صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب/ عز الدين قلّوز في ذمة الله: منارة تونسية على ضفاف السّين

كتب: عيسى البكوش

انتقل رحمة الله عليه يوم 18 أفريل 2023 العلاّمة الجهبذ عز الدين قلوز عن سن 92 عاما قضّى جزءا هامّا منها على ضفاف السين في مدينة الأنوار باريس…

ولقد أفردت الفقيد على صفحات الصريح أون لاين منذ أمد بورقات تروي مسيرته وتقطف من مدوّنته الرائعة شذرات قدّت من علم خالص
(طالع هنا المقال كاملا عن الراحل عز الدين قلوز )
وأشير إليكم بقراءة الخاتمة حين يذهب بسي عز الدين العشق بقريته الماتلين إلى حدّ المناشدة بالموت فيها.
ولقد ووري المغفور له بالفعل ترابها يوم 19 أفريل 2023، فالله نسأل أن يسكنه فراديس الجنان وهو الذي ترجم للعالمين آي القرآن.

منارتنا هذه انطلق بريقها من أقصى شمال البلاد التونسية.   
الماتلين مدينة ساحلية تطلّ على البحر من عليائها يعرفها مترجمنا وهو المؤرخ الجليل أصيل هذه الجهة البنزرتية تماما مثل مؤرّخ رأس الجبل الفقيد عبد العزيز إدريس  “الماتلين أسّسها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر جنود أتراك قدِموا إلى تونس تحت لواء الأخوين بربروس وعرّوج وهي تحمل اسم المدينة الأصلية لهما والموجودة في قلب جزيرة Lesbos اليونانية وهي Mytilène كما أنها استقبلت فيما بعد عددا غير قليل من العائلات المهاجرة من إسبانيا بعد طردهم من طرف الملك فيليب الثالثPhilippe III”
ولد عز الدين قلوز – الذي ينحدر بدوره من هاته السلالة الأندلسية – في الثاني عشر من شهر أفريل من سنة 1932.
أحرز على الإجازة في اللغة والآداب العربية بجامعة السربون، والإجازة في اللغة والآداب الفرنسية وتحصّل على التبريز فيهما، كما نال دكتوراه الدولة في مادة التاريخ.
كما أنه تابع دروس معهد الدراسات السياسية والمدرسة الوطنية للإدارة بباريس ثمّ عاد إلى تونس سنة 1958 وانضمّ إلى الوظيفة العمومية واشتغل في ديوان كتابة الدولة للتخطيط حيث كلف بالدراسات وسمّي رئيسا مديرا عاما لشركة السكر من سنة 1959 إلى سنة 1962.
 والتحق عام 1963 بإدارة السياحة وسمّي عام 1974 محافظا للمكتبة الوطنية وذلك إلى غاية سنة 1982.

ممثل تونس لدى اليونسكو

ثمّ بعد ذلك سمّي ممثلا لتونس لدى منظمة اليونسكو وفي الأثناء باشر مهنة التدريس كأستاذ مساعد بجامعة كاليفورنيا، ثمّ من سنة 1966 إلى سنة 1971 بجامعة تولوز في فرنسا وعاد إلى تونس عام 1971  والتحق بالجامعة التونسية وشارك في عديد المؤتمرات الدولية، وترأس عديد اللجان في نطاق منظمة اليونسكو.
نشر عديد المقالات في حقل الاقتصاد والعلوم والتربية وكتب عن الأدب الجزائري باللغة الفرنسية وكتب عن André Malraux
تحصل على عديد الأوسمة في تونس وفي فرنسا
عيّن عضوا بالمجلس الاستشاري حول الإسلام بفرنسا وهو عضو بالهيئة العليا للفرانكفونية وهو كثيرا ما يحلّ ضيفا على البرنامج الأسبوعي الذي تخصّصه التلفزة العمومية الفرنسية للمواطنين المسلمين بفرنسا.

من آثاره:

1- Pèlerinage à la Mecque
بالاشتراك مع محمد أركون وصور عبد العزيز الفريخة،  نشر Bibliothèque des arts
وقعت ترجمته إلى الإنقليزية والاسبانية والألمانية.
2-  Le barrage   (ترجمة)
صدر عن دار  Arcanters
3-  Histoire de la Tunisie : Les temps modernes
بالاشتراك مع المنجي صميدة وعبد القادر المصمودي (الدار التونسية للنشر)

4-Le fait religieux  صدر عن دار Fayard
Les arabes, l’islam et l’Europe
بالاشتراك مع  Dominique Chevalier وAndré Miguel صدر عن دار Flammarion
5- Le Coran  (ترجمة) صدر عن دار Flammarion
6-  Le livre de Abdallah مع Jacques Berque
صدر عن دار Arcanters

وقد نشر له فصل في كتاب نشره المجلس الاستشاري حول الإسلام في فرنسا تحت عنوان: “مسلمون في أوروبا”.
كما أنه كتب فصلا سنة 1998 في كتاب عن التوحيد في الإسلام وفي المسيحية نشرته دار Hans Kochler تحت عنوان Du bon usage des Archétypes    
وكتب سنة 1995 فصلا في كتاب: العرب والتاريخ الخلاق، تحت إشراف Dominique chevalier
وبالاشتراك مع محمد عزيز بن عاشور تحت عنوان:
Loyauté califale et patriotisme Tunisien
وفي موسوعة “Le fait religieux” يكتب عز الدين قلوز الجزء المخصص للإسلام ويقدّم أركانه ومجمل مظاهره العقائدية وهو يبرز تماما مثل أترابه الذين تناولوا بالدرس الأديان الأخرى، الحاجة لدى الإنسان إلى المقدّس لكي يعي هذا النظام الكوني ولكي يكون لحياته معنى.
كلّ الديانات على اختلاف رسائلها وتنوّع لغاتها فهي تدعو الإنسان إلى اتباع سبيل الحكمة وإلى الصدق في القول وفي الفعل وإلى بلوغ الإنسانية.
يقول في حديث لـ Roger du Pasquier أورده في كتاب اكتشاف الإسلام Découverte de l’islam  واصفا مشاعره أثناء الحجّ :
” أرفع رأسي فإذا الذي لم أره من قبل أراه الآن.
بسيط ، بسيط جدّا، هذا المربّع المغطّى بهذا القماش البسيط الأسود الذي يتمازج مع ظلمة الفجر فيصبح من جنس اللا واقع.
فهو أي المربّع ليس بالموضوع فوق الأرض بل هو معلّق بين الأرض والسماء.
تنهمر الدموع لست أدري من أين أتت
لم أعد نفس الرجل
لم أعد ذلك اللاّمبالي، ذلك الذي كان يسعى إلى الفهم والتحليل ولدرس الحركات، حركاته لكي يروي فيما بعد ما الذي حصل له ويتحدّث إلى المثقفين مثله.
لا هذا الفيلسوف لم أعد أعترف به
ولا أرى نفسي فيه
لا أنا لم أعد إلا رجلا يبكي
الحمد لله أنّ العبارات المطالب التفوّه بها هي بسيطة ولكنها تخرج صرخة من داخلي: الله أكبر لا إله إلا الله ،
وأذرف الدمع ثمّ الدمع
وأصلّي ركعتين ووجهي تغمره الدموع
وجسدي تغمره مياه وأنا أشعر بأنّ المياه تغمر وجداني وتطهّرني.”

لقد أقدم عدد من أبناء الديار التونسية على ترجمة القرآن إلى اللغة الفرنسية ومن بينهم المغفور له الأستاذ الصادق مازيغ وأثره معروض للبيع إلى يوم الناس في رفوف المكتبات الفرنسية وهو من إنتاج الدار التونسية للنشر ، والدكتور الصيدلاني صلاح الدين كشريد وأخيرا وليس آخرا الفيلسوف يوسف الصديق الذي رأى اعتماد ترتيب الآيات حسب زمن نزولها على الرسول الأعظم.
أمّا في فرنسا فقد ترجم القرآن من طرف:
• محمد حميد الله – حمزة بوبكر – René Khawam –    André Chouraqui
• Jaques Berque –  Régies Blachère- Edward Montet
• Jean Grosjean – Denise Masson وهي أوّل امرأة تترجم القرآن
• Kazimirski
وفي حديث أدلى به إلى أحد المواقع الألكترونية، يقول عز الدين قلوز حول الناسخ والمنسوخ في القرآن:
” أنا أميل إلى اجتهاد العلامة محمد الطاهر ابن عاشور الذي أكّد من خلال عمله الجليل أي ” التحرير والتنوير” وقد قضّى فيه قرابة النصف قرن، أنّ القرآن بما هو كلام الله وفيه الناسخ والمنسوخ إذ يقول جلّ وعلا: ” مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ” سورة البقرة.
ويستنتج قلوز من ذلك وجود ما يسمّى بالقراءة الشاملة التي تمكّن المؤمن من بلوغ حقيقة القرآن وإدراكه بأنّ الناسخ والمنسوخ إنّما هما عناصر مؤسّسة لنفس الخطاب في سياقه الزماني فلا يكتفي الواحد بالتوقف عند محطّة زمانية بدون أن يتبيّن ذلك السياق.
ويواصل قلوز التحليل فيقول: إنّني لأعجب من بعض غلاة الشريعة الذين يدعون الاستناد على القرآن بينما هم يفرّقون الآيات عن بعضها وبخاصة تلك التي توسّع النظر وتتيح الاجتهاد.
لقد انتظم على منبر حوار الحضارات والأديان ملتقى دولي من 8 إلى 10 ديسمبر 2006 حول ” دور الأديان التوحيدية الإبراهيمية من أجل التسامح والسلم” بتأطير من المؤرّخ الجليل محمّد حسين فنطر.
ولقد شارك فيه الأستاذ عز الدين قلوز إلى جانب ثلّة من علماء الدين من أمثال دليل أبو بكر والحبرين René Sirat et Joseph Sitruk
ولقد استشهد خلال مداخلته على التسامح وتحمّل الأمانة بعدد من آي الذكر الحكيم كان قد وزّع نسخا منها على الحاضرين ومن بينها:
*002/288, Dieu n’impose à une âme que selon sa capacité. En faveur ce qu’elle aura acquis, à sa charge ce qu’elle aura commis »
” لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ” البقرة
*035/018, -Nulle porteuse ne porte la charge d’une autre. Si, la trouvant lourde, elle appelle pour qu’on la lui porte, en rien n’en sera-t-elle déchargée.
” وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ ” فاطر
*006/052, -Dresser leur compte ne t’incombe pas plus qu’à eux de dresser le tien.
” مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ ” الأنعام
*023/096-098, -Repousse la mauvaiseté par ce qui est le meilleur.
” ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ” المؤمنون
*005/105, -Vous qui croyez, prenez vos responsabilités. Qui s’égare ne peut vous nuire, si bien vous guidez.
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ” المائدة
ولقد كنت قدّمتُ بالمناسبة مداخلة حول محرز ابن خلف رائد التسامح في بلادنا.
كما أنه ساهم في الملتقى الدولي ببيت الحكمة بقرطاج من 20 إلى 25 ماي 1996 بمشاركة الأساتذة عبد الوهاب بوحديبة ولزهر بوعوني وعبد الفتاح عمر بنصّ عنوانه : حرّيات أو حريّة: هل لا بدّ من الاختيار” Libertés ou liberté : faut-il choisir ?”
شارك مترجمنا في عدّة معارض للكتب ومن بينها معرض مدينة Caen  النورماندية حيث قدّم كتاب ” العرب والإسلام وأوروبا” الصادر في طبعة جديدة سنة 2001 .
وقدّم لكتاب ” مسار مناضل” محمود الماطري (1926-1942)
وكذلك لكتاب ” احكي لي عن تونس” Raconte-moi la Tunisie لمحمد بوزكري سنة 2002 .
وأخيرا قدّم لكتاب للناصر قلوز يحمل عنوان ” متلين ” صدر سنة 2005 ويقول فيه: ” إنّي لا أميل إلى مثل هاته المقدّمات لأنها تؤجّل لقاء القارئ مع الكاتب ولذلك تعوّدتُ على عدم قراءة التقديم قبل قراءة متن الكتاب”.
وعلى الرغم من ذلك فقد كتب المقدّمة وزاد على ذلك بكتابة تعقيب آخر في ذيل الكتاب ضمّنه عشقه وحنينه لبلدة المتلين ” هذا الموقع الحالم، ومهما كان تواضعها فهي جديرة بأن تعود إليها لكي تحيى ولكي تموت”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى