عيسى البكوش يكتب: الأديب محمد الصادق بسيس (1914-1978)/ النصير الأكبر للقضية الفلسطينية

كتب: عيسى البكوش
ولد محمد الصادق بسيّس بمدينة تونس في الثاني من شهر نوفمبر من سنة 1914 وتلقى تعليمه بالجامع الأعظم و الخلدونية وعند تخرّجه منهما باشر التدريس في الفروع الزيتونية ابتداء من سنة 1952 ثمّ بكلية الشريعة وأصول الدين.
كان معروفا منذ بواكير شبابه بالدفاع عن القضيّة الفلسطينيّة انطلاقا من سنة 1948 حتى عُرف بـ ‘الشيخ الفلسطيني’.
نضال مبكر
ولم يكن ذلك غريبا عن مناضل انتسب منذ أن كان يافعا إلى الحزب الدستوري الجديد وخاض تحت لوائه انتفاضة 09 أفريل 1938 الذي أودع أثناءها السجن كما أنه انبرى في تأسيس عدّة تنظيمات على غرار جمعية الشبّان المسلمين والرابطة الزيتونية ولجنة إغاثة فلسطين بمعيّة الزعيم الدستوري عزّوز الرباعي.
خدمة القضية
ولقد نشرت المجلة الصادقية في عددها الأخير ديسمبر 2024 وثيقة تاريخية تحمل رسالة من رئيس اللجنة محمد الصادق بسيس إلى “زعيم فلسطين” أمين الحسيني جاء فيها بالخصوص: “بعثنا إليكم بأعداد من جريدة “الزهرة” التي تفضّلت بنشر أعمالنا المتواضعة لخدمة القضية الفلسطينية التي يجب أن تحشد قوّة العالمين الإسلامي والعربي في ميدان واحد وصفّ متراصّ لقمع الطغيان الواغل والأخذ بصبح فلسطين حتى تستقل استقلالا تامّا”.
ويختم الرسالة بهذا الدعاء:” نسأل الله أن يمحّص عملنا وأن يحمي قبلتنا الأولى ومسجدنا المقدس من كيد الظالمين”.
عطاء فكري وأدبي
غير أنّ للراحل أوجها أخرى من العطاء الفكري والأدبي فلقد حقّق الكثير من المخطوطات ولقد أتى عليها الصديق المنعّم أبو زيان السعدي في كتاب أصدره سنة 2002 يحمل عنوان “محمد الصادق بسيس: حياته وآثاره ” من نشر المركز الوطني للاتصال الثقافي.
ومن ضمنها كتاب “النازلة التونسية” لمحمد السنوسي وكتاب “رياض الصالحين” للإمام النووي و” سبك المقال لفكّ العقال” لابن الطواح، أمّا” عن تآليفه فمن أشهرها:
– الخطب الحسينية في تونس.
– نظرة في التصوف الإسلامي.
– دفاعا عن السنة النبوية.
– مكانة الاجتهاد في الإسلام.
ولقد تميّز مترجمنا في تقديم كمّ هائل من التراجم على غرار الإمام المازري والمتصوّف عبد العزيز المهدوي والعلامة محمد العزيز جعيط والشيخ محمد الفاضل بن عاشور والأديب الذي تأثر به كثيرا العربي الكبادي والشاعر الشاذلي خزندار والمصلح السوري محمد كرد علي وعميد الأدب العربي طه حسين.
أحاديث إذاعية
هذا علاوة على الأحاديث التي كان يبثها صباحا عبر الأثير في الإذاعة والمقالات التي كان يُسهم بها في رواج الجرائد المحلية على اختلاف عناوينها. ولقد كان من أول محرري مجلة الثريّا لصاحبها نور الدين بن محمود (1914-1990) من ذلك فصلان من عدد ديسمبر 1946 “كتاب التشوّف، ونبذة عن حياة الأمير شكيب أرسلان.
يقول عنه نور الدين بن محمود في العدد الأوّل للثريّا – جانفي 1946:” لو شاء الفلسطيني كما يقول عامّة الناس أن يكون رياضيا لأحرز على بطولة الشبان في العدو ولكن شاء أن يكون كاتبا ومؤرّخا ومحاضرا وباحثا في قضيّة فلسطين.”
ويختم هذا التعريف بطرفة ولكنها معبّرة :”أذكر أنه أسّس عندما كان يرأس حظوظ الشبّان المسلمين صندوقا ويعرض على كل من يتناقش معه في الجلسة ويلفظ بكلمة أجنبية أن يعمّره بالمال كعقاب له ودرس”.
لقد ختم أبو زيّان السعدي كتابه حول آثار الصادق بسيّس بجرد للرسائل التي تلقاها هذا الأخير وخاصة تلك التي وصلته من شيخ الأزهر الخضر حسين والمؤرخ حسن حسني عبد الوهاب من مصر ومن إيطاليا وبالخصوص رسالة من الأمانة العامة للجامعة العربية في 05 جويلية 1948 تشكره فيها بصفته رئيس لجنة الدفاع عن فلسطين على توجيه دعم بمبلغ مليون ومائتين وعشرين ألف من الفرنكات لنصرة فلسطين بواسطة المفوضية المصرية بباريس.
في بيت الحديث بأريانة
هذا فيما يخصّ إشعاع مترجمنا على الصعيدين الوطني والقومي أمّا على الصعيد المحلي أي في أريانة التي اختارها مقاما له فلقد كان من جلاّس بيت الحديث وكان مثلما أشار إليه رفيقه بن محمود ” يجلس في المحلات العامة نزولا عند رغبة الأصدقاء الذين لا يردّ لهم رغبة ولا يعارض لهم طلب ولكنه يتمسّك بالعفة وينشر الفضيلة على سطوحها.”
لقد تشرّفت مدينتنا بتواجد هذا العلَم ضمن المجلس البلدي الثاني بعد الاستقلال (1960-1963) برئاسة المنعم مصطفى الحجيّج واليوم يحمل النهج الرئيسي للمدينة العتيقة اسمه تخليدا لذكراه وإكبارا لما بذله طوال عمره من أجل نصرة الدين الحنيف في مغارب الأرض ومشارقها.
توفّي رحمه الله يوم الرابع عشر من شهر أكتوبر من سنة 1978.