صالون الصريح

د. علي بن العربي يكتب: في الذكرى الـ 15 لرحيل الكاتب والقاص والمسرحي سمير العيادي…

كتب: د. علي بن العربي

أحيّت بيت الرواية ومديرتها الناشطة المتألقة آمال مختار في رحاب مدينة الثقافة بقاعة صوفي القلي يوم الأربعاء 31 ماي 2023، الذكرى 15 لرحيل الكاتب والقاص والمسرحي سمير العيادي، وذلك تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية وبدعم من دار الأوبرا و جريدة لابراس وفق مبادرة من علي بن العربي صديق المرحوم ومثابرة على تحقيق الذكرى من صديقيه الأستاذ رؤوف الباسطي والأستاذ الشاذلي بن يونس، وكذلك من بين من تعاملوا معه كثيرا الكاتب الكبير أحمد الحمروني والمخرج التلفزي حمادي عرافة.

حضور من أصدقاء الراحل

حضر الأمسية عدد من اشد المتحمسين اليه من بين زملاءه المسرحيين الفاضل الجزيري وعبد اللطيف خير الدين واكرام عزوز وعزالدين المدني ومحمد كوكة ورؤوف بن يغلان ومن بين الادباء نافلة ذهب واحمد الحمروني ومن بين كبار الصحفيين الحبيب جغام وصالح بيزيد و ليلى بورقعة وسالم الطرابلسي او الجامعيين مثل مهدي الجندوبي وجمع آخر من الطلبة وشبان مسرح الهواة، وإن كان من بين هؤلاء من لم يواكب كل فقرات التظاهرة.

أصدقاء المرحوم سمير العيادي: (من اليمين إلى اليسار) علي بن العربي ـ نافلة ذهب ـ جليلة بكار ـ رؤوف الباسطي

وانطلقت تظاهرة احياء الذكرى بكلمة مديرة بيت الرواية الاديبة الناشطة آمال المختار عبرت من خلالها عن كل ما تحمله من اكرام وتقدير وافتخار بالمحتفى به وبما أنجزه طيلة حياته من ضجيج ابداعي وجلبة في مهجته وحيرة في تفكيره هذا هو سمير العيادي الذي عرفته وصاحبته في مهماته وابداعاته سمير العيادي الصاخب في صمته.

رسالة إلى المبدع الراحل

اما من خلال “رسالتها” الى المبدع الراحل التي نشرت في الكتيب الذي أعده د. على بن العربي بمناسبة هذه الذكرى تحت عنوان ” سمير العيادي… الذي غادرنا على عجل” فقد خاطبت باحساس وشوق كبيرين زميلها سمير العيادي متسائلة ” أيها الفنان… أتسمعني. أيها المبدع الذي رحل وما غاب ابعث لي بأي إشارة تقول لي انك تسمعني… أيها الفنان انا ادرك بحدسي ان روحك لم تغادر كما فعل جسدك….. ما تزال هنا ترفرف فوق رؤوسنا…. مثل فراشة صعقتها ذبابة من نار….
انت ككل صباح…. ” جلست في مقهى الروتند” حيث مجلسك الثقافي الذي دعوتني إليه منذ سنين خلت” بحضور جلساتك المثابرين على الموعد حمادي السنوسي وحسن بوزريبة وعلى بن العربي ومحمد بن رجب وغيرهم من غير المواظبين.

جئت وحيدة..

نعم انفض المجلس من بعدك… رغم مجازي المتكدر جئت وحيدة الى مجلسنا الثقافي القديم… على نفس الطاولة وضع النادل ذاته فنجان قهوتي امامي متسائلا في استغراب لمن الشاي المنقوع. طلبت منه ان يضعه قبالتي مجيبة “هناك صديق في طريقه الي….” تمتم النادل بكلام لم افهمه… لعله نعتني خلاله بالجنون وراح يهرول.
“ومن لم يجن بعد في هذا الزمن…. لو تدري أيها العزيز إن حلم الثورة التي كنت تنشد وننشد في سرنا وفي صمتنا الصاخب وفي طيات ابداعنا قد تفتتت مثل وردة تحت قدم غاضبة….”
“يا صديق… اطلب منك المعذرة لان ما مررنا به وما نحن فيه لم يترك للحلم مكانا فلم يبق لنا سوى الوجع والمرار…”.” نحن الأقلية التي ما تزال متشبثة بتونس خضراء … رغم تحطم المعنويات ورفس الطموحات وترهل الشاعر في ظل حياة جديدة لكنها بطعم كالح… خدعنا بعد رحيلك أيها المبدع وباتت غربتنا اشد رعبا ونحن بين أحضان وطن ينزف جهلا وتخلفا وفقرا…. لقد كنت محظوظا يا صديقي برحيلك قبل أن تشاهد في تونس أسوأ مما شاهدت…. لو عشت لـ مِت حسرة على تونس…هكذا كتبت آمال مختار رسالتها الى سمير.

كلمة الفنانة جليلة بكار بحضور علي بن العربي ورؤوف الباسطي


الكلمة التي توجهت بها الفنانة ( كما تريد أن نناديها) جليلة بكار فقد غارت هي أيضا في ذكرياتها مع صديقها سمير الذي فتح لها أبواب العمل المسرحي وهي تلميذة بمعهد العمران تسعى للتوغل في الفن الرابع من خلال إنتاجات مباريات المسرح المدرسي وسمير هو الذي نقلها للعمل بفرقة مسرح الجنوب بقفصة حيث تعرفت على الفاضلين الجزيري و الجعايبي وعلى رؤوف بن عمر، فرحات يامون… وحيث أدت دور “الجازية” في مسرحيته ” الجازية الهلالية” وهو الذي اهدى لها كتاب حول stanislavsky  حتى تتكون أكثر في الفن المسرحي وتتطلع على أغوار الفن الرابع.

كلمة جليلة بكار استقبلت من قبل الحاضرين باهتمام كبير كما كان الشأن بالنسبة لكل الكلمات التي قدمت. كلمة رؤوف الباسطي المنّظر التي لخصت بلباقته كل المراحل التي مر بها سمير من حلم الشباب الى عنفوان العطاء والبذل الإبداعي. من الفتوة الى ترهل حالته وصحته….

لا يمكن أن يُغفل..

كتب الباسطي في تقديم الكتاب ” سمير العيادي، هذا الاسم الذي لا يمكن أن يُغفل كلما تعلّق الحديث بتيار الطليعة في تونس أو بتطوّر النصّ المسرحي التونسي المتلمس سبل الحداثة مستلهما ينابيع كونية مثل المدرسة البرختيّة”. واعتقد الباسطي ” انه لا يمكن التاريخ لتطور التأليف المسرحي في تونس أو دراسة تطور الحركة المسرحية الحديثة عموما دون التوقف  عند آثار سمير العيادي وإسهاماته.
وتواصل آمال مختار ” سمير انتمي الى جيل عاش ماساة الفعل الإبداعي بمعناها النبيل والعميق جيل كان  يغمر بقلبه حينا الإعجاب بمن كانوا يسلمونه المشعل روادا ومنارات الأقطاب العظام من أمثال محمود المسعدي والشاذلي القليبي والطاهر قيقة و العروسي المطوي والبشير خريف والحبيب بولعراس و حسن الزمرلي وعلى بن عياد و يتملكه حينا آخر توقعه … قطع حبل الامومة والانطلاق الى الانعتاق المطلق جيل كان حلمه جميل.
هكذا عبر رؤوف الباسطي باحساس عميق عن صديق عمره سمير العيادي.
وكان دور الأستاذ الشاذلي بن يونس الذي واكب سمير العيادي باستمرار في كل ما عاشه وما قام به من ابداعات ليقول خلال الاحتفاء ويكتب في الكتيب المذكور أعلاه ” عرفت سمير العيادي في بداية الستينات وتواصلت علاقتنا وصداقتنا حتى تاريخ التحاقه بالرفيق الأعلى …. تعرفنا على بعض بالخصوص في دار الثقافة ابن رشيق لما تشاركنا في المباريات المسرح المدرسي ( هو عن معهد خزندار وانا عن معهد الصادقية)  ثم توطدت علاقتنا بالمكتب الجهوي للشبيبة المدرسية أين كنا نجتمع ونؤسس لثقافة جديدة في المسرح والموسيقى والشعر والكتابة الأدبية مع كل الأصدقاء رؤوف الباسطي محمد ادريس توفيق الجبالي على اللواتي حمادي بن عثمان محمد القرفي الإخوان الناصر وإبراهيم شمام، محمد رجاء  فرحات، فرج شوشان، فرحات يامون، محمد الارنؤوط ،الهادي قلة، رؤوف بن عمر، البشير القضاعي، عبد المجيد الساحلي، حياة القلال، ليليا ادريس، نبيهة بن حميدة، منيرة العروسي، اليفة شعبان، الأبناء بوسعادة (شكيب والراضي ومنذر) وغيرهم.
“ثم انضممنا إلى فرقة المسرح الصغير Le petit théatre  التي اسّهها  بدار الثقافة ابن خلدون وكان أول إنتاجاتها مسرحية “لوحة الاعاجيب” للفرنسي جاك بريفير jacques Prevert و كنا نتمرن على أدوارنا في هذه المسرحية بمركز الفن المسرحي بنهج جامع الزيتونة الذي كان يديره Serge Eric”

 الأسبوع الحلو

وإذ انسى لا انسى الأسبوع الحلو الذي قضيناه مع بعضنا في 1966 بمناسبة انعقاد مهرجان الشباب التونسي الفرنسي حيث أقمنا بالمعهد الفرنسي Cailloux  بالمرسى وقد صاحب المجموعة الكاتب التونسي المتالق محمد عزيزة وكنا نسخر من سمير  مما جعلنا نطلق عليه السيد س.م.ش.م.د بمعنى سمير العيادي مصور الشباب والمغرم بالدوش.
ويضيف الشاذلي بن يونس في مقاله بالكتيب ” قدم سمير العيادي عديد المسرحيات على غرار “عطشان يا صبايا”، “الجازية الهلالية”، “انتيفون او الحمامة والغراب اقلب حمام”، ” كينغ خميس”، كنا نتابعها بشغف….”
ثم ” تولى سمير العيادي إدارة المهرجانات العديدة وكان قد أصبح منشطا ثقافيا بارعا ومرجعا للأدب والشعر والقصة وتجاوز صيته البلاد التونسية ليصبح معروفا في كل العالم العربي إلى أن تم تسميته مستشارا ثقافيا بوزارة الشؤون الثقافية”.

مات ولم ترفع عنه المظلمة

ويواصل الشاذلي بن يونس ” نظمت في تونس عندما كنت نائبا لرئيس جمعية قدماء تلاميذ الصادقية بالاشتراك مع المرحوم محمد صالح بن عمر “ندوة نقدية لإبداعات سمير العيادي كان ذلك في بداية جانفي 2021 وقد نشرت دار إشراق مداولات هذه الندوة في كتيب انيق سنة 2021.
ثم يقول ويكتب الشاذلي بن يونس ” قبل رحيل سمير العيادي جمعتني به لقاءات بمكتبي تناولت بالخصوص مسالة تجميد المنحة التي كان يتقاضاها كمستشار ثقافي وموضوع شطبه بقرار جائر من أحد وزراء الثقافة اثر وشاية به من قبل  احد العاملين بالوزارة بخصوص امضائه على عريضة تندد بوزارة الثقافة.
ويضيف ” الشاذلي بن يونس ساعدت سمير العيادي على تحرير العريضة لتقديمها للمحكمة الإدارية… إلا  أن سمير بطيبته المعهودة … تردد… ثم رفض تقديم العريضة.
“…. ومات سمير ولم ترفع عنه المظلمة…. مات وفي قلبه غصة ولوعة…
اما صديق عمره واستاذه عز الدين المدني فقد عبر باسى ولوعة عن كل ما جمعه بسمير….كيف كان يلتقيان بانتظام وكيف كان يعملان كأبناء الطليعة على تقديم “القصة الجديدة” وكيف كان يعرفه على رواد القصة الجديدة في فرنسا وأوروبا بمختلف اختصاصاتهم.
لو نشرت كلمة عز الدين المدني التي ألقاها  في هذه الذكرى ستصبح وثيقة تحتوي على أهم ما قيل وما كتب على سمير العيادي.
تم اخذ الكلمة محمد كوكة وتحدث عما كان يجمعه بسمير من لقاءات فكرية وخاصة من أعمال مسرحية وذكر بالمودة التي كانت تربطه به عندما كانا يلتقيان في بهو المسرح البلدي او بين فترة  تمارين فرقة مدينة تونس للتمثيل التي كان سمير يواكب بعض أعمالها أو في المقاهي المجاورة ويتبادل معه الآراء حول حالة المسرح التونسي وما كان يدور بينهما من نقد لاذع  مرات او نزيه للأعمال المسرحية التي تقدم وقتها.
وكان الأديب الكبير أحمد الحمروني قد اخذ الكلمة لقص ما كان يعرفه عن سمير وما كانت تربط بينهما من علاقة جراء سواء انتمائها لنادي أبو القاسم الشابي أو في نادي القصة نفسه أو خارجهما في الشارع والمقاهي حيث كان يلتقيان وكان احمد الحمروني يرأف دائما لحالته الصحية التي باتت تتدهور.

ذكرى طيبة

ثم جاء دور صديقه المخرج التلفزي حمادي عرافة  ليلقي كلمته إثر عرض الفيلم التلفزي الذي أخرجه له عندما كان يعمل بالتلفزة التونسية ويديرها  وهو الفيلم المقتبس عن قصة “البرنس الذي نسجته لي جدتي بعد وفاتها” وقد شارك في أداء  الأدوار في الفيلم الممثلة منجية الطبوبي والممثل صالح الجدي والممثل أنور العياشي وتتبع الحاضرون للمشاهد الجميلة  لهذا الفيلم وشاركوا من بعد في النقاش الذي فتحه حوله المخرج حمادي عرافة.
ثم ختم كلمته بالتعبير عن مدى عمق علاقاته بسمير العيادي وقد تفاعل الحاضرون مع هذه الفقرة الثرية بالاحساسات الطيبة لهذه الذكرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى