فنون

في عرض ‘خارج عن السيطرة’: غابت الكلمة وحضر الجسد..فكان التعبير أكثر جمالية وحرّية

واكبت ‘الصريح أون لاين’ عرضا، لا ندري كيف نسميه، هل هو عرض مسرحي صامت وقد غابت فيه الكلمة تماما، أم هو عرض كوريغرافيا بامتياز، باعتبار و أنّ الجسد في هذا العرض هو الآمر و الناهي..

وهو المخاطب و المتكلم ـ إلى درجة أنّ المتقبل لاذ بالصمت ـ وجعل جسده يتفاعل مع أجساد من هم على خشبة الركح، والتي كانت في حراك مستمر، لا تعرف الهدوء ولا التوقف طيلة أكثر من ساعة من الزمن…

مراقبة الأجساد

ولم يبق للمشاهد إلا مراقبة هذه الأجساد، في صمت رهيب، هذه الأجساد، النازلة والصاعدة والثائرة والمتحركة في كلّ الاتجاهات، و هي تتلوّى يمنة و يسرة و كأنّها تصرخ بالصمت و تتألّم بلا رجع صدى آهاتها. هذه الأجساد المتعبة كأنّها تروي لنا حكايتها مع الزمن الغابر و مع الأحداث و مع الأزمات التي أدمت هذه الأجساد إلى درجة أن الصمت كان سيد الموقف و اطلاق الجسد ليعبّر بدلا عنها بما تشعر به من وجيعة، والتي تقرّ بعجز الكلمات عن التعبير عنها و إيصال آلامها للآخر..

ركح متحرّك

كلّ ذلك كان في عرض ‘خارج عن السيطرة’ وهو بالفعل كان خارجا عن السيطرة. فلا الأجساد هدأت عن الحراك و لا عدسات المصورين قدرت أن تأخذه لها صورة لعدم استقرارها، فالركح كلّه يتحرك.. و الموسيقى زادت هذا الحراك الجسدي ايقاعا على إيقاع، و الإضاءة شبه الخافتة هي موحية بمعق المأساة لهذه الأجساد الشديدة الحراك.

‘خارج عن السيطرة’ هو عرض أجزم أنّه عرض كوريغرافيا بامتياز تمّ تقديمه في نطاق الدورة الثامنة لمهرجان الجيلاني الكبير و الذي يحمل اسم ” دورة الفنان المسرحي لطفي التركي”.
هذا العرض، الذي يروي بالجسد حادثة انفجار لعبوات من الغاز بأحد المصانع و ما تسبب فيه من حالة الهلع والخوف من حصول كارثة بين سكان تلك المنطقة، ممّا دفع بالسكان لمغادرة مساكنهم…
فكان هذا العمل للتعبير، عبر الجسد، عن تلك الكارثة، التي عاشها السكان وهم بين الرثاء و الحزن و بين الأمل و الحلم والتعب، عمّا عجز اللسان عن وصفه من مأساة، عبّرت الأجسام عن ذلك في هذا العمل، وهو من اخراج و كوريغرافيا المبدعة آمال العويني وبمشاركة فنّية لحليمة عيساوي و أداء كل من قيس بولعراس و آدم عمري و آمال العويني و إضاءة صبري العتروس وموسيقى أسامة السعيدي وصور فيديو لعبد القادر القارشي.

جدير بالمشاهدة

في كلمة، هو عمل جادّ وجدير بالمشاهدة حيث عبّرت الأجساد عن عمق المأساة و تفوقت كثيرا عن تعبير اللسان ووصف الكلمات و ربّ حال أفصح من لسان…
فشكرا لكل المبدعات و المبدعين على هذا العرض الجميل، و شكرا أيضا نرفعها للسيد محمد بشير القمودي، مدير المركب الثقافي الشيخ ادريس ببنزرت الذي احتضن هذا العرض.
مواكبة: الأمين الشابي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى