صالون الصريح

محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ علم عاش في صفاقس ثم ودع: الأمين حسونة التركي

sallami
كتب: محمد الحبيب السلامي

هذا الرجل، هذا العلم، عُرف في صفاقس بـ(أمين الصاغة)، وقبل أن أحدثكم عنه وأذكركم به، أحدّثكم عن عبارة (أمين السوق)، أرجع بكم إلى تاريخ الحضارةً الإسلاميةً فمما فيها كانت الأسواق التجارية، وكانت الصناعات وأصحاب الصناعة…

وكانت التجارة والصناعة معرضةً لـ الغش والحيلة، لذلك فكر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في تعيين شخص ذكي قوي عارف بأسرار الأسواق وأحكام الأسواق، يطوف على التجار وأصحاب الصناعة، ويُحاسب المخالف على مخالفته ويعاقبه…

أمين السوق

ومن هنا ظهر (نظام الحسبة)، وفي عهد الدولة تقنن هذا النظام وانتظم…ونطوي صفحات التاريخ لنتوقف مع حمودة باشا في تونس لنجد صاحب الحسبة يسمى (أمين السوق)، ولكل سوق أمينه…ومن هنا وصلنا إلى (أمين الصاغة حسونة التركي (هو حسونة بن محمود التركي، ينتمي إلى (قارة يوسف التركي الذي دخل صفاقس مع الجيش التركي)…

ولد في صفاقس في السنوات الأولى من عهد الحماية الفرنسية 1888، لما بلغ سن التعلم أدخله أبوه الزاويةً، يتعلم القراءة والكتابة، وتعلم القرآن، واكتفى بذلك..

زواج حسونة

تزوج الأولى والثانية بحثا عن ولد…فكانت الثانية كالأولى، عقيما، صاحبنا حسونة…تزوج الثالثة فأنجبت بنتين، تزوج الرابعة فأنجبت بنتين…

حسونة والعمل

يُقال أنه تعاطى التجارة..ويُقال: أنه كان في موسم عصر الزيتون يدير معصرة زيتون…

حسونة أمين الصاغةً

علم وتأكد له أن (كرسي أمين الصاغة) فيه كسب وربح، وفيه شخصنة ومهابة، ولكن كيف يصل إليه ويجلس عليه وهو لا يُحسن صياغة الحلي ولا يعرف أسرار الصنعة…
بحث وتبين أن هذا الكرسي يمكن أن يجلس عليه صاحب الصنعة، ويمكن أن يجلس عليه الأمي في الصنعة إذا وجد من يفتح له الباب…والباب وجد في بعض أصهاره من يفتحه، ففتحه له وجلس على كرسي (أمين الصاغة) سنوات في عهد الحمايةً، يساعده مساعدون من أهل الخبرة، ويتقاضى عن كل عقد بيع حلي بواسطة دلال من الدلالين في السوق (ثلاثة في المائة)، للدلال واحد وللبلديةً واحد، وللأمين واحد…

شهرته في السوق

يقال ويروى ويشهد بعض من عرفناهم من أهل السوق، أن الأمين حسونة التركي كان حريصا على نظام السوق، وكانت له مهابة و(وهرة) باكتمال جسمه، وأناقته في لباسه وجبته وعمامته…وكانت كلمته مسموعة ولا تُرَد، ولا يرُد من يستجير به…
ومن ذلك رويت عمن أثق به وفيه من تجار السوق أن المسؤولين عن دار طابع المصوغ عثروا يوما في دكانه على حلي غير مطبوع فحجزوه، والحلي له قيمة، فماذا فعل؟
قال: أسرعت إلى أمين الصاغة حسونة التركي وعرضت عليه أمري واستجرت به، فقال لي: (ارجع لـ حانوتك واقعد هافت، قال: وامتثلت، وبعد ساعة أو ساعة ونصف رجع لي الحلي…

حسونة التركي وبورة التركي والحي الزيتوني…

كانت في طريق العين بصفاقس في النصف الأول من القرن العشرين أرض طويلة عريضة بيضاء خالية من الأشجار ما عدا نخلة طويلة منحنية تريد السقوط ولم تسقط، وفي بداية النصف الثاني فكر الفضلاء الأخيار وبعض المدرسين في الفرع الزيتوني بصفاقس في بناء حي يأوي إليه تلاميذ الفرع الزيتوني القادمين من بعض مدن الجنوب التونسي ومن أرياف صفاقس، لتحقيق الفكرة بحثوا عن الأرض فوجدوها في (بورة التركي)، وبحثوا عن مالكها فوجدوها ملكا لعدد من عائلة التركي منهم (أمين الصاغة حسونة التركي)…
عرضوا عليه الفكرة فرحب بها، وقد كان يُقدر العلم والعلماء، عرض الفكرة على المالكين فرحبوا…وانطلقت (لجنة الحي الزيتوني ) في جمع التبرعات والبناء، وماهي إلا سنوات قليلة حتى تم وحضر جناح من جناحي الحي، وتغيرت فكرة بناء الحي للمبيت إلى فكرة بناء الحي للتعليم وإخراج التعليم الزيتوني من الجامع إلى القاعات والسبورة والمقاعد…
وشاءت رياح الخلاف بين بورقيبة وبن يوسف أن تتوجه نحو مبنى الحي الزيتوني وينعقد فيه مؤتمر تاريخي حزبي سياسي يحضره ممثلو الحزب الحر الدستوري التونسي من تونس كلها، وتتمثل فيه المنظمات التونسية، ويستضيف ممثلون من عدد من دول وشعوب العالم…

ودع الدنيا

وفي أواخر السنة الدراسية (1955 ـ 56)، وبإدارة الشيخ أحمد الفراتي ينطلق التعليم الزيتوني في الحي الزيتوني، وأعتقد أن ذلك الأثر الطيب شرف أمين الصاغة حسونة التركي، وشرّف أهله، وفي الآخرة ينال أجره، وقد ودع الدنيا راضيا سنة 1978 مودعا من بناته الفضليات وأحفاده وأهله وأحبابه ومن صفاقس بالرحمة وحسن الذكر…
فبماذا سيذكره الأصدقاء لنزداد به معرفةً وفهما…وأنا أحب أن أفهم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى