صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب: مائة عام على تأسيس جامعة عموم العملة التونسيين بمساهمة الطاهر الحدّاد

ISSA BACCOUCH
كتب: عيسى البكوش

غالبا ما يختزل البعض منّا شخصية الطاهر الحداد في كتابه الحدث “امرأتنا في الشريعة والمجتمع” الصادر عام 1930، واعتباره رائدا أوّلا في مجال تحرير المرأة، وكثيرا ما نغفل عن دوره الحاسم في إذكاء وقود الحركة النقابية في بلادنا…

واليوم وقد مرّت في مثل هذا الشهر وفي اليوم الثالث منه مائة عام على بعث أوّل تنظيم نقابي تونسي يجدر بنا أن نردّ القوس إلى باريها…

تعنّت المستعمر

لقد ولد الطاهر الحدّاد في مدينة تونس عام 1899 وهو من عائلة تنحدر من الحامّة بالجنوب ونشأ في بيئة سمتها تعنّت المستعمر وهمجية الغلاة وذلك خلال الثلث الأوّل من القرن العشرين، ولقد توّجت هاته الفترة بـ الاحتفال الصاخب بمئوية احتلال الجزائر وخمسينية الحماية والذي عدّ بمثابة الحرب الصليبية التاسعة بعد أن فشلت الثامنة هنا في هذه الديار منذ سبعة قرون وقتل ملك فرنسا لويس التاسع قبل أن يقع تقديسه وهو المهزوم!

هبّة شعب

لكن وبالمقابل فقد هبّ الشعب في نفس تلك الفترة إلى التعبير بمختلف التمظهرات عن استنكاره لهذا المستعمر بدءا بمعركة الجلاز يوم 7 نوفمبر 1911 إلى مقاطعة الترنفاي عام 1912 إلى مناهضة قانون التجنيس الصادر في 20 مارس 1923.
ولقد انبرى الطاهر الحدّاد إلى جانب زمرة من الوطنيين الخُلّص إلى الانخراط في هذا الحراك بالفكر والقلم بعد أن اشتدّ عوده بتحصيل شهادة العالمية من الجامع الأعظم، فكان يساهم بالكتابة في أغلب الجرائد السيّارة آنذاك من أمثال “الصواب” و”لسان الشعب” و”الأمّة” و”العالم الأدبي”، وكان قريبا من رجال الإصلاح ومن فرسان القلم من أمثال رفيق دربه في الزيتونة أبي القاسم الشابي الذي صدح في شأنه وشأن رفيقه محمد علي الحامي سنة 1924: كلّما قام في البلاد خطيب *** موقظ شعبه يريد فلاحه
أخمدوا صوته الإلهي بالعسف *** أماتوا صداحه ونواحه..

تأسيس جمعية التعاون

فعلا لمّا عاد محمد علي الحامي من ألمانيا بعد تحصيله على شهادة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية في مارس 1924 بعد هجرة دامت 15 عاما قام صحبة ثلّة من الوطنيين من أمثال الحبيب جا وحدو والطاهر صفر وأحمد الدرعي بتأسيس جمعية التعاون الاقتصادي وهي تعاونية زراعية وصناعية وتجارية ومالية لفائدة الشغّالين وكلّف الطاهر الحدّاد بالدعاية لهذا المشروع الرائد، ولقد ألقى هو الخطاب الأبرز في الاجتماع العام الذي انتظم بمقر الخلدونية يوم 29 جوان 1924، ولكن سرعان ما انتبه الجميع إلى ضرورة المرور إلى مرحلة أخرى خاصّة بعد اعتصامات العمّال في تونس وبنزرت فأسّست الجماعة لأوّل مرّة نقابة في الغرض.

تأسيس جامعة عموم العملة

ثمّ من بعد ذلك اتّجه الرأي إلى تأسيس جامعة عموم العملة التونسيين وذلك يوم الثالث من شهر ديسمبر من السنة نفسها وانتخب الطاهر الحدّاد عضوا في هيئتها التسييريّة.
ولكن المستعمر تفطّن سريعا إلى خطورة هذا الحدث ولم يتوان في ردع النقابيين وأصدر أمرا بإبعاد محمد علي الذي تحوّل إلى مصر ثمّ إلى السعودية حيث وافته المنيّة في حادث سير.
ولم يبق لرفيقه الحدّاد إلا أنْ يؤرّخ لهاته المرحلة في كتاب بالغ الأهميّة تحت عنوان: “العمّال التونسيون وظهور الحركة النقابية” الذي صدر سنة 1927 كانت الغاية منه بحسب ما خطّه ” وإنّما غايتي أن أجعله مثالا من أمثلة الحركات الاجتماعية في بلادنا وكيف قوبل هذا الأمر من حكومة البلاد والأحزاب… وما الماضي إلا درس للمستقبل”.

تأسيس النقابات المستقلّة

وفعلا لقد تحالف موضوعيا المستعمر مع الحزب الدستوري القديم لمناهضة هاته الجامعة، ولذلك فقد أسقط الطاهر الحدّاد عضويّته من ذلك الحزب الذي انتمى إليه منذ انبعاثه عام 1920 ولكن أعاد بلقاسم القناوي الكرّة ثمّ جاء فرحات حشّاد فأسّس النقابات المستقلّة سنة 1944 قبل أن يولد ـ كبيرا ـ الاتحاد العام التونسي للشغل في 20 مارس 1946 وفي نفس المقرّ التاريخي أي الخلدونية.
في مداخلة عام 2007 على منبر منتدى الفكر التونسي بأريانة يذكر الأستاذ أحمد خالد بأن الطاهر الحداد يعلل من بين أسباب القضاء على الحركة النقابية الأولى هو بقاء نصف المجتمع داخل البيوت محجوزا بعيدا عن الإسهام في الحراك الاجتماعي”.
وربما هذا الذي جرّه إلى كتابه “امرأتنا …” والذي تكبّد جرائه الويل الويل يطلق زفراته وهو الشاعر صنو الشابي مخاطبا شعبه الذي أحب:

“عشت وحيدا فيك أندب حظهم وحظي بهم ندبا يذيب حديدا
فذلّتهم ذلّتي وعزّي بعزّهم وإن وهبوني للسعير وقودا”
وبالفعل قضى الحداد نحبه فريدا شريدا يوم 07 ديسمبر 1935.
لقد رثاه صديقه الهادي العبيدي فقال:
أخي إن سامك السفهاء سوءا وكان زمانكم نذلا كنودا
فلا تحزن فذا التاريخ عدل سيمنح اسمكم منه الخلودا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى