محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ أعلام من صفاقس عاشوا فيها ثم ودعوا: الشيخ أحمد دريرة

كتب: محمد الحبيب السلامي
أحمد دريرة ولدته أمه في 21 ديسمبر 1921، فاستقبله أبوه سعيد، وسماه أحمد، ورباه على الإسلام والمذهب المالكي وحب الوطن…ولما بلغ سن الدراسةً، وجهه للزاوية، فحفظ القرآن كما دخل المدارس الابتدائية فزاد علما وتعلما…
إلى التعليم الزيتوني
منه انطلق إلى تونس مع أخيه محمد ودخل التعليم الزيتوني، وبعد سنوات تحصل على شهادة الأهلية التي أهلّته لمواصلة الدراسة بجامع الزيتونة فيتلقى دروسه عن شيوخ مدرسين مشهورين منهم الشيخ محمد البشير النيفر والشيخ محمد الأخوة، والشيخ الشاذلي النيفر، حتى إذا قضى ثلاث سنوات توجت بفوزه بشهادة التحصيل…
انقطع عن الدراسة
ولوفاة والده القارئ اضطر للانقطاع عن الدراسة والبحث عن عمل وطريق للكسب لينفق على العائلة…وجد الطريق في مناظرة انتداب معلمين فشارك ونجح…دخل المدارس معلما بعد أن دخلها متعلما، ومن هذه المدارس مدرسة العباسية المحاذية لجامع سيدي إلياس ومديرها المناضل الشيخ الزيتوني محمد الميلادي…
وفي شرف القيام برسالة التعليم قضى سنوات طويلة، وبروح الوطنية والنضال انضم إلى الحزب الحر الدستوري التونسي بقيادة بورقيبة فكان مع قيادة الحزب بصفاقس التي يديرها الزعيم الهادي شاكر…
نشر رسالة الحزب
فانطلق أحمد دريرة ينشر بلسانه وقدرته على الخطابة رسالة الحزب ودعوته للتضامن والاستعداد للتضحية والكفاح لتحقيق استقلال تونس، لذلك قدرت قيادة الحزب كفاءته وصدق وطنيته فانتخب عضوا في اللجنة المركزية ومثل مع رفقائه صفاقس في الاجتماعات التي تعقدها القيادة في تونس العاصمة….
لما اندلعت الثورة التحريرية سنة 1952، لم يشارك رفاقه في تخريب مؤسسات الفرنسيين ولم يكن عضوا في اللجان السرية، ومع ذلك تم إلقاء القبض عليه ونفيه مع زملائه في الكفاح في تبرسق لأن الشيخ أحمد دريرة كان بلسانه الخطابي قادرا على جمع جموع الوطنيين ودفعها للمظاهرات والاحتجاجات وبذل الأرواح دفاعا عن حقوق الوطن…
لما قتل الزعيم الهادي شاكر واستقلت تونس، حدث فراغ في قيادة الحزب بصفاقس، فوقعت خلافات وانقسامات أدت إلى اتهامات كان الشيخ أحمد دريرة عضوا في مسرحيتها التي انتهت برجوع الرفاق إلى الواجب الوطني الحزبي…وأخذ كل واحد المسؤولية، التي كان قادرا على أدائها…لذلك انتخب الشيخ أحمد دريرةً عضوا في المجلس التأسيسى لإعداد دستور للبلاد…
وبروح الإسلام في الشيخ دريرة وصراحته كان مع النائب الشيخ الشاذلي النيفر مطالبا التنصيص في الفصل الأول من الدستور على أن تونس دولة عربية إسلامية، ولما اشتد الخلاف بين النوّاب تدّخل بورقيبة واقترح أن ينص الفصل الأول على أن تونس دولة لغتها العربية ودينها الإسلام….
بعد المرحلة النيابية كُلف الشيخ دريرةً بمسؤوليات إدارية بإدارة الحزب وبالتوجيه وقد التقيت به في جندوبة لما جاء ليلقي محاضرة فيها وفي سوق الخميس..ثم كُلف بالشؤون الدينية في الوزارة الأولى، ولما أثبت كفاءته وقع التفكير في تعيينه كاتب دولة للشؤون الدينية لكن المسؤولين عدلوا عن ذلك فدُعي لإدارة الإذاعة والتلفزة يُشرف على مراجعة الإنتاج الديني واللغوي بعد وفاة الشيخ المدرس محمد اللقاني الذي كان يؤدي تلك الرسالة…
ويظهر أنه أحس بالشيخوخة تُسرع إليه وتنشر مظاهرها في شاربه ولحيته، حرر نفسه من المسؤوليات الحزبية والإدارية وانتصب في جامع الزيتونة واعظا دينيا معرّفا الذين يتحلقون أمامه بالفقه الإسلامي على مذهب مالك…
ودع الدنيا
لما حان أجله ودع الدنيا بنفس مطمئنة، وودعه أحبابه بالرحمة وحسن الذكر…فبماذا سيذكره الأصدقاء وماذا سيضيفون لينالوا من الله الأجر ومني الشكر وعطر التحيةً؟…
من منكم يذكر ويتذكر الشيخ أحمد دريرة المثقف الذي تحمّل مسؤوليات في الجمعيات الثقافية الزيتونية ومنها جمعية الاتحاد الصفاقسي الزيتوني التي دعم مكتبتها بضم مكتبة التلميذ الزيتوني إليها، ودعمها بمحاضراته، وشجع خليتها المسرحية، ووجه روّادها للحركة الوطنية ولذلك عاقبها المستعمر في فترة بإغلاق أبوابها؟ مَن مِن الأصدقاء مَن يذكر ذلك؟
فأنا أحب أن أفهم…