صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب/ منارات مغاربية على ضفاف السّين: مالك حدّاد

كتب: عيسى البكوش

” أن تكون إنسانا فهذا لا يعني شيئا، أمّا أن تكون إنسانيّا ـ وهو أصعب ـ فهذا هو الأساسي”.
 مالك حدّاد

منارتنا هذه أشرقت أنوارها في شرق الجزائر وبالتحديد في قسنطينة يوم الخامس من جويلية من عام 1927 حيث ولد لسليمان الحدّاد هذا المعلّم أصيل منطقة القبائل ابن سمّي مالك حدّاد سيصبح له شأن في العالم الفرنكوفوني في مجال الأدب.

مالك حدّاد تمكّن من اللغة الفرنسيّة حتى تمكنت من روحه.
يقول: ” إنّ المدرسة الاستعمارية إنّما تستعمر الروح ولذلك فهي ـ أي المدرسة ـ تحول دائما بيني وبين ماضي”.
ويقول أيضا عندما كان في المهجر: ” أكثر ما يباعد بيني وبين موطني ليس المتوسط بل اللغة الفرنسيّة”.
انخرط بعد تحصيله على شهادة الباكالوريا في كلية الحقوق بمدينة Aix-en Provence  وعمل لمدة قصيرة في سلك التعليم في شعبة الفلسفة ولكنه سرعان ما انقطع عن التعليم فيها وانصرف للعمل كعامل فلاحي صحبة مواطنه كاتب ياسين في مراعي Camargue جنوب فرنسا

ساهم في معركة التحرير

انخرط في معركة التحرير من خلال إسهاماته بالعلم في مجلات عدّة مثل Entretiens و Progrès و Confluent و Lettres Françaises.
في باريس عمل بالإذاعة ثم انطلق في مسيرته الإبداعية منصهرا في ذات الوقت في النضال من أجل استرجاع الجزائر لحقوقها المسلوبة منذ عام 1830، فاشتغل في مهمّات عدّة لجبهة التحرير في القارات الثلاث: في القاهرة وفي تونس وفي لوزان وفي موسكو وفي الهند.
في باريس وفي سنة 1956 أصدر ديوانه المصيبة في خطر Le malheur en danger عند la Nef وفيه يبث ما يختلج بداخله من مشاعر الحنين تحو بلده المغتصب.
ثمّ يصدر روايته الأولى عام 1958 ” الانطباع الآخر ” La dernière impression عند Julliard ..
ثمّ روايته الثانية : سوف أهديك غزالة Je t’offrirai une gazelle سنة 1959 عند Julliard
ثمّ التلميذ والدرس L’ élève et le leçon سنة 1960 عند Julliard أيضا
Le quai aux fleurs ne répond plus سنة 1961 عند Julliard
وعند الاستقلال عاد إلى قسنطينة ليدير الصفحة الثقافية للجريدة اليومية النصر من 1965 إلى 1968 ثم التحق بوزارة الإعلام والثقافة حيث سمّي مديرا للثقافة فنظّم الملتقى الثقافي الوطني الأوّل سنة 1968 ثمّ المهرجان الثقافي الإفريقي الأوّل سنة 1969.
وفي نفس السنة بعث جائزة رضا حوحو لأفضل إنتاج أدبي للشباب.
ثمّ بعث مجلّة ” وعود ” Promesses
سنة 1974 سمّي كاتبا عامّا لاتحاد الكتاب الجزائريين وأدار بتلك الصفة المؤتمر العاشر للأدباء والكتاب العرب في أفريل 1975
وفي أواخر السبعينات كلّف بالإشراف على تحرير ” المجاهد ” الثقافي.    

نساء جزائريات

أنجز سنة 1967 ألوما للصور خصّصه للنساء الجزائريات وقع نشره من طرف وزارة الإعلام.
كان يقول: إنّما الكاتب هو نتاج التاريخ أكثر مما هو نتاج للجغرافيا”
نحن نكتب الفرنسية ، نحن لا نكتب بالفرنسية Nous écrivons le français, nous n’écrivons pas en français
تلك هي مأساة اللغة عند مالك حدّاد  
كان شديد التألّم لعدم تمكنه من إلقاء محاضرته باللغة العربية في سوريا في صائفة عام 1961 حول “الكاتب الجزائري ومسألة الحريّة”
فلمّا رأى تلك الحيرة على وجه الكاتب الجزائري الشاعر السوري سليمان العيسى أهداه هذه القصيدة:
” سأكتب عنك بالجمر
سأكتب عنك بالعربية العطشى إلى النار
سأكتب لك يا مالك
سأعجل بالحروف الخضر كلّ عطاش آمالك
سأكتب عنك أنشودة بالأوراس ترنّ بأحرف القرآن”
ورغم ذلك فإنّ مالك حدّاد يقول: ” إنّ اللغة الفرنسية إنّما هي وسيلة رهيبة للتحرّر أنا أوّل ما نطقت بعبارة الاستقلال كان بالفرنسية.
في كتابه “الانطباع الآخر” التي تدور أحداثه في مدينة قسنطينة هو يستحضر الشيخ عبد الحميد بن باديس وجسر سيدي راشد وجبل وحش.
وفي روايته “التلميذ والدرس” يتحدّث عن امرأتين الأولى جرمين الفرنسية والثانية سعدية الجزائرية كذلك الشأن بالنسبة لرواية ” رصيف الزهور لا يجيب ” هنالك مونيك الأجنبية ووريدة الوطنية.
وما دمنا نتحدّث عن المرأة، ففي الانطباع الأخير هنالك امرأة واحدة هي Lucie  وفي ” سوف أهديك غزالة” هناك امرأة واحدة أيضا وهي Giselle Duroc ولكن الخيط الناظم بين كل هاته النسوة هو التمزّق الذي يضع حبّ أبطال الروايات بين المعشوقة والوطن.
ذلك هو حال خالد في رواية ” الرصيف ” وسعيد في ” الانطباع الأخير” والكاتب نفسه أي مالك في ” سوف أهديك غزالة ” والدكتور إيدير في ” التلميذ والدرس”.

تمزّق مالك

ويرجع النقاد هذا التمزّق إلى تمزّق مالك نفسه بين لغتين، بين ثقافتين، بين نمطين للعيش: الجزائري والأوروبي.
ورغم ذلك فلقد كان مالك حداد يرنو إلى التفاؤل والأمل. يقول في آخر رواياته “في الرصيف” : ” الأمل هو الدفاع الذاتي”.
كتاباته تحوم حول السعادة والالتزام، حبّ الوطن ، الصداقة ، المنفى ، الموت
تدرّس مدوّنته في جميع أنحاء العالم، ففي جامعة Princeton   في نيوجيرسي هي مبرمجة في نطاق الدراسات الأدبية المغاربية تحت عنوان : ” أدب واستعمار “.
روايته الأولى الصادرة سنة 1958 ” الانطباع الأخير” وقع حضرها من طرف الجنرال ماسو نظرا لما تحتويه من كتابة تعكّر به ” صفو النظام العام وتنتهك حرمة التراب الجزائري”.
وقعت ترجمة آثاره إلى عديد اللغات الإيطالية والصينية والروسية والإسبانية.
ترك مالك حداد ثلاثة أعمال مخطوطة وهي:
• ديوان Les premiers froids
• La fin des majuscules
• La légende de Salah Bey وهو عمل غير مكتمل
• رواية غير تامة Un Wagon sur une île
• أحاديث الأربعين Les propos de la quarantaine
جمعه لقاء مع محمد عزيزة في مجلة جون أفريك عام 1964 في عددها رقم 210 حول: أي مسرح للمغرب العربي؟
ورد ذكره في كلّ الأنطولوجيات وخاصة أنطولوجيا Atlas Maroc للكتاب المغاربيين باللغة الفرنسية الصادر سنة 1985.

الأثر الأكاديمي

تناولت الجامعية حليمة بن مريقي تحليل أعمال مالك حداد من خلال عناوينها للتحصيل على شهادة الماجستير سنة 2005 في قسم الفرنسية من جامعة باتنة.
ولكن أهم مرجع في النقد والتعريف بأدب مالك حداد إنما هو الأثر الأكاديمي الذي نال بواسطته مواطننا الشاعر والجامعي الطاهر البكري الذي ترجم له سابقا والذي عنون أطروحته التي ناقشها عام 1981 بجامعة باريس ” من أجل شعرية للأدب المغاربي باللغة الفرنسية: بحوث في المدونة الروائية لمالك حداد” وقد تناول فيها البكري بالتحليل محاور الكتابة عند مالك حداد من خلال رواياته الأربع.
ولقد أعادت دار النشر Media plus نشر ثلاثة من هاته الأعمال وهي التلميذ والدرس، ورصيف الزهور لا يجيب، وسوف أهديك غزالة، وذلك بمناسبة مرور 30 عاما على وفاة مالك. ولقد قدّم لهذه الطبعة الجديدة مولود عاشور ونجمة بن عاشور وياسمينة خضرا الذي قال في تقديمه لسوف أهديك غزالة: ” أنا من أتباع مالك”.

رسائل مالك حدّاد

يقول عنه ألبار ممّي ” بأنه رجل حصيف ومدونته الروائية إنما هي عبارة عن أنشودة وهبها للوطن”.
كان يقول على لسان البطل خالد بن طوبال : ” إنّما الجزائر هي أمّي”.
في “رصيف الزهور لا يجيب” : وأنا لا أجزم أنّ فرنسا يمكن أن تصبح أختا لأمّي. بين الاثنين ليس هناك دم مشترك بل هناك دم بالاشتراك: il n’ya pas de sang commun, mais du sang en commun
 أنا أرغب في أن تستنشق أمّي رائحة الزهر مثلما تستنشق أمّك رائحة الخزامى وهي حرّة وسيّدة في مطبخها… أنا أتمنى أن تقول أمّك أنها تتوق لمعرفة أشياء كثيرة من طرف أمّي فإنّ أمّي قد أصابها من أمّك أكثر ممّا أصاب أمّك من أمّي.
أنا لا أجزم أن ترسل أمّي إلى أمّك بطاقات بريدية بسيطة ولكنها رائعة تحمل كلمات بالعربية وبالفرنسية:
” أحلى القبلات كلّ شيء على أحسن ما يرام “
تلك هي رسالة مالك حدّاد من وراء الاختلاف: الأنسنة والإخاء وما عدا ذلك فصلف وافتراء”.  
توفي مالك حداد يوم 02 جوان 1978 في المستشفى الجامعي مصطفى بالجزائر العاصمة محاطا بزوجته زهية وبابنه نظيم وبعض الأصدقاء.
” أنظر يا صديقي إلى الجبل وحقق حلمي
أنا ذاهب لأوارى تراب الجزائر “

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى