محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ علم عاش في صفاقس ثم ودع: الحاج محمد العفاس

كتب: محمد الحبيب السلامي
هذا العلم الصفاقسي في حياته قصص وروايات تفرض عليّ المساحة اختصارها…هذه القصص والروايات مسرحها في دكان بنهج الجامع الكبير بصفاقس…
القصص والروايات تبدأ بولادة طفل في بيت الحلاق سليم العفاس، والولادة كانت في يوم من شهر من سنة 1891 والطفل سماه أبوه محمدا…ومحمد يحبو ويدّب ويكبُر فيُدخله أبوه الزاويةً ليتعلم القراءة والكتابة ويحفظ القرآن الكريم..
البدايات
ومن الزاوية يكتفي بما تعلم فيخرجه أبوه ويضعه في طريق العمل والكسب…والكسب يجب أن يكون كثيرا لا كسب حلاق، والكسب الكثير يأتي بالأيدي الكثيرة، والمال الذي هو الزينة الأولى للحياة الدنيا يأتي به البنون الزينة الثانيةً في الحياةً، والبنون طريق وجودهم الزواج، ولذلك بكر سليم العفاس في تزويج ابنه محمد، اختار له من عائلة عمار زوجة، والزوجة كانت ولودا، أنجبت من البنين والبنات أربعة عشر مولودا، وهم محمود، والطاهر، وأبو بكر، والطيب، وعمر، والمكي، الهادي، محمد، والصادق ،وأحمد، وزهرةً، حبيبة، دوجةً، ومحسونةً…
وبعد وفاة الزوجة عمارة تزوج زوجة من عائلة عباس، فكانت ولودا وأنجبت ،مجيدة ، وآسية، وقمرة، وفضيلةً، ووحيدة، ورشيد وعبد السلام شهر (سليم)…
دخل التجارة
في هذه الأسرة المباركة شجع سليم العفاس ولده على العمل بمساعدة أولاده…وأكتفي بالحديث عن اثنين من الأولاد وهما، المكي وعمر…فمحمد العفاس الذي أدى حجّه وصار يدعى (الحاج محمد) دخل مع ابنه المكي التجارة، والتجارة كانت في الفارينة والسميد يستوردها الحاج محمد من العاصمة ويبيعها للخبازة في صفاقس والجنوب التونسي، ومكان البيع دكان واسع طويل وعريض في نهج البطاطا بباب البحر قرب الكنيسة اليونانية، ويديره المكي العفاس…
وكانت لهم عربات تجرها البغال توصل الفارينة للخبازين، وكان المكي هو المسؤول المباشر في بيع الفارينة وفي جمع التمور من الجريد وبيعها في نفس المحل…ونقف ونستوقف الأصدقاء مع عمر ابن الحاج محمد العفاس، هذا تولى الإشراف على معصرة الزيتون وفلاحة والده التي كثرت ضيعاتها في البر، وكانت في البحر…
وهذا عمر العفاس هو الوحيد من أولاد الحاج محمد العفاس دخل ميدان السياسة، فالحاج محمد عاش وهو بعيد عن السياسة والساسة، لكن حدث وصار وكان تزوج أبوبكر ابن الحاج محمد العفاس بنت عمه (نفيسة)…وتوفي أبوبكر فترملت نفيسة العفاس…
وصادف أن زوجة الزعيم الهادي شاكر توفيت…بحث عن زوجة تدعمه في بيته وفي نضاله فوجد نفيسة العفاس، تزوجها، وعبد اللطيف شاكر تزوج أختها وكان عمر العفاس ابن الحاج محمد متزوجا بأختها، ومن هنا دخلت السياسة بيت الحاج محمد العفاس…
صفحات مشرفة
وسجل التاريخ له صفحات مشرفة: طريفة أولى…يروى أن الحاج سليم العفاس أراد أن يؤدب (عباسة) زوجة ابنه الحاج محمد فجاء لولده الحاج محمد بـ ضرة من تونس وهي بنت سليم الجزيري الوزير المفوض لدى الباي، وبعد أشهر قليلة أمر الوالد ابنه بطلاقها فامتثل وطلقها…هذه الزوجة هي التي تزوجها بعد العدل الشيخ محمود الحشيشة وعيّنه الباي قاضيا على صفاقس..
طريفة ثانية: وقد رويت عن الصيدلي عادل بن المكي العفاس ومحمد بن الناصر العفاس، أن الحاج سليم العفاس فرض على ولده الحاج محمد أن يصب لوالده كل ما يكسبه هو وأولاده، وكان الولد مطيعا…ولذلك تجمعت الثروة في يد الحاج سليم العفاس، الذي واصل الإشراف على دكانه في الحلاقة…فلما قيل له، إن أولادك الآخرين سيرثونك وهم لم يساهموا في تركتك، وهذا ليس من العدل، فكر وقرر أن يوصي بثلث ثروته لأولاد ولده الحاج محمد…
وأعود بكم إلى نهج الجامع الكبير…وإلى مكتب الحاج محمد، فقد كان فيه مكتب للحاج محمد، ويتولى الشؤون المالية والإدارية فيه ذاك الرجل الذي يلبس عمامة وجبة والذي كنت أراه في صغري واليوم عرفت أنه محمود العفاس ابن عم الحاج محمد العفاس كما كان عمر العفاس يجلس على بنك في هذا الدكان ويستقبل أصدقاءه في الحياة والعمل والسياسة…
عاش هذا العلم بارا بوالده، عاملا مشجعا أولاده على العمل والكسب، مساعدا الفقراء والتلاميذ على مواصلة طلب العلم، دون أن يكون بذلك مفاخرا…
وفي الصورة نراه مع أغنياء صفاقس يؤسسون جمعية البر العربية التي سجّل الشرفاء فيها تاريخا…فابحثوا عن صورته تحت الصف الأعلى الذي نرى الواقفين فيه يلبسون الطرابيش…
النهاية
في 24 ديسمبر من سنة 1965،ودع الحاج محمد العفاس الدنيا، فودعه أولاده وأحفاده وأحبابه وصفاقس بالرحمة وحسن الذكر فبماذا سيذكره الأصدقاء لنزداد به معرفة وفهما، وأنا أحب أن أفهم؟