صالون الصريح

محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ علم عاش في صفاقس ثم ودع: أحمد بن الصادق السماوي…

sallami
كتب: محمد الحبيب السلامي

ولد أحمد بن الصادق السماوي في صفاقس في 26 فيفري سنة 1900…وتوفي في 8 أكتوبر سنة 1995…هذا الرجل، هذا الفلاح في حياته صورة عن ضيعات المعمرين في صفاقس، وفي حياته صورة تحكي صلة الفلاح الصفاقسي بالشجرة…

هذا الرجل مسلم متديّن، في صغره حفظ القرآن وواظب على تلاوته، وفهم الدين في أحكامه ومقاصده من الشيوخ: علي الطرابلسي وعبد السلام خليف ومحمد اللحياني…ولذلك حج مرتين…

يحب السفر

كان يحب السفر والاطلاع، فلما حجّ وحط في الطريق بـ روما تجوّل وزار الفاتيكان حبا في الاطلاع…هذا الرجل ابن صفاقس الزيتونة، أحب الزيتونة، وعزم على غرس الزيتونةً…لكن في أرض من يغرسها؟

بحث فوجد المعمرين الفرنسيين قد مكنتهم السلطة الفرنسية من ملكية أراض شاسعة، بعضها أحباس عامة لكن السلطة الفرنسية تكرمت بها على أولادها الذين دخلوا تونس ليستعمروها…والسلطة كانت تشترط على المعمر إحياء الأرض، فبيد من يعمرها؟ بيد التونسي، في صفاقس، بيد الصفاقسي…لكن كيف؟

عقد مغارسة

كان المعمر يقسّم الأرض قطعا، يعطي الصفاقسي قطعة ويعقد معه عقد مغارسة، فإذا أحيا الأرض بأشجار الزيتون وشجر الزيتون أثمر، وشروط العقد استوفاها، يعقد معه عقدا يملكه في منابه…
من هذا الطريق، بواسطة عقد مغارسة عقده صاحبنا أحمد السماوي مع المعمر الفرنسي (بوشي) دخل الفلاحة…وعاش مع الأرض والشجرة سنوات…من أرض المعمر خرج وبيده عقد ملكية (حوازة)، وخرج وقد تعلم وتمهر في فنون رعاية الشجرة…كيف يغرسها، كيف يسقيها ويرويها، كيف يلقمها، كيف يشذبها ويزبرها، كيف يجني ثمارها …
من أرض المعمر خرج فلاحا ماهرا يدعوه أهله وأحبابه من أصحاب البساتين ليرعى شجر البستان بالرعاية التي يحتاج إليها، يدخل البستان بأدواته فلا يخرج منه إلا وقد بعث فيه حياة، كم من بستان رعاه فأضاف إلى أشجاره أشجارا تُعطي ثمارا جديدة، وأعتقد أن كل شجرة وضع يده عليها دعت له بخير، وكل شجرة غرسها في بستان، غرس بها لنفسه شجرة في الجنة…

تأميم ‘هناشر’ المعمرين

وتمر عشرات السنين، ويؤمم بورقيبة هناشر المعمرين، ويصبح هنشير المعمر بوشي ملكا لبلدية صفاقس…وبلدية صفاقس تُجهز قصر بوشي في الهنشير ليسكن فيه بورقيبة ووسيلة عند زيارة صفاقس بعد عرسهما، وفي كل زيارةً…وفي طريق سكرة قصر بوشي مسكن لوالي صفاقس…
وهكذا الدنيا دول…للدرس والعبرةً…صاحبنا أحمد بن الصادق السماوي عمر الأرض بالشجر، وعمر بيته بزوجة فاضلة أنجبت له أولادا ذكورا وإناثا وهم: الهادي التاجر الحزبي المناضل، أحمد، سار في طريق أبيه مدة ثم انضم لأخيه في التجارة…الطيب ،طوى مراحل التعليم الزيتوني وتحصل على شهادة التحصيل التي بها صار معلما ثم مدير مدرسة، وتعلم محمد فكان معلم فرنسيةً، وتخصص الصادق في الهندسة الفنية فوجد مكانه في إذاعة صفاقس، وأحب المختار الكيمياء فكان فيها مهندسا…
وتعلمت سعاد فكانت معلمةً، وتعلمت سامية فكانت أستاذة في التعليم الثانوي ورائدة من روّاد الثقافة، وتزوجت الأستاذ المتميز محمد التركي فأنجبت ذرية ناجحةً….
وهكذا نلاحظ أن الفلاح أحمد بن الصادق السماوي لم يلبس أولاده (كدرون) الفلاحة كما كان يفعل الأجداد وإنما وضع في أيديهم العلم والحرف والقلم …فربحتهم العلوم والمعارف، وخسرتهم الفلاحة..
ولذلك صارت صفاقس اليوم تبحث عن فلاح فلا تجده…ماذا نقول؟

ودع الدنيا

نقول…لما حان أجل صاحبنا الفلاح ودع الدنيا وودعه أولاده وأحفاده وأحبابه وودعته صفاقس والشجرة في صفاقس بالرحمة وحسن الذكر فبماذا سيذكره الأصدقاء لنزداد به معرفة وفهما وأنا أحب أن أفهم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى