صالون الصريح

محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ علم عاش في صفاقس ثم ودع: الشيخ النحوي محمد بن إبراهيم المنيف

sallami
كتب: محمد الحبيب السلامي

قد تسألونني..لماذا تذكرته؟ والجواب: إن الشيخ النحوي الذي حببنا في علم النحو ومنه تعلمناه…ولأن قصة بداية علم النحو كانت في أول درس تلقيناه عنه وهو يعلمنا علم النحو من كتاب (قطر الندى وبل الصدى لابن هشام الأنصاري)…

فقد ذكر لنا شيخنا محمد المنيف وقال: يروى أن أبا الأسود الدؤلي دخل يوما على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فوجد بيده رقعة يكتب عليها، فسأله أبو الأسد…ماذا تكتب يا أمير المؤمنين؟ قال: تأملت كلام العرب فوجدته قد فسد بمخالطة الأعاجم فأردت أن أضع شيئا يرجعون إليه ويعتمدون عليه…

ثم ألقى أمير المؤمنين الرقعةً إلى أبي الأسود من وفيها (الكلام، اسم، وفعل وحرف) وقال له: انح هذا النحو، ومن هنا انطلق أبو الأسود الدؤلي يؤلف علم النحو في ذلك النحو، وسمي (علم النحو )…

تذكرت هذه الرواية التي رويتها عن شيخي محمد المنيف وأنا أرى وأقرأ وأسمع في تونس العربية فساد اللغة العربية في القلم وفي اللسان، وقد كان الشيخ محمد المنيف يعلمنا النحو لنصلح القلم واللسان، واليوم، هل يوجد في مدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا مثله يقدر على إصلاح الفاسد الذي نراه ونسمعه في وسائل الإعلام؟…أمضي ولا أجيب…

أمضي لأعرف الأصدقاء بالشيخ محمد المنيف: ولد في بيت أبيه إبراهيم، في غرة جانفي سنة 1898، وسماه أبوه (محمد)…ولما بلغ سن الدراسةً أدخله أبوه الزاوية، وفيها تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن، ومن الزاوية دخل الجامع الكبير في صفاقس يجلس في حلقات الدروس التي يقدمها المدرسون، فلما ارتوى بما روى عنهم سافر إلى تونس العاصمةً، وفي جامع الزيتونة حط رحله سنوات،

محمد المنيف وشهادة التطويع

لما أراد أن يتقدم للامتحان والحصول على شهادة التطويع كلف بدراسة وتدريس (كتاب الشافية في التصريف لابن الحاجب)، وبقي سنة في جامع الزيتونة يقدمه للطلبة، وفي نهايتها تقدم للامتحان فنجح وفاز بهذه الشهادة التي أهلّته للحصول على أمر علي من الباي يعين بموجبه (عدل إشهاد)

الشيخ المنيف والتدريس

بعد سنوات اختار التدريس بالفرع الزيتوني بصفاقس وتخلى عن العدالة، فكان يقدم الدروس في علم النحو، ويفيد…وكنت من تلاميذه، ومازلت أحفظ بعض قواعد النحو حفظتها من كتاب (القطر)، وكان الشيخ المنيف يقدم لنا الدروس في التاريخ الإسلامي دون الرجوع في الدرس لكتاب أو مذكرات…ولما جلسنا إليه نتلقى دروسا في الحساب ونتعرّف على قواعد الجذر التربيعي تساءلنا، من علمه؟
فقيل لنا، لقد تعلم الحساب وحده وبرع فيه و في تعليم تلاميذه، الشيخ المنيف والسياسة والجمعيات، كان مولعا بالشيخ الثعالبي وبقي وفيا لفكره، وكان من مؤسسي جمعية الشبان المسلمين مع الشيخ محمد بن إسماعيل …
فتح متجرا في سوق العطارين بصفاقس ليلتقي فيه بالراغبين في استفتائه أكثر من حاجته للتجارة، ولم يكن يرد سائلا عن سؤال يعرف جوابه، ولما زرته في بيته بحثا عن قاعدة نحويةً، وكان مريضا، استقبلني في فراشه وأفادني…

عائلة الشيخ المنيف

تزوج وأنجب ذرية طيبة عرفت منها وكنت معهم صديقا، وهم أحمد الذي كان من شباب جمعية الشباب المسلمين ثم معلما…والدكتور عبد الحميد الذي تعلم في جامع الزيتونة، وعلم وفاز بالدكتوراه من المغرب وعلم في كلية الشريعة، وإبراهيم الأستاذ المتخرج من دمشق، ومحمد الأستاذ وعبد الفتاح المهندس، وعبد الرحمان المحامي بالمغرب، وله من البنات: رفيعة، وحبيبةً ووحيدة أستاذة تربية إسلاميةً، وميمونةً…

ودع الدنيا

عاش الشيخ محمد المنيف مواطنا صالحا عالما ناشرا علمه، مؤديا في الوطن واجبه، فلما جاء أجله في العاشر من أكتوبر 1965 ودع دنياه راضيا، مودعا من أولاده وأحفاده وأحبابه تذكره صفاقس بالرحمة وحسن الذكر…
فبماذا سيتحدث عنه الأصدقاء لنزداد به معرفة وفهما وأنا أحب أن أفهم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى