سجينان سياسيان يحاضران في ذكرى تأسيس فرع بنزرت لرابطة الدفاع عن حقوق الإنسان

مواكبة: الأمين الشابي
بحضور عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، منذر البجاوي، الذي بيّن في كلمته التمهيدية وأن فرع بنزرت كان منارة وصوت من لا صوت له. وكانت عبارة عن جسر تواصل هام في مرحلة التأسيس لـ فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان…
ندوة اليوم هي عبارة على قراءة الماضي واستشراف مستقبل فرع بنزرت للرابطة العتيدة. هذا اللقاء واكبه عدد هام من الرابطيين والرابطيات وكل متتبعي الشأن العام، انتظم لقاء هام احتفاء بمرور 43 سنة على تأسيس فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
هذه الاحتفالية كانت في شكل ندوة قدّم خلالها السجينان السياسيان السابقان، محمد الصالح فليس وأحمد القلعي، محاضرتين هامتين تحت عنوان موحّد ” واقع التأسيس ورهانات الحاضر وآفاق المستقبل ” وقد وضع كمال آية ميهوب هذه الندوة في اطارها منوها بحضور الشباب خاصة، وليحيل الكلمة بعد ذلك لـ هشام الطرابلسي لإدارة هذه الندوة وقد نجح في ذلك وأقنع…
المحاضر محمد الصالح فليس وظروف التأسيس
” انطلقت مرحلة تأسيس فرع بنزرت للرابطة التونسية لحقوق الإنسان منذ سنة 1977 بالسجن، حين اتصل بنا وفد من الرابطة، ونحن قابعون وراء القضبان، واقترحوا علينا تأسيس فرعا للرابطة ببنزرت.
وقد ذكر المحاضر أسماء البعض ممن كان يناضل زمن الجمر على غرار فوزي بلامين وهو أول رئيس لـ فرع بنزرت وكانوا صامدين لإقدامهم على مرحلة التأسيس في تلك المرحلة العصيبة باعتبار تصلب السلطة. هذه المرحلة بدأت كما ذكرت انطلاقا من سجن برج الرومي وأعلمونا بنيتهم بتأسيس فرع ببنزرت وطلبوا منا ولو رمزيا الانخراط بالرابطة.
بعد مغادرتنا السجن سنة 1978، خضنا التجربة، وأدركنا وأن المشكل كان ليس فقط مع السلطة بل وأيضا مع المواطنين باعتبارهم يرزحون تحت أفكار موروثة عن السلطة. وعليه قررنا تكوين الفرع انطلاقا بتوفير 50 اشتراكا للانخراط كشرط أساسي لبعث هذا الفرع.
مع التأكيد وأننا، في تلك الحقبة، كنا محاطين بحزب أكثر زبونية، وانطلقنا بمحيطنا المباشر و هي لجنة التنسيق وذلك بالتصدي لكل محاولتهم الاندساس داخل فرع الرابطة، حيث حاولوا شراء مجموعة من الانخراطات بحوالي 4 آلاف دينار. وأيضا كانت الولاية تبعث بموظفين عديدين جاؤوا فرادى يطلبون انخراطا بالفرع، فضلا عن عيون الأمن التي لا تنام لمراقبة كل تحركاتنا.
كنّا نحمل قبعتين، قبعة الرابطة وقبعة الانتماء و لكن ..
والمؤكد وأنّه رغم أننا كنا مناضلين يساريين بالأساس كنا قادرين على حمل قبعتين اثنتين مختلفتين. وبالتالي كنا نفرق بين قبعة الرابطة وقبعة الانتماء السياسي. ومن قبيل الاقتراب من الشرائح الاجتماعية، بدأنا بالنساء وذلك عبر تكوين لجان تهتم بالنساء وأخرى بالمعاقين…
وكان لنا بالتالي صراع متعدد الوجوه مع المجتمع والسلطة، باعتبار وأنّ السلطة آنذاك لا تقبل دروسا في حقوق الإنسان من أي طرف، وكنا نعي وأن كسب ثقة المواطن العادي أساسي في خوض المعركة الحقوقية. وذكر المحاضر أن أول تشكيلة لفرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان كانت برئاسة فوزي بالأمين ومحمد الصالح فليس ككاتب عام وتوفيق خوجة وطبعا بقية الأعضاء.
وقد اعتبرت السلطة هذا الفرع غير قانوني باعتبارها لا تعلم بذلك بالرغم من أن ذلك ليس من اختصاصها. وانطلق الصراع مع السلطة لمدة 3 سنوات وذلك لاعتبارات سياسية في حقيقة الأمر. وكان شدا وجذبا بيننا، وعليه قررنا أن نعمل على 3 جبهات.
وهي العمل داخل فرع بنزرت وتأسيس فرع آخر بماطر وكذلك عملنا على تأسيس مجلس وطني. وأن سلطة بورقيبة لم تقبل أن يتكون هذا المجلس الوطني للرابطة إلا بشرط أن يكون الأعضاء فيه مناصفة بين الرابطيين والدستوريين. بل بدفع منا أصبح لهذا المجلس المتكون من محمد الصالح النهدي وحمادي فرحات وخالد الفلاح والمرزوقي وغيرهم، رأيا غير استشاري بل أصبحت قراراته ملزمة. وبعد تأسيس فرعي ماطر وبنزرت أسندنا إلى البعض من جهة رأس الجبل ” جلال بالرحيمة ” ومنزل بورقيبة باعتبار الزخم العمالي بتلك الجهات بعض الانخراطات.
الخـــلاصـــة
خلاصة القول، حسب المحاضر، كان عراكنا مع السلطة بلا مهادنة، حيث كانت السلطة تطلب من فوزي بالأمين طرد محمد الصالح فليس من فرع بنزرت للرابطة، مؤكدا أنّ نجاح الرابطة يرجع إلى تضحيات أعضاء الرابطة الذي كان صوتهم عاليا وديدنهم مصلحة الوطن. وعليه حاولنا أن نجلب للفرع أناسا من قبيل محمد الشرفي وبن سلامة ونجحنا في ذلك.
لينهي مداخلته، بذكر حادثتين تمثلت الأولى في زيارة وفد من الرابطة لوالي الجهة آنذاك وكنت أنا ضمنه وذلك بصحبة محمد الشرفي وبن سلامة على أساس دراسة موضوع مقر فرع الرابطة. وقد حاول الوالي تعطيل الفرع على أساس أن مقر الفرع كان يرجع لبيت رئيس الفرع فوزي بالأمين.
وكان محمد الشرفي قد وبخ الوالي بطريقة ذكية باعتباره كان أستاذه سابقا بالجامعة، وكان من آثار ذلك أن نقلنا مقر الفرع إلى بيت الحقوقي عم علي بن سالم.
والحادثة الثانية تفكيك مفاهيم ما يدور من صراعات سياسية داخل السلطة نفسها خاصة سنة 1981 حيث كان بورقيبة خارج السياق باعتبار تقدم شيخوخته وما حلّ بالبلاد من تجاذبات اللوبيات داخل السلطة. ورغم ذلك صمدت الرابطة وذلك عبر توسيع دائرة نفوذها. وعلى اثر ذلك تمّ بث شريط وثائقي بعنوان ” المسيرة ” يرصد أهم المحطات التاريخية التي مرّ بها فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان منذ سنة 1981. وذلك قبل إحالة الكلمة للمحاضر الثاني.
المحاضر أحمد القلعي، الحاضر والنظرة الاستشرافية
استهل محاضرته بالقول، بأنّ نشاط فرع الرابطة ببنزرت، كان شاهدا على أهم الهزات التي عاشتها البلاد. وكانت ملتحمة مع هذه القضايا الوطنية، سواء تلك المتعلقة بأحداث قفصة أو أحداث الخبز بل وبكل قضايا الوطن مصيرية. وكان علينا الصمود أمام صخرة الاستبداد. كان نضال فرع بنزرت يتسم بالشمولية سواء تعلق الأمر بالدفاع عن حقوق الإنسان أو بالدفاع عن الفئات الضعيفة والشرائح الاجتماعية الخصوصية على غرار المعاقين. فضلا عن أنّ كان ولا يزال نضالنا مرتبطا بالشأن الوطني والقومي وكل ما يجري في البلاد العربية خاصة بفلسطين والعراق بل وفي كل العالم، باعتبار وأن حقوق الانسان كلّ لا يتجزّأ.
كان نضال الفرع يأخذ أيضا العديد من الأشكال الأخرى سواء عبر المحامل الأدبية أو الموسيقية على غرار الأمسيات الشعرية والحفلات الموسيقية الملتزمة بالقضايا الوطنية والقومية. وكنا لا نهتم بالانتماء السياسي للشخص الذي يعيش مظلمة بل كنا ندافع عليه استنادا على مبادئ الرابطة. ومنذ سنة 1992 حاولت السلطة في عهد بن علي التضييق وبكل السبل المتاحة، التضييق على عمل الرابطة عموما وخاصة عبر اتحاذ قانون ينصف فيه على أن الرابطة جمعية عامة.
الفرع بين الماضي والحاضر
منذ سنة 1989 تعذر على الرابطة تنظيم انتخاباتها تبعا للضغوط التي كانت تمارسها عليها آنذاك السلطة السياسية الحاكمة، فكان تعيين الهيئة عبر التزكية ولا الانتخاب. ورغم ذلك كانت الهيئة متماسكة وصامدة وتجتمع شهريا لمتابعة القضايا الوطنية بل وتجتمع كذلك مع منخرطيها.
وفي تلك الفترة أيضا، تمّ احداث ” مجلس الحريات ” ويضم من بين أعضائه المرزوقي وسهام بن سدرين وأحمد القلعي وغيرهم. وكان هذا الهيكل داعما للرابطة لا منافسا لها. ومع الثورة، كانت الرابطة أيضا في طليعة ” المحررين ” وقد تمّ سنة 2011 تنظيم مؤتمر الرابطة لفرع بنزرت وقد أفرز رئاسته سي محمد الصالح فليس ونائبه محمد الصالح النهدي. لكن وللحقيقة التاريخية، فإن الفرع لم يعرف كيف يتأقلم مع الثورة ليتواصل إشعاعه.
رهانات المستقبل
باختصار شديد، ودائما حسب المحاضر، أحمد القلعي سيتواصل عمل فرع الرابطة، عبر من تقلّدوا تسييره واختاره صندوق الاقتراع، خاصة وأنّ جلّهم شبان وذو كفاءة. فقط بات من الضروري بعث أكاديمية من أجل تكوين 50 شابا وشابة في مجال حقوق الإنسان لتكون نواة صلبة لتواصل العمل المثمر لفرع الرابطة ببنزرت. وقبل إحالة الكلمة للمتدخلين والنقاش، أثثت الشابة غادة الذوادي مساحة غنائية من الأغاني الملتزمة، بصوت جميل وفيروزي وملائكي انتشى له كلّ الحضور.
نقاش بنّاء وأسئلة جريئة
*المحاور التي أثارها كل من أخذ الكلمة وأدلى بدلوه حول هذا اللقاء، تناولت بالخصوص:
*الإجماع على مدى تأثير المرسوم عدد 54 على المناخ العام بالبلاد والذي وصفته احدى الشابات المتدخلة بمثابة الغول. بل وذهب البعض إلى أن البلاد تعيش مجددا زمن الدكتاتورية؟ وأين هي الرابطة من كلّ هذا الذي يجري؟ وأين اختفت مخالبها؟ وأين صوتها المرتفع؟ وهل يكفي إصدار البيانات وزيارة بعض المساجين؟
*أهم حقوق الإنسان هي الشغل والكرامة، وعليه لابدّ من مراجعة عميقة لعمل فرع الرابطة ببنزرت على أساس عملية تقييم شاملة لما مضى من أجل إعادة النظر في مجال تدخلاتها؟
*لا بدّ من تشبيك علاقات فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان مع بقية هياكل المجتمع المدني لتحصل الجدوى في عمل الرابطة.
*ما هي تصورات الرابطة لمجابهة السلطة على ضوء المرسوم عدد 54؟
*مواقف بعض الرابطيين تخترق ميثاق الرابطة وبالتالي لابدّ من إعادة النّظر في توزيع الانخراطات.
*هناك إنجازات كثيرة لم يتم ذكرها خلال هذه الندوة على غرار الدفاع عن من كان يقيم في أملاك الأجانب، إضافة إلى تنظيم عمل المعاقين.
*هل العمل في صلب الرابطة هو عمل نخبوي أم علينا التفكير في توسيع دائرة عمل الرابطة وجلب أكثر ما يمكن إليها؟
ملاحظة أخيرة وهامّة
ملاحظة أتت على لسان أحد المتدخلين في نهاية كلمته وهي في شكل تهديد مبطن.. ومثل هذا الكلام يؤكد أهميّة المرسوم عدد 54 لمثل هذه المواقف السلبية. بل وينسف كل المخاوف حوله.. فالرجاء قليلا من التعقل..وكثيرا من الحرية المسؤولة؟