محاضرة في بنزرت: حين يطبق ‘طوفان الأقصى’ على ثنائية فكّ الاعتراف وقضم الأرض

مواكبة: الأمين الشابي
ختاما لاحتفالية يوم القدس ببنزرت، احتضن المركب الثقافي الشيخ ادريس ببنزرت، ليلة أمس السبت 6 أفريل 2024، محاضرة قيّمة قدّمها الأستاذ صلاح المصري، رئيس الرابطة التونسية للتسامح وذلك بعنوان ” طوفان الأقصى وتطور العزلة الدولية للكيان” وتابعها جمع طيب من الحضور.
وقد اخترنا عنوانا لتغطية هذه المحاضرة يقول ” حين يطبق طوفان الأقصى على الثنائية الاسرائيلية القائمة على ” فكّ الاعتراف وقضم الأرض ” لأنّ مضمون هذه المحاضرة يدور في مجمله حول تفكيك هذين العنصرين في المقاربة الصهيونية لتثبيت ” دولتها ” و الاعتراف بها عبر المزيد من قضم الأرض الفلسطينية و فكّ الاعتراف الدولي.
وذلك عبر آليات و محطات تاريخية، منها شراء الأراضي عبر شركات عربية وهمية و عبر آلية التطبيع. ولكن قبل بدء المحاضرة تلا على مسامع الحضور السيد منجي الطياشي، ما تيسر من آيات بيّنات من القرآن الكريم، ليفسح المجال لاحقا للسيد محمد علي خميلة، رئيس فرع بنزرت للرابطة التونسية للتسامح لوضع هذه الاحتفالية في إطارها ويقدم الخطوط العريضة للنضال الفلسطيني من أجل نيل حريته على غرار بقية دول العالم ليحيل الكلمة تباعا للأستاذ صلاح المصري لإلقاء المحاضرة.
المحطات الكبرى لتثبيت الكيان
حسب المحاضر، الأستاذ صلاح المصري، فإن الكيان الصهيوني و لتثبيت ” دولته ” انطلق من وعد بلفور مستغلا في ذلك أيضا ” الهولوكوست ” ابتزازا واستغلالا وانتهازية و واضعا على كلّ دول العالم دينا عليها دفعه اعتبارا للمحرقة التي كان ضحيتها اليهود، مرورا بترويج المزيد من الأكاذيب و السرديات على غرار مقولة ” أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ” و وصولا إلى أن الاحتلال البريطاني سنة 1921 هو من مهّد و هيّأ لهذا الكيان تثبيته على الأراضي الفلسطينية. ليتضح بعدها وأنّ الثنائية التي تقوم عليها الصهيونية في تثبيت ” دولتها ” وهما فكّ الاعتراف و قضم الأرض.
ولتفكيك هذه الثنائية الصهيونية، توقف المحاضر، عند بعض المحطات التي ساهمت في تثبيت هذا الكيان على الأراضي العربية ولعلّ أهمّها تتمثّل في:
اتفاقية كامب ديفيد:
وهي عبارة عن اتفاقية سلام بين مصر و الكيان الصهيوني ( 1977 ) و هي ضربة موجعة لفلسطين باعتبار و أنّ هذه الاتفاقية أخرجت أهم دولة عربية من الصراع العربي الصهيوني و كبّلته. وبالتالي كلّ اعتراف عربي بالكيان الصهيوني له أثاره، لا في تمدد الاعتراف بالكيان إلى كيانات عربية أخرى بل وفي دفع الكيان للمزيد من العربدة بالعالم العربي وما اجتياحه للبنان سنة 1982 وإخراج السلطة الفلسطينية من لبنان وتهجيرها إلى تونس فضلا عن المجازر التي ارتكبها الكيان في حق المخيمات الفلسطينية بلبنان (صبرا و شتيلا) و محاولة تفتيت لبنان إلى ‘كنتونات’ الكل يحارب الكل. وقد استفاد الكيان الصهيوني من اتفاقية كامب ديفيد أن اطمأن أيضا على كل حدوده الغربية مع مصر.
اتفاقية أوسلو :
اتفاقية أوسلو (1991) التي تمّ ابرامها، في عهد الراحل ياسر عرفات، كانت بمثابة الاعتراف من قبل السلطة الفلسطينية لمزيد قضم الأراضي الفلسطينية من قبل الكيان الصهيوني إلى درجة أن حاز الكيان على 80 بالمئة من الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى حقه في البعض من الضفة الغربية وذلك باعتراف السلطة الفلسطينية التي لم يبق لها منها إلى بنسبة 20 بالمئة بل وبعض المناطق الأخرى تدار بالتنسيق من قبل الطرفين. و هو ما يعرف اصطلاحا بالمناطق أ و ب و ج ).
ومن نتائج أوسلو أيضا أن جنى الكيان الصهيوني المزيد من الاعتراف الدولي على غرار الهند وغيرها من الدول، ولكن بعد سنوات اتضح وأنّ اتفاقية كامب ديفيد ليست إلاّ انتكاسة جديدة للفلسطينيين. ورغم كلّ ذلك أثبت المقاومة وأنّها قادرة على فعل المزيد، حيث تمكنت من طرد المارينز والوجود الأمريكي من لبنان بل وكللت المقاومة بثورة الحجارة التي كذبت السردية الصهيونية القائلة ” أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ”
هذا فضلا عن بروز العديد من المنظمات الدولية لتثبيت وجود الكيان على الأراضي الفلسطينية والمنطقة العربية، برزت العديد من المنظمات التي تعمل من أجل تحقيق هذا الهدف من أجل فكّ المزيد من الاعتراف الدولي بهذا الكيان وتقديمه للعالم بكونه ليس عدوا لا للعرب ولا لغير العرب بل يمكن التعامل معه بعد الاعتراف به وكل ذلك على حساب القضية الفلسطينية من أجل طمس وجودها نهائيا.
اتفاقية ابراهام:
هذه الاتفاقية تأتي تتويجا لكل الاتفاقيات السابقة من أجل وأد القضية الفلسطينية وطمسها من الوجود نهائيا وليصبح الوجود الفلسطيني عبارة عن مواطنين سيتم إيجاد حلّ لهم لاحقا، سواء بالتوطين في دول أخرى أو كلاجئين موزعين على بعض الدول. اتفاقية ابراهام أو الكونفيدرالية الابراهيمية أو الديانة الجديدة كلّها عناوين لتحقيق هدف واحد هو القضاء نهائيا على القضية الفلسطينية وتثبيت الكيان الصهيوني ” كدولة” باعتراف كل العالم وكلّ الديانات السماوية. ولكلّ ذلك ترتكز هذه الاتفاقية الابراهيمية على أن تجمع بين المسلمين واليهود والمسيحيين. وهي عبارة على كيان ديني في ظاهره سياسي في باطنه دون الاتحاد، وبالتالي هذه الاتفاقية هي عبارة على شبكة دولية بين إسرائيل ومحيطها العربي. وهو ما تعمل أمريكا والكيان على الترويج له خاصة لدى دول الخليج. ابتداء من العربية السعودية، بالنّظر إلى ثقلها الديني والاقتصادي، وذلك بالاعتماد على ما يعرف بالدبلوماسية الروحية، حيث يكون لرجال الدين من المسلمين واليهود والمسيحيين القيادة والكلمة الفصل. وكأنهم بذلك ابتدعوا ديانة جديدة أطلق عليها ” الديانة الابراهيمية ” ولكن المقاومة التقفت هذا التوجه الخطير وما يطبخ من مصائب ومكائد لوأد القضية الفلسطينية وطمس هويتها ـ فكان الرّد الحاسم عبر طوفان الأقصى.
طوفان الأقصى
طوفان الأقصى، جاء ردّا على ما تطبخه ” إسرائيل ” بمعاضدة غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء القضية الفلسطينية وطمس هويتها عبر كلّ هذه المحطات التاريخية السابقة ولعلّ أخطر الاتفاقية الابراهيمية أو الكنفيدرالية الابراهيمية. وعليه كان موعد 7 أكتوبر 2023 نسفا لكل هذه الأطروحات للقضاء على القضية الفلسطينية ومسحها من الوجود. حيث حاول الكيان الصهيوني ومن ورائه الغرب الحاق صفة الإرهاب بالمقاومة المقاومة في أول تصريح للقادة الصهاينة وتصوير ما تمّ على أنّه اعتداء على ” دولة إسرائيل ” من قبل إرهابيين. وهذه السردية الصهيونية تتداعى لها كلّ الغرب وصدقها. وكانت من نتائجها أن أغدق على الكيان كلّ الدعم بالمال والسلاح والعدّة والعتاد، فضلا عن الزيارات المكوكية للمسؤولين الغربيين ولعلّ على رأسهم “بايدن” الرئيس الأمريكي. ولكن الصمود الأسطوري الفلسطيني، رغم ما لحقهم من أذى وتقتيل وهدم البيوت على رؤوسهم، لم يستسلموا لهدف تهجيرهم بل تحمّلوا واستبسلوا رغم كل ما لحقهم من أذى. وكان هذا الصمود الأسطوري بمثابة الزلزال الذي هز، لا الكيان الصهيوني فحسب، بل وكذلك الغرب الرسمي. واتّضح أيضا وأنّ الحرب على قطاع غزّة ليست نزهة كما اعتقد الكيان الصهيوني ومن لفّ لفّه. بل اتضح وأنّه أمام استبسال وصمود المقاومة وقدرتها على التصدي للعدو الصهيوني، ومن ورائه الغرب، وما ألحقته من خسائر في صفوفه، يؤكد وأنّ المقاومة قادرة على كسر هذه الثنائية الصهيونية القائمة على الاعتراف الدولي ومزيد من قضم الأرض على حساب الفلسطينيين. وهذا ما حصل فقد تمكنت المقاومة الفلسطينية من الولوج إلى الأراضي الفلسطينية ولو لساعات معدودة وأوقفت هدف تهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة. وبالتالي انقلب السحر على الساحر. و هذا الانقلاب تجسّد في كشف ما يحاول العدو الصهيوني تمريره من أكاذيب على أن المقاومة إرهابية بل ليجد نفسه ( الكيان الصهيوني ) في موقف المتهم بالإبادة الجماعية. وما تبع ذلك من مواقف دولية مؤيدة للقضية الفلسطينية ولعلّ أهمها الشكاية التي قدمتها دولة جنوب أفريقيا وتجميد بعض الدول لعلاقاتها مع الكيان الصهيوني وطرد سفرائه، وافتضاح أمر هذا الكيان أمام كلّ شعوب العالم بكونه كيانا محتلا ومجرما وعنصريا ومتعطشا للدماء وكاذبا.
حوار عميق وبنّاء وموضوعي:
لأهمية موضوع المحاضرة أخذ الكلمة حوالي 10 أشخاص من الحضور. وقد تمحورت أهم مداخلاتهم حول وأنّ ما حققه ” طوفان الأقصى ” هو بصيص من الأمل واختراق في مواجهة الصهيونية العالمية خاصة في ظل خذلان عربي رسمي للقضية الفلسطينية. إضافة إلى أنّه علينا الانتظار لعقود لحلّ هذه المعضلة الكبيرة وذلك عبر تغيير مناهج التعليم والتنصيص على القضية الفلسطينية فيها، حتى تصبح القضية قضية كل الأجيال باعتبار وأن العدو يعمل على مسح الذاكرة من عقول الأجيال القادمة وعبر كل الوسائل. وعدم وضع القضية الفلسطينية في إطار قومية معينة أو دين أو أيديولوجية بل لابدّ من وضعها في اطارها الإنساني الأوسع. ليضاف إلى كل هذه الأفكار أن طوفان الأقصى أقرّ العديد من الحقائق، و هي في كلمات معدودة، وأنّ النّصر آت لا ريب فيه…
فضلا عن سقوط أقنعة الكيان الصهيوني التي كان يتجمّل من ورائها بل انكشاف حقيقته على أنّه ليس القوّة التي لا تقهر، و أنّ الأنظمة العربية لا خير يرجى منها و أنّ الغرب الذي يدّعي الديمقراطية و العدالة و حقوق الإنسان هو غرب مخادع وكاذب و متصهين حتى لا نقول أكثر صهيونية من الصهاينة أنفسهم.