بكور من المختار الشابي، ولذلك كان لا يسلمها لواحد إلا بعد درس ودعوة للاحتياط…

والتاريخ يشهد أن محمد بكور تقدم وشارك ليلة 27 جانفي 1952، في وضع متفجرة في السكة الحديدية بمحطة القطار في بير الشعبة، وانفجرت وأدت دورها في الثورة ضد الاحتلال الفرنسي..

محمد بكور في السجن

لما أدت الأسلحة التي جمعها محمد بكور دورها في الثورة قامت السلطة الفرنسية بالتفتيش عن الثوّار، وألقت القبض على عدد منهم، وكان من بينهم محمد بكور الذي كان مهددا بسجن طويل، وقد بقي في السجن من سنة 1952 إلى سنة 1955…

في بناء دولة الاستقلال

خرج من السجن فدعي للعودة للتعليم فعاد، وعاد للشعب الدستورية، وشارك في مؤتمرات الحزب، ولما دُعي للسلطة التشريعية كان في مجلس الأمة نائبا يصول ويجول، وفي اللجنة المالية أظهر كفاءة، وكشف واكتشف النقائص وقدم المقترحات والتوجيه ولذلك بقي في السلطة التشريعية من سنة 1986 إلى سنة 1996..

محمد بكور في الإعلام

قضى سنوات مراسلا لجريدة الحرب، وفجر قضايا بصراحته وفي الثقافة، كان من مساندي الطلبة الزيتونيين في جمعية مكتبة التلميذ الزيتوني، وفي جمعية الاتحاد الصفاقسي الزيتوني

محمد بكور في صراحته

صفاقس لا تنسى صراحته وشجاعته، فهو كشّاف مستعد للعمل وللقول، ولذلك تذكر له صفاقس أنه حضر يوما في صفاقس مؤتمرا لانتخاب لجنة التنسيق الحزبي أشرف عليه كاتب الدولة للرئاسة الباهي الأدغم، في نهاية المؤتمر أعلن الباهي قائمة الناجحين، ولما ذكر الباهي باسم الحزب والأمانة العامة للحزب أن (فلان) من الناجحين هو الكاتب العام للجنة التنسيق الحزبي..
هنا وقف محمد بكور وأعلن بكل وضوح وصراحة، أنه يرفض هذا التعيين ويطالب بتنفيذ ما وقع الاتفاق عليه وهو أن الناجحين في الانتخابات هم الذين يختارون من بينهم الكاتب العام…
ووقعت بين الباهي وبكور مجادلة، وقرر الباهي الأدغم معاقبة بكور وذلك بنُقلته معلما خارج صفاقس، قَبِل بكور العقاب ولم يعتذر…

محمد بكور في أسرته

تزوج المناضلة فتحية شاكر بنت الزعيم الشهيد الهادي شاكر،
وأنجب منها ذرية صالحة، ولما حان أجله بعد سنوات من المرض الذي تحمله بالصبر، ودع الدنيا الفانية وودعه أهله وأحبابه وصفاقس وتونس بالرحمة وحسن الذكر وقد ترك تاريخا، وترك كتابا تتحدث فيه الصورة والكلمة عن حياة مناضل عاش محل تقدير
وهو في التعليم وفي البلدية التي سجل فيها صفحات مشرّفة وفي مجلس الأمة وبين الناس…فهل طالعه الأصدقاء ليعلقوا على ما قدمته بما يزيدنا به معرفة وفهم…وأنا أحب أن أفهم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى