عيسى البكوش يكتب: مئويّة النقابي والبرلماني الحبيب طليبة أحد رفاق فرحات حشّاد (1925-2012)

كتب: عيسى البكوش
منذ مائة عام، في مثل هذا اليوم من هذا التاريخ ولد الحبيب طليبة بمنزل جميل وبالتحديد في حومة البشير بن موسى ومن أترابه في هاته المدينة المناضل الدستوري محجوب بن علي (1916-1999) وممن أدركه من أعلام مدينته محجوب بن ميلاد (1916-2000) أستاذ الفلسفة بالجامعة التونسية وصاحب العبارة المأثورة تحريك السواكن.
البدايات
زاول تعليمه الابتدائي بمدرسة المكان إلى أن تحصّل على شهادة ختم الدروس، ثمّ تتلمذ في دروس ليلية إلى أن نال نصيبا مكنه من المعرفة باللغتين العربية والفرنسية كتابة وترجمة غير أنّه خيّر ـ هل هو اختيار أم اضطرار ـ أمام ما تشهده البلاد وهي تئنّ تحت نير الاستعمار، الانخراط في حركة التحرير فانضمّ منذ سنة 1942 إلى صفوف الحزب الدستوري بزعامة الحبيب بورقيبة وانخرط بالموازاة في العمل النقابي كمسؤول في نقابة الأشغال العامة ببنزرت.
ولم يكن العمل النقابي في معزل عن الحراك الوطني والدليل أنّ رائد الحركة النقابية فرحات حشاد كان أيضا زعيما دستوريا مثله كمثل الذين والوه أمثال أحمد بن صالح ومحمود المسعدي وأحمد التليلي والحبيب عاشور.
رفيق فرحات حشاد
يعدّ الحبيب طليبة أحد رفاق الشهيد الخالد فرحات حشاد إذ كان متواجدا إلى جنبه في الاجتماع التأسيسي لاتحاد الشغل بالخلدونية يوم 20 جانفي 1946، كما أنّه كان من العناصر الفاعلة في مؤتمر 1956 الذي انتخب فيه أحمد بن صالح أمينا عاما.
ولقد بقي الحبيب طليبة وفيّا له عند المحاولة التي أقدم عليها الرئيس بورقيبة بتقسيم الاتحاد في ديسمبر 1956، ولقد تمكّن بعد رأب الصدع من احتلال منصب الأمين العام المساعد سنة 1960 عند تولي أحمد التليلي الأمانة العامة.
ثمّ من بعد ذلك توالت المسؤوليات النقابية من ذلك ترأسه لمؤتمر المنستير عام 1966 ومؤتمر سوسة سنة 1969 ورئاسته للجنة الوطنية لتوحيد الحركة عام 1987.
وقد شارك إلى جانب ذلك في عديد المؤتمرات الدولية التي نظمتها السيزل والكنفدرالية الإفريقية وتمكّن من ربط علاقات وطيدة مع نقابيي العالم ومع بعض الرؤساء أمثال سنغور وسيكوتوري.
تعرّض للاعتقال
أمّا في المجال السياسي فلقد أفضت نضالاته على الصعيد الجهوي والوطني إلى تعرّضه للاعتقال ثمّ للنفي خاصّة إثر أحداث جانفي 1952، فلقد عرف الفقيد محتشدات بنقردان وزعرور وبرج البوف وتطاوين، إلى جانب الإقامة الجبرية في جزيرة جربة ثمّ في بنزرت وذلك إلى شهر جوان 1954.
ولم يكن ذلك غريبا على سي الحبيب الذي تأثّر منذ صغره بسيرة رجلين من أفذاذ الوطن وهما الشهيدان: حسن النوري (1905-1939) والحبيب بوقطفة (1906-1943) كما أنّه ساهم إلى جانب صفوة المناضلين في قيادة معركة الجلاء عن بنزرت عام 1961 ولقد جرح أثناء الصدام مع الطغاة.
انتخب قبل ذلك عضوا بالمجلس القومي التأسيسي سنة 1956 ثمّ عضوا بمجلس الأمّة ثمّ مجلس النواب لسبع دورات متتالية وهو لعمري رقم قياسي في تاريخ البرلمان التونسي.
كما أنّه ترأّس بلدية منزل جميل بين عام 1957 و1974 ثمّ ترأسها من جديد لدورة واحدة (1985-1990).
أمّا في المجال التنموي فلقد أسّس التعاضدية العمالية للبناء والتشييد ومشروعا اقتصاديا بمدينة أريانة اختار له من الأسماء ‘التنمية’.
قنوعا وخدوما
يقول عنه أحمد بن صالح (1926-2020) : ” كان قنوعا وخدوما للغير ومانع في أن يتحمّل مسؤولية وزارة البريد عندما كنت قدمت اقتراحا في شأنه للرئيس بورقيبة” وأضاف: ” كان متميّزا بالاعتدال عاش مهابا حريصا على حبّ الخير وإذاعته”. كان ذلك عند تأبين الفقيد الذي لبّى نداء ربّه في غرة ديسمبر 2012 ودفن في مقبرة المكان.
ولقد أبّنه أيضا الأديب رشيد الذوادي الذي خصّه فيما بعد بكتاب عام 1916 حمل عنوان ” الحبيب طليبة … وذاكرة وطن”.
لقد رثاه الشاعر الملهم عز الدين الشابي الذي ترجّل منذ أيّام بقصيد جاء في مطلعها:
“بدءًا من الآن أنت الهدى والرمز
وأنت فينا الحبيب الذخر والكنز”
ويختم:
“أرضيت ربّك في دنياك معتصما
بحبل مرضاته بالله تعتــــــــــــزّ
ذكراك راسخة فينا بلا جلل
نحن الوفاء وأنت المنقذ الرمز”