عيسى البكوش يكتب: الدكتور المنصف درغوث (1930-2024): رئيس بلدية أريانة الأسبق كما عرفته…

كتب: عيسى البكوش
لبّى يوم الاثنين 21 ماي 2024 الدكتور المنصف درغوث رئيس بلدية أريانة الأسبق، نداء ربّه ثمّ ووري جثمانه الثرى في اليوم الموالي بمقبرة قمرت، مع العلم أنّ مقبرة سيدي الجبالي بأريانة ضاقت بمن فيها…
ولد سي المنصف يوم 7 جوان من سنة 1930 ونشأ في عائلة من الزعماء الوطنيين وبالخصوص عمّه ‘علي’ أحد الفاعلين في أحداث 9 أفريل 1938 والذي حوكم مع الحبيب بورقيبة وزجّ به في سجون تونس وفرنسا…
‘حي على الكفاح’
ولقد روى لنا الفقيد كيف شاهد عمّه حين داهم الجيش الفرنسي منزلهم الكائن بنهج السيدة عجولة بمدينة تونس وقبض عليه وهو يناشد أفراد العائلة بالصمود والمثابرة
‘حي على الكفاح’.
التحق بالمدرسة الصادقية سنة 1944 ثمّ عند إحرازه شهادة الباكالوريا سافر إلى باريس حيث درس الطبّ في كليّتها الشهيرة قبل أن يقفل راجعا إلى وطنه بعدما برز في اختصاص جراحة العظام وتقويم الأعضاء شغل خطّة رئيس قسم في مستشفى عزيزة عثمانة بالعاصمة…
خدم أريانة..
لمّا عاد إلى الديار نذر حيّزا من وقته لما فيه خير قريته التي اختارها موطنا له: أريانة، فكان طوال حياته على امتدادها في خدمة سكان أريانة وخاصّة الشباب منهم الذين احتضنتهم الجمعية الرياضية بالمكان والتي ترأسّها الدكتور درغوث لمدّة سنوات عديدة.
ولقد حظيت أريانة في عهد سي المنصف لآوّل وآخر مرّة إلى حدّ الآن بشرف الانضمام للنخبة الرياضية بارتقاء جمعيتنا العريقة إذ أنها تأسّست سنة 1938 إلى القسم الوطني وذلك سنة 1969.
وجوه وأسماء في أريانة
ولقد تشرّفت بالعمل إلى جانبه في الهيئة المديرة إبّان هذا الحدث التاريخي، ولقد كانت رئاسة سي المنصف للجمعية تختلف عن نظيراتها فلقد زاوج الرياضة بالفنّ إذ أنه استقطب في صلب الهيئة أساطين الغناء والعزف في أريانة من أمثال المطربة عليّة والعازفين حسن الغربي وعبد الستار بن عيسى والصادق الكومانجي إلى جانب الوجوه الرياضية اللامعة من أمثال علي بالعلجية ومحرز ومحمود التبّان ورجالا آخرين نذروا حياتهم لهذا المجال من أمثال المختار بن رمضان الذي يحمل الملعب البلدي اسمه، وحسين بوشوشة والحبيب التليلي ورضا باش طبجي وعلي الشيخ وعديد من أعيان البلدة من أمثال المنعّمين عبد الرحمان الخبثاني ومحمد شبيل والمنصف شويّب.
وفي تلك الفترة برزت وجوه أصبح لها شأن دولي من أمثال توفيق بلغيث وطارق ذياب والحطاب والهادي البياري والحبيب المرياح.
ولقد أشدنا بهذا الزخم عندما بادرت سنة 1983 بالاحتفال بالذكرى 45 لتأسيس الجمعية وقد كان الفقيد في مقدّمة المحتفين.
لم تنقطع صلة سي المنصف باللاعبين القدامى إلى آخر رمق من حياته، فلقد كان يلتقيهم بصفة منتظمة في مقهى “الربيع”، ومن قبل أي خلال ستينات القرن الماضي كان لسي المنصف حضور بارز في مقهى “يوسف” بشارع بورقيبة، وكان دوما محلّ انتظار وحبور من طرف أعلام القرية.
تحمّل الأمانة
إنّ المحبّة التي كان يحظى بها الدكتور درغوث أهّلته لتحمّل أمانة المدينة عام 1975 وكان قد انضمّ من قبل أي سنة 1969 للمجلس البلدي الذي ترأسّه المنعّم محمد مزالي وكنت آنذاك أصغر الأعضاء سنّا بذلك المجلس، فتعزّزت علاقاتي مع الأخ الأكبر والسلف الصالح، وشاء القدر أن أخلفه سنة 1980، ثمّ استمرت علاقتنا المتينة إلى فترة قريبة…
ولقد كان آخر لقاء جمعنا هو الجلسة العامّة لجمعية قدماء المدرسة الصادقية التي يترأسّها الآن جاره ورفيقه الأستاذ الشاذلي بن يونس ولقد أبلغته يومئذ رغبة أصحاب مقهى “يوسف” باستدعائه للحضور بينهم للذكرى وللعرفان، فأجابني مثلما كان دائما يردّد: “إنّ لقائي بأحبّائي في أريانة يزيدني في عمري”.
حبيبنا المنصف، لا ولن ينساك أوفياؤك وهم كُثر.
رحمك الله وأسكنك فردوس الجنان ورزق أهلك ورزقنا جميل الصبر والسلوان وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.