محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ علم عاش في صفاقس ثم ودع: الشيخ علي الطرابلسي

كتب: محمد الحبيب السلامي
هذا العلم العالم كان يمكن أن يكتب اسمه فيُسجل بـ بلدية زوارةً من بلديات طرابلس…هذا العلم العالم كان يمكن أن يعيش في طرابلس ولا يعرف صفاقس ولا يعرفه الصفاقسيون ولا تعرفه تونس لولا (الطليان)…
استقر في مجاز الباب
الطليان في أول القرن العشرين، دخل طرابلس، واستعمر بظلمه طرابلس وأهالي طرابلس ففرّ عدد من سكان زوارة بطرابلس وقصدوا تونس، وكل عائلة اختارت مكانا ترتاح فيه وتستقر…صاحبنا العلم العالم اختار، والده محمد الطرابلسي أولا مجاز الباب وهو في مجاز الباب زوجته أنجبت ولدا يوم 10 فيفري 1924، فسماه (علي)…
لما تهيأ للتعلم أدخله أبوه زاوية سيدي الجبالي وفيها تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن، كان باب التعليم الزيتوني مفتوحا لكل من يتقن الكتابة والقراءة ويحفظ القرآن لذلك، دخل صاحبنا التعليم الزيتوني…من السنة الأولى بدأ، وباجتهاده واصل الدراسة، وباجتهاده وحرصه على مواصلة الدروس وقراءة الكتب المتعددةً التي يفرضها برنامج التعليم الزيتوني كان صاحبنا علي ينجح ويشهد له كل مدرس بحضوره الدروس وقراء كتب البرنامج، لذلك وبذلك تحصل على شهادة الأهلية، ثم شهادة التحصيل وشهادة العالمية…
اختار البقاء في تونس
كان الطريق مفتوحا لعودة صاحبنا إلى طرابلس لما استقلت طرابلس، لكنه اختار البقاء في تونس وهو يتمتع بالجنسية التونسية، وفي تونس عليه واجبات هو يحترمها، وله حقوق من حقه أن يتحصل عليها…من هذه الحقوق أن يكون مدرسا في التعليم الزيتوني، وليكون مدرسا يجب أن يشارك في مناظرة وينجح..وهو بكفاءته شارك، ونجح…
في الفرع الزيتوني
وعُيّن مدرّسا معاونا في الفرع الزيتوني للبنات..وفي هذا الفرع تعرف على بنت تونسية من تلميذاته، هي شاذلية الشابي خطبها…تزوجها، وأسكنها في دار استأجرها بنهج القعادين الذي كان له فيه مسكن مع والده، والمسكن الجديد، جهزّه بما تحتاج إليه الأسرة، وعمّره أيضا بالكتب وأمهات الكتب…
فرضت ظروف التعليم الزيتوني أن يُنقل المدرس المعاون علي الطرابلسي إلى صفاقس، وكان التعيين في معهد الهادي شاكر…وفيه كنت ألقاه، وفيه اتفقت معه على تأليف كتاب في التربية الإسلامية للسنة الرابعة ثانوي مع أستاذين آخرين، وتم التأليف ووضع بين أيدي المدرسين والتلاميذ، واقتضت الظروف تنقيحه فنقحناه وأضفنا إليه الهدي القرآني…
نقد لاذع
وفي عهد وزير التربية محمد الصياح سلط عليه النقد من طرف جامعيين لا صلة لهم بالثقافة الدينية فقرر الوزير الصياح حذف الكتاب وما فيه حتى يتم إعداد برنامج آخر، وفي عهد بن علي ظهر العجب والغريب…صاحبنا العالم العلم الشيخ علي الطرابلسي لما دخل صفاقس سبقته شهرته في تقديم دروس للعامة، فاستقبله أهل الفضل، ووفروا له محلا محترما للسكنى في المدينة…
وفي جامع سيدي عبد المولى كان يقدم تعليم القرآن كل ليلة ما بين مغرب وعشاء، وقبل الفجر يقدم درسا في الفقه والحديث، وكثُر الإقبال عليه، وروى عنه واستفاد منه الكثير..
في عهد الاستقلال بعث في رقادة بالقيروان معهد للوعظ والإرشاد، وفيه كُلف بالتدريس يومين في الأسبوع، وليبقى كل ليلة في بيته وبين أسرته، سخر له بعض الفضلاء سيارة تغدو به وتروح من رقادة…
مع عائلته
له ولأسرته اشترى محلا واسعا حوله حديقة كبيرة في طريق قابس، في هذا المحل الطيب كان يأنس بزوجته الطيبة شاذلية الشابي وأولاده، فقد أنجب من البنات آمنة، وأسماء، وخولة، وهالة، ونعمات، وفيهن من كانت أستاذة وقابلة…
كما أنجب شيخنا البنين وهم، محمد الهادي، وزين العابدين وخالد وإسماعيل الذي تحصل على الدكتوراه بها يؤدي رسالة علمية في التعليم العالي، كما كان صاحبنا العلامةً في بيته هذا يستقبل ضيوفه…
جاء أجله
هذا العالم العلم الذي شرف تونس بعلمه وتدريسه للعامة والخاصة لما جاء أجله في الرابع من شهر جوان 1985، ودع الدنيا راضيا مرضيا فودعته زوجته وأولاده وأحبابه وصفاقس في جنازة كبرى، بالرحمة وحسن الذكر فبماذا سيذكره الأصدقاء لنزداد به معرفة وفهما، وأنا أحب أن أفهم؟