صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب/ خميس الخياطي (1946-2024): ‘إمام’ النُقّاد السينمائيين كما عرفته

issa bakouche
كتب: عيسى البكوش

لبى يوم الثلاثاء 18 جوان 2024 الصديق خميس الخياطي نداء ربّه فرجعت نفسه المطمأنة إلى بارئها بعد انقضاء 78 سنة من العمر إذ ولد الفقيد يوم 10 ديسمبر 1946 بالقصور حيث تتدفق العيون الصافية..

ويا ليت شركة المياه المعدنية التي تُعلب هذا النبع تعرض في أروقتها بالعاصمة آثار هذا العلم الذي يعد من أفذاذ هاته القرية الفيحاء التي نشأ فيها وحفظ القرآن في كتاب جامع سيدي علي المحجوب، ثم زاول تعليمه الابتدائي بالمدرسة المختلطة بالمكان ثم تعليمه الثانوي بمعهد الكاف إلى أن التحق بمدرسة ترشيح المعلمين نزولا عند رغبة والده بينما كان هو مهووسا منذ بواكير شبابه بالفنون والآداب.

صلاة الغائب!

لقد نشر ذات يوم وهو تلميذ قصيدة بالفرنسية في مجلة فائزة التي كانت تديرها المنعمة درة بوزيد وتسببت له في ما يُشبه الفاجعة إذ أنه عندما عاد من المبيت المدرسي إلى البيت باشره والده وهو متأثر :”لقد صلّوا عليك صلاة الغائب في سيدي منصور” هكذا دوّن الصديق خميس في إحدى مقالاته وهو يشق طريقه نحو محنة الثقافة وهي محنة مثلما عنون إحدى كتبه “لذيذة”.

حراك السينما

لما قدم إلى العاصمة انخرط في حراك انطلق منذ نهاية الخمسينات في صفاقس وسوسة يرمي إلى نشر ثقافة السينما: نوادي السينما بريادة المنعم الطاهر شريعة ورفاقه وبالموازاة تعلقت رغبته في إذكاء جذوة تثقيف الطلبة وترفيههم من خلال تنظيم كل أسبوع في دار الثقافة ابن رشيق في فترة إدارتها من طرف الصديق خالد التلاتلي ما اصطلحنا على تسميته “Ciné étudiant” ولقد توثقت عندئذ صلتي به وأنا أتحمل مسؤولية الصحافة والنشر في اتحاد الطلبة وكان علاوة على ذلك مشرفا على الصفحات الثقافية للسان حالنا “الطالب التونسي” وكم قضينا سويا من وقت ممتع في أروقة المطبعة العصرية لصاحبها المنعم الطيب قريسة ولكن لكل شيء إذا ما تم نقصان..

رحلة باريسية

فلقد قرر الفقيد ذات يوم أن يترك كل شيء في هذه الديار بعد استقالته من جريدة “l’action” ويقصد ديار الغربة، فكانت رحلته الباريسية والتي ابتدأت سنة 1969 لتمتد حتى سنة 1996، وكانت رحلة الكسب والانجاز والأثر.
فلقد واصل تعليمه العالي بجامعة نانتار حيث تحصل على الإجازة في علم الاجتماع ثمّ عنّ له وهو المتمكن من المنظومة السينمائية شرقا وغربا أن يقدم أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه بجامعة السربون حول الشعور القومي في أفلام “صلاح أبو سيف” ولقد ترأس لجنة التحكيم محمد أركون أحد أركان الفكر الإسلامي.

حياة مهنية

متسلحا بهذا الرصيد العلمي انطلق الفقيد في نسج حياة مهنية متميزة فكان حضوره بارزا في أروقة دار الإذاعة الفرنسية على امتداد عشرين عاما وتقديم حصص بقيت في الذاكرة وعلى ذكر هذا العطاء، فلقد أشار الفقيد في أحد فصول كتابه “الثقافة محنة لذيذة” أنه قبل مغادرته البلد تقدم إلى الإذاعة الدولية بتونس فقوبل بهذه الجملة المحطمة ‘صوتك ما هوش متاع إذاعة’.
لم يكتف خميس بالمسموع فقوض قلمه لتحبير كم هائل من الفصول في عدد هام من الدوريات وبخاصة اليوم السابع والقدس ومحليا عند عودته الصباح وحقائق ولقد أنشأ في فرنسا مجلة سينما عربية.
كما أنه برز في المجال المرئي من خلال إنتاجه لبرامج في القناة الثالثة الفرنسية ثم في التلفزة الوطنية وفي باريس انتخب نائبا لرئيس المجلس الدولي للسينما والتلفزة التابع لمنظمة اليونسكو.
كما أنه انضّم إلى لجنة الاختبارات لأسبوع النقد في مهرجان كان. ولقد أنيطت بعهدته لفترة مديدة مسؤولية إدارة قسم الإعلام بمعهد العالم العربي بباريس.
وقع تكريمه في دورة سنة 2021 لأيام قرطاج السينمائية بإسناده التانيت الشرفي ومن آخر تجليات أعماله، ما قام به خلال رمضان السنة الفارطة بتقديم تسجيلات نادرة لحواراته مع نجوم السينما في العالم.

من مؤلفاته :
– فلسطين والسينما.
– النقد السينمائي.
– صلاح أبو سيف.
– السينما العربية.
– نجوم بها تهتدون.
– من بلدي.
– الدنيا هبال.
– حين أصبح الجمل لاحما.
Lablabi connexion-
• وبالطبع الثقافة محنة لذيذة.

رحم الله ‘إمام’ النُقّاد العزيز خميس الخياطي الذي كان دوما يردد “المثقف حرّ او لا يكون”.
ورزق أهله وذويه جميل الصبر والسلوان .
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى