صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب: محمد الأصرم (1866-1925)/ ذو الرئاستين : الخلدونية وقدماء الصادقية

issa bakouche
كتب: عيسى البكوش

أن تترأس جمعية واحدة فذلك شأن خطير، أمّا أن تترأّس في آن جمعيتي بمثل الخلدونية وقدماء الصادقية فذلك شأن أخطر..

وهو بالذات ما أقدم عليه المربّي المصلح محمد الأصرم المولود بمدينة تونس في 23 نوفمبر 1866، فصحّ فيه القول ذو الرئاستين على غرار ذي الوزارتين. ولقد قيل هذا في الكاتب الأندلسي لسان الدين ابن الخطيب (1313-1374) وقلتها في رثاء المنعّم الحبيب بولعراس (1933-2014) Deux vizirs en un بمجلة Jeune Afrique عدد 14 أفريل 2014.

الوزارتان: الأولى هي وزارة القلم وهي كما هو معلوم دائمة أما الثانية فهي الوزارة الحكومية وهي كما هو مألوف زائلة فما أعجب إلاّ من راغب فيها بازدياد، مع الاعتذار لشاعر المعرّة أبي العلاء.

التحق بالصادقية

التحق مترجمنا المنعّم محمد الأصرم بـ المدرسة الصادقية سنة 1871 ولكنه كان يراوح بين تلقي الدروس في هذه القلعة التي أنشأها خير الدين وبين الدروس بالجامع الأعظم وهو ما كان يسمح به نظام الصادقية.
ثمّ وقع الاختيار عليه للانضمام للبعثة الطلابية الثانية الموجهة لفرنسا سنة 1880 حيث أحرز عام 1884 على شهادة ختم الدروس بدار المعلمين العليا وشهادة الكفاءة لتعليم اللغات الحيّة، ثمّ عاد إلى الوطن حيث عيّن أستاذا في قسم إعداد المعلمين التابع للمدرسة العلوية، ولكن سرعان ما شطر وجهه للوظيفة العمومية فشغل خطّة مدير للغابات، وذلك إلى حدود سنة 1911 ولكن عاوده الحنين للتدريس فعُيّن أستاذا بالمدرسة العليا للغات والآداب العربية ثمّ انتدب سنة 1914 لتدريس مادة الترجمة بالمدرسة الصادقية ولقد تتلمّذ إليه حينذاك الشاب الحبيب بورقيبة.

نشاط متنّوع

إلى جانب ذلك كان لـ محمد الأصرم نشاط ثقافي واجتماعي متنوع فلقد عيّن سنة 1921 عضوا في مجلس إدارة الأوقاف ولكن قبل ذلك فقد ساهم في تأسيس جريدة الحاضرة وجريدة التونسي سنة 1881.
ثم وهنا تبدأ مرحلة الذروة في حياة الرجل فلقد كان له شرف تأسيس الجمعية الخلدونية سنة 1896 إلى جانب المصلح البشير صفر (1865-1917).
ثم انتخب رئيسا لها عام 1900 واستمر في رئاستها إلى سنة 1909 ثمّ عاد إلى رئاستها عام 1924 ولقد سبق أن انتخب سنة قبلها إلى 1923 رئيسا لجمعية قدماء الصادقية التي بعثت على أيدي الأخوين باش حانبه عام 1905.
وهكذا جمع بين هاتين الجمعيتين الرائدتين ومن قبل ذلك فقد تحمّل سنة 1920 وزر جمعية التمثيل العربي التي انجرّت عن الوحدة بين الجمعيتين العريقتين الشهامة والآداب.
كما أنّ لمترجمنا عديد المساهمات في مؤتمرات دوليّة كمؤتمر المستشرقين المنعقد في الجزائر عام 1905 ومؤتمري شمال إفريقيا المنعقدين الأوّل في مرسيليا سنة 1906 والثاني في باريس سنة 1908 وقدّم خلالهما دراستين حول البلاد التونسية، كما أنّه نقل إلى الفرنسية مؤلفين: “المشرّع الملكي في سلطنة أولاد حسين بن علي التركي” لمحمّد الصغير بن يوسف الصادر في طبعة جديدة سنة 1978 عن دار بوسلامة، و”الرحلة إلى البلاد السنوسيّة”.
كما أصدر كتابا بالفرنسية عن جمعية الخلدونية.

كياسة فائقة

يقول عنه الصادق الزمرلي في كتابه “أعلام تونسيّون” من تعريب أستاذنا المنعّم حمادي الساحلي: “كان يتمتع بكياسة فائقة وتواضع طبيعي وثقافة واسعة وممّا لا شكّ فيه أنّ اضطلاعه بمهمّة التدريس بالمدرسة الصادقية قد أغدق عليه أكبر نعمة عرفها في حياته”.
توفي رحمه الله في 16 مارس 1925
مع العِلْمِ أنّ العَلَمَ الذي يحمل نفس الاسم “محمد الأصرمّ (1883-1961) هو أحد مؤسسي الرشيدية عام 1934 ومديرها الفني وقد خصّه الصديق فتحي زغندة بكتاب نشرته الدار العربية للكتاب سنة 2001 يحمل عنوان: “شذرات متفرقة في فنّ الموسيقى”. كما وردت ترجمته في كتاب ” نشأة الرشيدية” من تأليف الصديق المختار المستيسر سنة 2015.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى